دراسات وأبحاث
الإرهاب العابر للحدود من إواليات ” الشرق الأوسط الكبير “
عندما نرمي ببصرنا في خرائط الأزمات التي شغلت العالم خلال العشر السنوات الأخيرة على أقل التقادير سوف نجد بأنها ترتكز فيما يسمى ب ” الشرق الأوسط الكبير ” تنطلق من الحزام الشمال الإفريقي مرورا إلى أقصى أفغانستان، والسمة الأساسية لهذه الأزمة هي ” بؤر الإرهاب ” المتمثلة في تنظيم القاعدة والتنظيمات الإسلامية الجهادية التي أعطت ولاءها ولو مرحليا لتنظيم القاعدة، كدولة الإسلام للعراق والشام، والدولة الإسلامية بمنطقة الخليج، والدولة الإسلامية لشمال إفريقيا.
طبعا الإرهاب زعزع الاستقرار العالمي إلى درجة أضحينا كما يسميه الباحث زكي لعايدي نعيش ” زمنا عالميا ” واحدا، يتمثل فيصلا وجوديا يقطع مع السابق ويبني للآتي، ويقوم الحدث الإرهابي كما القطيعة الإبيستمولوجية، وبالفعل هذا ما حدث بعد الحادي عشر من شتنبر 2001 حيث تناسلت الكثير من التصورات التي قلبت الطاولة على المنبنيات القانونية الدولية، وحتى حركة سير المنتظم الدولي.
والعالم العربي هو أكبر ورش ومختبر لتصورات جيواستراتيجية ترسم على خلفية أمنية عالية التعقيد، مما يضعه في الصفوف الأمامية لمواجهة هكذا مد عنفي يتجاوز الحدود الدولتية, والتي لا يلقي لها بالا من أساسه.
ولكي يتيسر التعاطي مع الظاهرة وفق أسس نظرية نعتقد بأنها سليمة، ستكون قراءتنا بعيدة عن التمفصلات الحقوقية الدولتية، والرجوع قليلا إلى الجغرافيا، ليس بوصفها الأرض التي يتحرك فيها الإرهاب ضاربا بقوة، بل بوصفها مرحلة معرفية مساعدة في فهم الظاهرة، ورسم سياسة فعالة للتعامل معها.
لذلك وقبل أن ندخل صلب الموضوع يتناسب التأكيد على ثلاث مرتكزات ( الفصل الأول ) ستكون هادية لنا في بحثنا الذي نحن بصدد رسم معالمه، على أن ننتقل إلى مقاربة التدبير الجغرافي لبؤر الأزمات وفق ما أسميناه باستراتيجية الجغرافية الحاضنة واستراتيجية الجغرافية الارتكازية واستراتيجية الجغرافيا القتالية، حتى يتناسب التعامل بكثير من الفعالية مع مجمل التهديدات ( الفصل الثاني ).
الفصل الأول: المنطقة تتشكل على وقع ثلاث مرتكزات:
واقعا فيما يتعلق بالمنطقة العربية في ظل المتغيرات العالمية يمكن أن نجد ثلاث مرتكزات تمس بوجودها بشكل مباشر، والبعض الآخر بشكل غير مباشر، إلا أننا آثرنا التركيز على الفاعلية المباشرة لملمة للموضوع في بحث واحد يضيق عن التوسعة المنهجية.
أولى هذه المرتكزات أن العالم يتجاوز المرحلة الويستفالية ويتقهقر إلى العصور الوسطى ( المبحث الأول )، ثانيها أن المنطقة العربية هي جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير ( المبحث الثاني )، ثالثها أن العالم بتجاوزه لمعيارية الأخلاق أضحى يعيش مبنى فكريا خطيرا ألا هو اعتيادية الشر ( المبحث الثالث )، والتي سوف نفصلها تباعا.
المبحث الأول: العالم يعود القهقرى إلى العصور الوسطى:
يرى الخبير الاستراتيجي خانا أن العالم أجمع بدأ يعرف نفس خصوصيات العصور الوسطى، من قبل اضمحلال مؤسسة الدولة الأمة حيث أن الأزمات المالية إذا مست دولة كالولايات المتحدة الأمريكية تنعكس بالسلب على مجموعة من الدول في العالم، أو أنك عندما تنظر إلى جمهورية الصين فإنك تنظر إليها على أنها أكثر من دولة. ([1])
أو أنك عندما تنظر إلى أفغانستان فإنك لا تنظر إليها كدولة، وقد دافع عن هذا التصور في سلسلة مقالات لا تعدو أن تكون تكرارا لمجموعة ملاحظات يبديها هنا وهناك، لكن المحصلة هي أن العالم لم يعد قرية صغيرة، بل عاد عالما قروسطيا، حيث ثمة صراع على السلطة وتفكيك للإمارات الضعيفة، في ظل العولمة حيث المشروع أكبر من دولة واحدة، بل أكبر من أجل أن يهتم بدولة واحدة.([2])
فالمنظومة الفكرية التي يدافع عنها باراغ خانا أن الشرعة الدولية وغيرها من الموازين الدولية لم تعد ذات قيمة تذكر، كما أن العصور الوسطى لم تكن منضبطة لهكذا تصور، وأن سياسة التقسيم الجغرافي لمجموعة من الدول خدمة لمصالح العولمة هي سائرة وغير متوقفة بتاتا، ففي مقالة له حديثة جعل من التقسيم شيئا من الجميل فعله Breaking Up Is Good to Do، حيث جعل من تقسيم السودان مجرد خطوة في اتجاه تقسيم العالم الأجمع، وطبعا ليس من المستغرب أن يركز على منطقة الشرق الأوسط، جاعلا منها قدرا لا يرد. ([3])
طبعا ليس الغرض هو الغوص في مجمل أفكار هذا الباحث، بل فقط التنويه إلى مسألة حساسة جدا، وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إلى نفسها كإمبراطورية وباقي العالم رعاياها، ولهذا هي لا ترى نفسها ملزمة بأية شرعية دولية، وهو ما تم التثبت منه خلال إعلان الحرب على العراق دون الرجوع إلى مجلس الأمن، بل نجد بأن الإدارة الأمريكية ذهبت أبعد من ذلك عندما أعلنت بأنها غير معنية بأمم المتحدة إذا ما رأت مصلحتها في التدخل العسكري في أي قطاع ترابي في العالم، في إطار ما أسمته بالحرب الإستباقية.
طبعا ما نريد التنويه إليه الآن هو أنه في الاستراتيجيات العالمية لم يعد ينتبه للأمم المتحدة على أساس أنها رمز الشرعية، بل فقط ينظر إليها على أساس أنها أداة تخدم غرضا مرحليا وإلا فإنه يتم تجاوزها بكل سهولة.
فالمضيق النظري هو أن العقل الاستراتيجي الأمريكي أضحى أحادي البعد لحل المشاكل التي يراها تقف في وجهه، وهي إعادة ترسيم خارطة جديدة للعالم، عن طريق التقسيم.
مما يفتح الباب مشرعا لمساءلة التصور العولمي لمسألة الأمن القومي، فما دامت الرؤية الإستراتيجية الأمريكية تنطلق من مقدمة المنظور الإمبراطوري العائد إلى العصور الوسطى، فإنه يكون من الأسلم التعامل بحذر شديد مع هكذا رؤية، بوصفها ذات حمولة إمبراطورية.
لأن العقلية الأمريكية الحالية الآن وهنا مرتهنة إلى رؤية ” السامري الشهم ” وقصة هذه التسمية راجعة إلى مقالة كتبها الصحافي الأمريكي هنري لوس خلال الأربعينات من القرن المنصرم مستحثا الأمريكيين على ” السعي لإظهار صورة لأمريكا تقدمه كقوة عالمية ، وهي صورة حقيقية وصادقة … أمريكا كمركز دينامي لمجالات متسعة دوما من المبادرات والمشاريع. أمريكا كمركز تدريبي للعاملين المهرة من أجل صالح البشرية، أمريكا ” السامري الشهم ” أمريكا المؤمنة من جديد بأن الرب يبارك لك حين تعطي ولا تأخذ شيئا بالمقابل، أمريكا ك ” محطة توليد ” لمثل الحرية والعدالة ” ( [4] ) فهذا التصور ليس وليد الخمسين سنة الأخيرة، بل شملت حتى عقلية الأباء المؤسسين للولايات المتحدة، ذلك الهجاس لامتلاك إمبراطورية من نوع آخر، فمعضلة عقلية الإمبراطورية أنها لا ترى تنوعا إلا في إطار الاستتباع.
وطبعا هكذا تصور يتداخل مع مفهوم المصلحة القومية للدولة كما نوه إلى ذلك المفكر أليكسندر ونت، الذي حددها في أربع: البقاء المادي، والاستقلالية، والرفاه الاقتصادي، والاعتداد بالنفس الجماعي، بعد أن أضاف الركن الرابع لتحديد المصلحة القومية ومتبنيا في نفس الآن ثلاثية الفقيهين جورج وكيوهان. ( [5] )
فالمدرسة البنائية تتأتى أهميتها في أنها لم تكتف كتوجه فقهي بمتابعة الوقائع الخارجية للدول والمنظمات الفوق دولية لوضع نظريات كالواقعية والواقعية الجديدة، بقدر ما رأت في الحراك الدولي ثقافة اجتماعية يتناسب التعاطي معها معرفيا، ورفعا إلى بنى فكرية عميقة تسمح بوضع نظريات أصلب.
وإذا ما اكتفينا ببحث صيغة الإعتداد بالنفس كمكون للمصلحة القومية للدولة نجد الفقيه ونت يعرفها ” بحاجة الجماعة للإحساس بالرضى عن نفسها، إن من جهة الإحترام أو من جهة المكانة، فالإعتداد بالنفس حاجة بشرية أساسية على مستوى الأفراد كما على مستوى الجماعات.” ( [6] )
وهذا المرتفع القيمي – أي الاعتداد بالنفس – هو مقوم بنيوي يضمن الكرامة وعزة النفس، دونما خنوع لعملية الاستقواء بما هو حتم لأنه أول ما يتهاتر أمام تعملق الدور الأمريكي بوصفه امبراطورية.
فإذا ما اهتز عنصر وركن الإعتداد بالنفس الدولتي فإنه يؤدي إلى ضياع معالم الدولة القوية، لتتحول إلى دولة ضعيفة فاقدة للمشروعية الداخلية، مما يدفع بمصادر القرار إلى التعامل بشكل عنفي وفي إطار انعدام الديموقراطية في مواجهة الاحتجاجات، وربما حتى مشاريع انقسام قد ترتفع في وجه هكذا دول.
فما يصرح به الفقيه هولستي فيما أسماه ” معضلة الدولة الضعيفة ” أن ” الدولة الضعيفة مقحمة في حلقة مفرغة، فهي لا تملك الإمكانيات لخلق المشروعية بضمان الأمن وخدمات أخرى، وأنها في محاولة امتلاك القوة، تتبنى سلوكات افتراسية واختلاسية بين القطاعات الإجتماعية، فكل ما تحاول كسبه من القوة يؤدي إلى دوام ضعفها ” ( [7] )
فإنه يظل من الخطأ القاتل اعتماد الأركان الثلاثة والتركيز عليها، دونما الركن الرابع لأنه سيؤدي حتما إلى عدم الاستقرار، واهتزاز صورة النظام السياسي في مواجهة شعبه.
وعليه فإن دائرة الفكر الاستراتيجي الغربي وللأسف المدعم من قبل دائرة الاعتدال يتأسس بالأصالة على سحب معامل الاعتداد بالنفس، لأنه بغياب هكذا معامل تتناسب التبعية وحراك الهامش.
من هنا يمكن أن نفهم مشروع ” القوة الناعمة ” الذي طرحه جوزيف ناي بأنه نزع الحصانة القيمية والفكرية عن العالم لتتيسر عملية ” أمركة العالم ” فهكذا مشروع لا يقوم إلا بنزع الاعتداد بالنفس عن الآخر الاستراتيجي.
فيكون الجهد الأمريكي يقترب من العقل القروسطي الذي طالما سعى كانط إلى محاربته من أجل خلق اتحاد عالمي عادل، لأن جزئية ” التقسيم ” و “العدوان المستمر ” فكرا وممارسة هي أحد أهم نواقض المشروع الكانطي ذاته، والتي لا تقع إلا ضمن خانة ” العمل المشين “.
فالبعد الاستراتيجي الأمريكي لا يكون رائيا للسلم العالمي بقدر ما يكون رائيا إلى التمدد الإمبراطوري، يحمل في بطنه امتثال العالم للتصور الأحادي بدلا من ” فعل التواصل ” الدولي الناظر لتوافقات وتوازنات دولية تشتغل على المشروع السلمي، وخصوصا أن المجهود الحربي للولايات المتحدة الأمريكية يقف في عرض هذا المشروع بطبيعته.
لأنها ك ” إمبراطورية ” تتحرك على نقيض القواعد الست للسلام الدائم ( [8] )، صحيح أن هناك من حاول تحوير خلاصات وتصورات الفلسفة الكانطية لخدمة مصالحه الفكرية، لكنهم فشلوا وخصوصا جون راولز الذي هدم في كتابه ” حق الشعوب ” ما بناه في ” نظرية العدالة ” و ” العدالة بوصفها إنصافا “، ذلك أن استباحة باقي الشعوب الغير الليبرالية ليس هو عين ما حدده كانط بالدول ” الهمجية ” لأن المقترب الكانطي انبنى على الحقوق الطبيعية لا على الليبرالية التي تحتاج بدورها لمن يدافع عنها كفكرة بله أن تعتمد كحاكم قيمي في العالم ” الحر “، فضلا على أن الاعتماد على القوة العسكرية لفرض تصوراتها تذهب في الاتجاه النقيض للتخلص من الجيوش النظامية.
وطبعا تعود هذه الخصلة إلى ما أسماه هايدغر بخصلة تدمير البدء الأوروبي، ذلك أن الفيلسوف فتحي المسكيني يطرح تصور هيدغر عن الولايات المتحدة الأمريكية قائلا: ” يقول هيدغر ” نحن نعلم اليوم، أن العالم الأنغلوسكسوني للأمركة قد قرر تدمير ( vernichten) أوروبا، وذلك يعني تدمير الوطن، وذلك يعني تدمير البدء الخاص بالعنصر الغربي (den anfang des abendlandischen). إن البدئي (anfangliches) لا يقبل أن يقضى عليه، إن دخول أمريكا في هذه الحرب الكوكبية ليس دخولا في التأريخ، بل هو بعد الفعل الأمريكي الأخير للاتأريخية الأمريكية وتخريبها لذاتها. وذلك أن هذا الفعل هو رفض لما هو بدئي وقرار من أجل ما لا بدء له (das anfanglose). ” ( [9] ) فهيدغر لم يقرأ في السلوك التدميري الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية في أوربا إلا هدم لذاتها لأنها تريد القضاء على البدء، ويمكن أن نحور النقاش إلى ثقافة ” قتل الأب ” التي اعتبرها فرايزر أصل بداية الحضارات، وهو نفس ما نحى إليه سيغموند فرويد عندما اعتبر أكبر طابو تمر به البشرية هو عملية ” قتل الأب ” وأكله.
المهم أن الأستاذ المسكيني يخرج بخلاصة وهي أن ” هيدغر يضع حدا للصورة ” الحديثة ” لأمريكا في المخيال الأوربي ويرسم صورتها ضد – الأوروبية anti-européenne وضد – الحديثة anti-moderne. إن أمريكا التي ” أوربت ” العالم الجديد قد انقلبت فجأة إلى خطر حاسم على الوجود الماهوي لأوروبا، وذلك يعني على ” الوطن ” الأصلي للغرب. ” ( [10] ) فالولايات المتحدة الأمريكية تحولت إلى موجود ميتافيزيقي نقض حق الجغرافيا بإبادته للهنود الحمر، ونقض حق الولادة/ الوطن بتدميره لأوربا، بوصفها عين البدء، ف ” الأمركة (amerikanismus) ليست صفة جغرافية هنا بل هي ” قرار” ميتافيزيقي إزاء الموجود يتخذ من ” التقنية ” بما هي ” قشتال ” ( الإطار ) – أي بما هي تدبير حسابي يستفز الموجود ويوضعه قصد تسخيره واستعماله بلا حدود، – نمط تأويله لمعنى وجودنا في العالم. ولذلك لا تعني ” اللاتأريخية ” في ماهية أمريكا مجرد فقدانها لتأريخ طويل مثل العالم القديم، بل اللاتأريخية هنا مكانية: إنها تتعلق بالعنصر ” البدئي ” الذي يؤدي في السؤال عن معنى وجودنا في العالم دور مفهوم ” الوطن “. إن لا- تأريخية أمريكا تعني لا- بدئية ولا-وطنية العالم الذي تقيمه بدلا عن الذي تريد تدميره. ” ( [11] ) فالجهد الأمريكي عند هيدغر ينصب بالأساس على تخريب الذات البدئية بما هي وطن، ورسم سؤال الوجود في العالم بميتافيزيقا حديثة.
لكن الأجدر الذهاب أبعد من ذلك لأن الإطار الأوروبي قد تواصل في مراحل تأريخية مع الإطار الفكري الإسلامي والأسيوي، مما يمكن أن نفهم معه بأن الجهد الأمريكي هو نقض للبدء الإنساني برمته، كما لو أننا أمام حالة أوديبية بامتياز.
عرف سيغموند فرويد هذه العقدة، بأنها رغبة الإبن في ممارسة العلاقة المحرمة مع الأم، ومنازعة الأب على هذه الرغبة إلى درجة التفكير في قتل الأب، وإذا ما حاولنا إسقاط هذا المبنى على مناسبة الموضوع، فإننا نستوعب بأن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول منازعة أبيها ” أوروبا ” للاستحواذ على الإرث الاستعماري ” العالم الثالث ” لأن عقدة أوديب ليست بسيرورة ولا بحالة نفسية بقدر ما هي رسم بياني دراماتيكي، ( [12] ) وبالتالي لم يكن من مصير محتمل للسلوك الأمريكي بعد جهادها من أجل ” الاستقلال ” إلا استكمال رغبتها في ” قتل الأب ” وأخذ إرثه الاستعماري، وهي بوابة جديدة تنفتح لاستيعاب ” سر الحراك الإمبراطوري ” الذي أغرمت به، ومحاولة قراءتها بعين جديدة.
لأنه يحكمها ليس فقط ” حلم التمكن ” بل هجاسه لا ترى في التوازنات الدولية إلا مجموعة عراقيل وجودية، عليها أن تسعى لتجاوزها بتحطيم سقف النديات الدولية، هو سباق التحكم، هو سباق الحوكمة العالمية.
المبحث الثاني: العالم العربي في قلب ” الشرق الأوسط الكبير ” :
إن مفهوم ” الشرق الأوسط الكبير ” الذي طرح من قبل الإدارة الأمريكية لا يهم الحيز الجغرافي التأريخي أي منطقة الشرق الأوسط كما رسم معالمها سايكس بيكو، بل الرؤية الأمريكية رائية إلى مجمل العالم العربي بوصفه شرق أوسط كبير بالإضافة إلى آسيا الأدنى وتركيا وجمهوريات آسيا الوسطى،والتيبلورتهاالإدارةالأمريكية واعتمدتهابعدأحداث 11 سبتمبر2001المفهومالأوسعللتعبيرعنالشرقالأوسط، والذيأطلقعليهاصطلاحا) الشرقالأوسطالكبير (ويضمهذاالمفهومالجديدفضلاعن الدولالعربية، كلا من إيران وتركيا وفلسطين المحتلة وباكستان وأفغانستان وجمهوريات آسيا الوسطىوالقوقاز.
ويتقوم المشروع بالأساس على إعادة رسم الخارطة السياسية بهذه الدول لكي تتواءم مع المجهود الأمريكي، عن طريق إعادة تقسيمها بشكل يسمح بتدبير الجزئيات الجغرافية الناتجة عن التقسيم بطريقة أفضل، وأكثر إذعانا للمخطط الأمريكي، وإن كانت الإدارة الأمريكية أدارت هذا الملف على أساس أخلاقي بحت.
حيث إنها قدمت ورقت أساسية بهذا الخصوص في اجتماع قمة الثماني الصناعية سنة 2004 بواشنطن بانية هدفيتها على:
– تشجيع الديموقراطية والحكم الصالح.
– بناء مجتمع معرفي.
– توسيع الفرص الاقتصادية.
لكن هذه التقدمات القابلة للتصريف إعلاميا لم تكن هي المدار الاستراتيجي الأساسي الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية، لأن الحكامة الصالحة لا تتأصل عندها إلا بعد إعادة رسم الخارطة السياسية للدول في منطقة الشرق الأوسط الكبير، ما دامت تعتبر بأن التعدد الإثني ( حقوق الأقليات ) والتعدد الطائفي ( حقوق الأقليات الدينية ) تظل مهضومة واقعا في التدبير السياسي.
طبعا هذا الترسيم الجديد يحمل أكثر من هدف:
الهدف الأول: هو إضعاف الدول القائمة في الجغرافيا المعنية بشكل يسمح لإسرائيل ولأوروبا بحرية حركة استراتيجية أكبر، خصوصا بعد توقيع الاتفاق الأساس بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية المسمى بالسوق العبر الأطلسي.
الهدف الثاني: التخلص من خطوط التماس المؤسسة إن على خلفية إثنية أو طائفية، وإعادة ترسيم الحدود على أساسها بدعوى أن هكذا سلوك سيجلب الاطمئنان للمنطقة، يقول الباحث رالف بيترز ” في كل حالة من الحالات، تتبدى خلال العملية الافتراضية لإعادة رسم الحدود صلات عرقية أو شعور طائفي، ويمكننا الآن أن نقارن الخريطتين المرفقتين ( الحدود الحالية والحدود المقترحة ) لنشعر شيئا ما بالأخطاء الكبيرة التي تحفل بها الحدود الحالية، إن تصحيح الحدود بشكل تعكس في قدرة الشعوب هو أمر قد يكون مستحيلا اليوم، لكن لأمد ما، وما يرافقه من دماء لن يمكن الحيلولة دون سفكها ستنبثق حدود جديدة طبيعية ” ( [13] )
لذا فإن هذا الباحث يرى بأن الخارطة السياسية المثلى للشرق الأوسط الجديد تنبني على تقسيم هذه الدول، بشكل يضمن ” الاستقرار ” والتي لا تتوقف حكما في منطقة الشرق الأوسط بل ستنجر إلى ليبيا ومجمل دول الشمال الإفريقي.
الهدف الثالث: دخول الوهن الاستراتيجي للدول المقسمة، لأن ضعفها سيكون أشد في مواجهة أي مخطط أو ترسيم في المستقبل.
الهدف الرابع: قهر الهويات الكبرى في هذه الدول والسماح بنشوء هويات فرعية فوق دولتية، تمهد للدولنة العرقية، كما في سعيهم الجاد لإنشاء دولة كبرى للأكراد، وللباشتون ولغيرها من الإثنيات أو المذهبيات. ( [14] )
بمعنى أن خلاصة هذا المشروع هو خلق جغرافيا إذعان بالمطلق غفلا عن الأنظمة السياسية القائمة والتي قد تزول إثر تنفيذ هكذا مشروع.
المبحث الثالث: اعتيادية الشر:
استعمل هذا المفهوم لأول مرة من قبل الفيلسوفة حنا أرندت في كتابها ” آيخمان في أورشليم ” حيث حاولت مقاربة حالة أدولف آيخمان الذي كان موضوع محاكمة من أجل دوره في ترحيل اليهود إلى المخيمات من أجل الموت ” المحتوم ” مبينة كيف يمكن لشخص عادي أن يقوم كل صباح للتوقيع على أوراق تقضي بإرسال المئات إلى المعتقلات حيث ينتظرهم الموت، كما لو أنه يقوم بعمل بيروقراطي صرف.
موضحة ذلك بأن ” الدرس الذي نتلقاه من خلال هذه الدراسة الطويلة حول الشر الإنساني، هو الدرس المرعب الخفي هو اللامفكر فيه من اعتيادية الشر ” ( [15] ) عندما تنعدم القيم الإنسانية في وسط اجتماعي حيث الطغيان هو المتحكم، تضحي القيمة العليا هي تطبيق الأوامر بحذافيرها غفلا عن خلفياتها الأخلاقية أو حتى الجرمية، فالأخلاق تقف فقط في دائرة إجرائية وحسب هي الانضباط لأوامر الرؤساء، لتضحي الجريمة ضد الإنسانية وجهة نظر لا دخالة عقلانية لها في هذا الوسط.
طبعا اتهمت أرندت بأنها – وإن كانت يهودية – فهي معادية للسامية لأنها بسطت جرائم النازية وجعلتها عادية ومتقبلة عقلا، والحال أن ” العالم ” يقف مشدوها من شراسة جرائمها، طبعا دافعت عن نفسها قائلة ” لم يكن في خاطري التنقيص من خطورة أكبر مأساة في القرن… لكنه من السهل أن نكون ضحايا شيطان ذي شكل إنساني، من أن نكون ضحايا مبدأ ميتافيزيقي … ما لا يستطيع أحدنا تجاوزه في الماضي ليس عدد الضحايا ولا وقاحة القتل الجماعي بدون وعي الإدانة والضحالة غفلا عن هذا المثال المدعى ” ( [16] ) وطبعا لا يمكن استيعاب هذا التصور غفلا عن مفهومها ” الشر الجذري ” الذي طوعته في كتابها نشأة التوتاليتارية، حيث جعلت من الشر الجذري هو ثمرة منظومة فكرية لا ترى في ظلها أي شيء مستحيل من حيث اقتراف أفظع السلوكات، إلا أنها وفي إطار تحليلها لشخصية آيخمان استعاضت عن هذا المفهوم ب ” اعتيادية الشر ” لأن الفاعلين يكونون بسطاء الفكر لا يحملون خلفية فلسفية ولا عمق إيديولوجي كالتي صاغتها في كتابها. ( [17] )
إلا أن محاولتها في المقاربة ظلت فلسفية أخلاقية ذلك أن ” الإسمنت القيمي ” الذي ” يقوم عليه النظام الإجرامي النازي ليس شيطانيا أو بسيكوباتولوجي، ولكن يقوم على توافق يتم بين رجال ونساء عاديين جدا كآيخمان ” ( [18] )
فاعتيادية الشر في المنظومة الطغيانية تنتقل من مرحلة ” الخضوع ” إلى مرحلة ” المشاركة ” بوصف أن الفكر الطغياني يسمح بعقلنة الفعل الشرير وجعله مجرد سلوك إداري ليس إلا، فلا تقوم مجمل العملية على أخلاقيات الشخص بقدر ما تقوم على كفاءته الإدارية، دون كثير تعمق في آثار الفعل ذاته.
طبعا لن نتعمق في بحثنا عند هذا السقف، بقدر ما أننا نقتبسه للإبانة على أن هذا المفهوم يدفع إلى أن الشر يتحول إلى شيء عادي في منظومة اجتماعية وبحث آثاره في مفروض الدراسة.
فما يمكن الخروج به هو أن ” الشر ” يتحول إلى ثقافة اجتماعية تحول الناس من مرحلة ” الخضوع ” إلى مرحلة ” المشاركة ” وعلى هذا المستوى يتحول الشر إلى أمر اعتيادي، يقوم به أشخاص عاديون جدا.
فمدار السلوك الاجتماعي تحول من تحت إسفين الأخلاق إلى تحت إسفين الضرورة، التي أضحت تبرر كل شيء في ظل التصادم والصراع الدوليين.
وخصوصا أن العقلية الاستراتيجية الغربية تشربت خلاصات المدرسة الاجتماعية لجامعة شيكاغو، باتجاه خلق فضاءات توتر تسمح بهامش للحركة وتيسر التحكم، ما أسموه بالجغرافيات المزمنة.
الفصل الثاني: استراتيجية أمنية ومرايا الجغرافيات:
قبل الدخول في صلب الموضوع سنحاول إيضاح أهمية ” الإطار الجغرافي ” كإوالية نظرية تساعد في مواجهة الإرهاب، مركزين على المدرسة الاجتماعية لشيكاغو التي طورت نظرية ” البيئة الإجرامية ” ( المبحث الأول ) بوصفها مجهود معرفي مساعد في ترسيم الإوالية التي سوف نعمد على تفصيلها في إطار مرايا الجغرافيات ( المبحث الثاني ).
المبحث الأول: مدرسة شيكاغو تحضر بقوة:
عرفت مدينة شيكاغو في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين تضخما سكانيا كبيرا كثمرة للهجرة الداخلية أو الهجرة الخارجية مما أدى إلى تشكل نسيج اجتماعي غير متماسك ثقافيا، قائم بالأساس على التناقض بين مكونات سكان هذه المدينة الكبيرة، مما دفع بجامعة شيكاغو وخصوصا أساتذة علم الإجتماع إلى الانكباب لدراسة هذه الظواهر ومحاولة استيعاب مواطن الخلل، وكيفية الخروج من مأزق عقلية الكانتونات التي كانت ناضحة في سكان المدينة، مما جعل أبحاثهم كلها تقع في دائرة علم الإجتماع الحضري، ولكي تتيسر دراستهم بشكل علمي – على الأقل وفق ما يعتقدون – جعلوا من المدينة مختبرا اجتماعيا يقومون بتشطير جغرافيته ودراسة خصوصياته ” ذلك أن الإنسان باختراعه للمدينة أعاد اختراع نفسه ” ( [19] ) وأول من استعمل مفهوم ” المدينة كمختبر اجتماعي ” هو السوسيولوجي روبرت إيزرا بارك مركزا على أن المدينة تعرف تركيبا غريبا وعجيبا لا يمكن لملمته تحت تصور واحد ووحيد إلا باستقراء منطق المدينة لأن هذه الأخيرة تعيد انتاج تراتبيتها بنفسها ” ما دام أنه داخل المدينة خلق المشكل السياسي فإنه داخلها يستوجب بحث مشكل الضبط الإجتماعي ” ( [20] )، وبعد إشارته إلى مجموعة أبحاث اجتماعية أنجزت حول إثنيات وطبقات إجتماعية في شيكاغو خلص إلى أن المدينة ما هي إلا مجموعة ” فضاءات طبيعية ” تقوم كل واحدة بدورها الخاص بها من أجل حفظ اقتصاد المدينة فهامش المدينة هو جزء طبيعي من المدينة ولا يقوم إحداها إلا بالآخر ( [21] ) وعلى أساس هذا تقوم حقيقتان عند الباحث هو أن الفضاءات الطبيعية جميعها تعيش في انسجام من جهة دورها لكنها في نفس الآن تعرف تمايزات من جهة مكوناتها ( [22] ) ومن خلال هذه الملاحظة الأساسية لكي يتناسب استيعاب الفضاءات الطبيعية فإنه يجب فهم السلوك الإجتماعي للسكان من خلال خلفياتهم الثقافية والإثنية ومطامحهم، فعمدوا إلى إجراء قراءة مسحية لقطع جغرافية خالصين إلى مسألة حساسة وهي أن الخلفية البيئية تلعب دورا أساسيا في ترسيم السلوك الحضري لكل فئة اجتماعية معينة، بمعنى أن الكائن المديني لا يتأثر بالجغرافيا الواسعة للمدينة بقدر ما يتأثر بخلفياته الثقافية والإثنية التي يحصرها في قطعة جغرافية بسيطة تحكمه كغيتو اجتماعي، ولا ينظر إلى باقي الغيتوهات إلا كمكون اجتماعي مختلف بل ومعادي ربما.
قد عمد السوسيولوجي فريدريك تراشر بدراسة حالة العصابات خالصا إلى أنها وإن كانت تنتشر وسط المدينة وفي الأحياء المتوسطة والراقية حتى، إلا أن منشأها يكون في ” حزام الفقر ” حيث الوضع الاجتماعي مفكك والساكنة تحمل تصورا بدائيا مخالف لثقافة المدينة حتى وإن عرفت تغيرا مستمرا بمعنى ذهاب أشخاص ومجيء آخرين، وانعدام لتنظيم اجتماعي، خالصا إلى أن العصابات هي ثمرة انعدام النظام الاجتماعي.
وأكبر تحول عرفته هذه المدرسة جاء بعد نشر كتابين لكليفورد شاو وماكاي، الكتاب الأول كان لكليفورد شاو تحت عنوان ” The Jack roller : a delinquent boy’s own story ” ” سارق المحافظ : سيرة ذاتية لجانح ” حيث عمد الباحث إلى اعتماد سيرة جانح تابعه منذ كان في سن السادسة عشر وتعقب حاله، ولكي يحافظ على موضوعية النص جعل الكلام بصيغة ” الأنا ” يعني أسقط صفة الحاكي أو الدارس، وأيضا كتاب مشترك مع ماكاي تحت عنوان ” Juvenile Delinquency and Urban Areas ” ” جنوح الأحداث والمناطق الحضرية ” والتي وسعا فيها الدراسة إلى مدن كبيرة أخرى غير شيكاغو خالصين إلى ” حتمية ” البيئة في الجنوح.
طبعا الكتاب الأول لكليفورد شاو لا يمكن أن يمر في صمت فقد أثار كبار السوسيولوجيين في ذلك الوقت داخل جامعة شيكاغو ذلك أن الباحث إرنست بورجيس تلقف هذا البحث، كما المفتاح النهائي لرسم معالم الجنوح في المدينة ومن خلاله سيعمل جاهدا على وضع معالم ” بيئة الجريمة والمجرمين ” منوها إلى أن جغرافية الفقر لها الكلمة الفصل في التوجه للجنوح ولو قبل دخول المدرسة وبأن محاولة إصلاح الأمور لن تنجح تماما، لأن البيئة الحضرية للجريمة لها حاكمية من جهة انعدام النظام الاجتماعي والضبط أيضا، يقول الباحث فيليب روبير في دراسة عن التيارات العامة في علم الإجرام ” في شيكاغو بعد الحرب العالمية يفسر شاو وماكاي ( 1942 ) ظاهرة العصابات وجنوح الأحداث باللانظام الاجتماعي، حيث لاحظوا تركزا كبيرا في بعض الأحياء بالمدن التي تعرف أرقاما عالية من الجنوح رغم أن ساكنتها تتجدد بسرعة بفعل الهجرة من أصول مختلفة، بل بالعكس عندما تقدم الساكنة عن ترك هذه الأحياء، فإن نسبة الجريمة تصل إلى الحد المعقول حضريا، هناك عدم انتظام اجتماعي فالمعايير عندما تعاني من ضبط السلوكيات، ليس الفقر هو السبب الرئيسي والمنتج للانحراف، ولكن الفوضى المعيارية التي تستتبع في الفضاءات التي تعرف تجددا سكانيا دائما والتي تمنع من استقرار للعلاقات الإجتماعية ” ( [23] ) فرغم أهمية الإثنية والوضع الاجتماعي للساكنة في هذه الفضاءات الطبيعية إلا أن الأهم هو الفضاء نفسه، لأنه سبب الانحراف والجنوح ومن هنا جاءت تسمية هذه المدرسة في علم الإجرام ب ” البعد البيئي للجريمة ” ecological crime sociology، لنجعل هذا الرابط بيننا وبين القارئ لأن هذه المدرسة عرفت تطورا خطيرا حيث لم يعد محاربة الجريمة قائم على المقاربة الاجتماعية للأفراد بقدر ما أضحى مرتكزا على مقام إقامتهم.
إذ عمد عالم الاجتماع الأمريكي إرنست بورجيس الخبير في علم الاجتماع الحضري، إلى إجراء دراسة ميدانية متبنيا الإحصاءات الرسمية للسجناء بالسجون الأمريكية وعاين فئات السجناء، فلاحظ ارتفاع نسبة السود بخلاف البيض، فوضع معايير حساب الاحتمالات على شروط الإفراج المقيد، كما دفع بمجموع من طلبته إلى إجراء أبحاث جامعية في نفس الإتجاه، وقد تبنت مجموعة من الولايات داخل الولايات المتحدة الأمريكية هذه المعايير، والتي تنظر إل عامل السن والنوع والجنس ومكان الإقامة والمحيط الذي ولد فيه السجين وغيرها من المعطيات والتي على أساسها يقبل الإفراج المقيد من عدمه، وبالطبع كان السود الأقل حظا من الإستفادة من مؤسسة الإفراج المقيد بشروط بخلاف البيض.
وتطورت المنظومة المعرفية لبورجيس إلى أن أنجبت توجها فكريا جنائيا يسمى التشخيص العرقي THE RACIAL PROFILING وفكرة هذه النظرية بسيطة جدا وهي أنه بالرجوع إلى الإحصاءات فإن السود واللاتينيون هم الأكثر إجراما وبالتالي فإن الإجرام المستقبلي سيكون واقعا ضمن نفس الفئة، ولكي يتم تقليص الإجرام فلا بد من دفع رجال الشرطة إلى التضييق على السود واللاتينيين وتعقبهم في كل آن وحين، وأيضا رد طلبات الإفراج قبل قضاء العقوبة لأن احتمال العود يظل قائما في وجههم بخلاف من يقيم في فضاء طبيعي آخر.
وهكذا تجارب أدت إلى خلاصات نظرية سرعان ما ترتبت عليه عنصريات فكرية قبعت في العقل الجنائي الأمريكي، لترتفع إلى مستوى العقل الاستراتيجي، بتوسط ما أسمي باستراتيجية ” الصدمة ” الفريدمانية، أو ” الاحتواء المركب ” للظاهرة الإرهابية كما عند إيان شابيرو.
المبحث الثاني: الإرهاب ومرايا الجغرافيات:
شكلت الدولة – الأمة إحدى أهم الإشكالات الفلسفية القانونية التي عرفتها البشرية بعد دخولها لحظة ” الثورة الصناعية ” إذ عرفت تعددا في التصورات حيث حاولت كل مدرسة رسم معالم هذه الدولة على أساس مبانيها فلسفية، والتي عرفت أوجها بعد نهاية الحرب الباردة حيث طفقت الكثير من الأقلام تحت تيارات كبرى إلى تحديد معالم الدولة وحدودها وأدوارها.
ذلك أن سقوط جمهورية فيمار بعد الحرب العالمية الأولى والتي مهدت لنجاح الطرح النازي، تناسلت الأبحاث والدراسات الحقوقية بين تياري الوضعانية القانونية والقانون الطبيعي، واشتد الصراع إلى مقام الدخول في تفاصيل ” مفهوم الدولة ” و ” البرلمان ” و ” الديموقراطية ” و ” السيادة الوطنية ” وغيرها من مفاصل تدبير السياسات العمومية، وتصدى لهذا الصراع النظري فطاحلة الفكر القانوني الجرماني الذين يجمعهم الاقتدار الفكري للدفاع عن التصورات اللائي يتبنونها.
اشتهرت بمرحلة ” صراع المناهج ” methodenstreit , querelle de méthodes وإن كان الإسم الأكمل لهذا الصراع هو Methoden- oder Richtungsstreit der Staatsrechtslehre ( صراع المناهج أو صراع المعنى في نظرية القانون العام ).
حيث أنه خلال مرحلة انهيار جمهورية فيمار، رأى مجموعة من الفقهاء القانونيين الفرصة المؤاتية لتسديد ضربة إلى الطرح الوضعاني الذي كان متزعما المشهد القانوني، فاشتغلوا على معنى الدولة وأدوارها بكيفية تنهي الهيمنة الوضعانية، حيث انضم للفريق الطبيعي كل من كارل شميت، وهيرمان هيلر، ورودولف سميند، وكوفمان، الذين تصدوا لهدم رؤية هانس كيلسن النمساوي والذي قدم كتابا حول نظرية الدولة متأصل بالكامل على البعد القانوني الوضعي، مما اعتبر استفزازا بالنسبة لتيار القانون الطبيعي.
طبعا وجد كيلسن الكثير من الفقهاء الألمان الذين دافعوا عن تصوره من بينهم غيرهارد أنشوتز وريشارد توما، وبهذا تكون اكتملت دورة التيارين.
المهم أن التيار الطبيعي كان يهتم بترسيم أصول السيادة الوطنية ومنحها إطلاقية كاملة في تدبير الأزمات السياسية الداخلية والخارجية وتكميم معارف إنسانية من علم الإجتماع والعلوم السياسية لوضع لبنات ” جهاز الدولة “، بخلاف التيار الوضعاني الذي حاول أن ينكب على السقف القانوني وحده وإعطاء معالم تأسيسية، قد لا تتناسب مع الواقع الإنساني بالضرورة، وتهميش مجمل المؤثرات المعرفية التي تقع خارج القانون. ( [24] )
المهم أن أول صراع مناهج حدث كان في أواخر القرن التاسع عشر داخل الخط الفكري الاقتصادي والذي جمع بين كل من كارل مينغر النمساوي و غوستاف شمولر، حيث سعى الأول إلى التخلص من كل الخلفيات الفكرية الغير الاقتصادية لوضع نظرية صافية بهذا الخصوص، في حين أن الثاني لا يبحث الفكر الاقتصادي إلا باستدخال المعارف الاجتماعية والتأريخية في طول الاقتصاد، وقد عمد مينغر إلى خلق ما سوف يسمى فيما بعد بالمدرسة النمساوية التي تتالت مع تلامذته إلى أن وصل الدور إلى فريدريك هايك الفيلسوف القانوني والاقتصادي المعروف والذي قدم الكثير للطرح النيوليبرالي.
ما دام كان أحد المؤسسين الفعليين لهذا التوجه الفكري الذي يعتبر السوق هو الضابطة الأقوى لسير المجتمع، وبأن تدخل الدولة لن تؤدي إلا إلى نتائج كارثية، ولذلك يكون من المناسب إعطاء السوق كامل الحرية وكامل الصلاحية لتدبير أزماته الداخلية لأنه الأقدر على ذلك، وتطورت التصورات القانونية بهذا الخصوص، لأنه عقلا لا يمكن إمداد مثل هكذا فكر إلا بالدخول إلى الحرم القانوني والفلسفي السياسي، فتناسلت التصورات النيوليبرالية مع كل من ميلتون فريدمان الذي أوضح بأن حرية السوق تشكل أقوى لبنة لدمقرطة المجتمع، ومنح الحريات، وبأنه عن طريق خنق السوق تتوقف الحريات الاجتماعية، فتعقب تصوراته كل من القاضي ريشارد بوسنر وغاري بيكر ( تلميذ فريدمان ) اللذين أسسا التيار القانوني الجديد والذي يعرف تصاعدا مضطردا ضمن ” تيار القانون والاقتصاد ” وقيام الخط الليبرتاري على أعمدة فلسفية قوية بالنتاج الفكري لروبرت نوزيك الذي أصل للمبنى القانوني الفلسفي الجديد المسمى ” الدولة ذات الحد الأدنى ” The minimal state حيث لم يعد للدولة أي دور غير تعقب الجانحين وإيجاد أجواء مناسبة لتصرف السوق في المجتمع، والامتناع عن باقي أدوارها وتركها للسوق بوصفه الضابطة الأعلى.( [25] )
فالدولة التي يدافع عنها الفيلسوف نوزيك لا يراها ترتفع عن سقف حماية الأمن وحماية العقود، مع ترك الدائرة الأوسع للسوق بوصفه اليد الخفية التي تحافظ على التوازن، بعد أن أعاد مناقشة مفهوم العدالة التوزيعية التي تنبني على المقدرات الإنسانية وحركة العمل دون خلفية الرعاية. ( [26] ) وهذا المد الفكري تسرب بسرعة إلى المباني الفكرية في العلاقات الدولية حيث أضحت ” السيادة الوطنية ” على المحك، لأنها أضحت أكبر عائق يمكن أن تعيشه القوى الكبرى في تمرير قراراتها وتطبيقها على الأرض.
وقد تمدد هذا التصور مباشرة بعد انهيار جدار برلين وسقوط الإتحاد السوفياتي مما فتح فترة فيمارية ثانية، تريد القطع مع المدرسة الوضعانية الأرثدوكسية والاشتغال على منظومة فكرية قانونية طبيعية تتزيى الزي الوضعاني في تفاصيل دقيقة والكل في خدمة المبنى الطبيعي كما طرح في ألمانيا سابقا.
أو ما أسماه المفكر فرانسيس فوكوياما بأنه نهاية التأريخ، أي بانتشار الفكر الديموقراطي الليبرالي في العالم بشكل أوسع، لسنا بصدد تدقيق مبانيه الفكرية، بقدر ما نود الإبانة عنه هو أن تصورا سياسيا بدأ يشق طريقه ليغير معالم العالم على أسس فلسفية جديدة، من أجل قانون شمولي يحكم العالم أجمع طبعا وفق الترتيبات الأمريكية.
ولكي يتسنى تمرير هذه المباني القانونية كان ضروريا إعادة التفكير في مفهوم السيادة الوطنية، وبحث دائرة وجودها من عدمها، بشكل جعل الكثير من فقهاء القانون والخبراء يعيدون النظر فيها كما لو أنها ليست من المباني الأساسية للدول، وفق منطق بأي حق نسمح لدولة ” أ ” أن تقوم بما تريد إذا كان سلوكها يتقاطع ومصلحة المنتظم الدولي، مما أعاد إلى الواجهة فكرة التدخل الإنساني، والتدخل العسكري لأغراض إنسانية، وخلق مباني تصورية جديدة للحرب العادلة، بشكل يسمح للدول الكبرى بحشر أنفها في القضايا الوطنية ليس لوقوع جرائم ضد الإنسانية لأن هذه المكنة مكفولة للمنتظم الدولي وفق وثيقة الأمم المتحدة، بل فقط من جهة القرار الفردي وتجاوز الأمم المتحدة عندما تجد بأن هذه الأخيرة تقف عائقا.
صحيح أن هذا مجهود عولمي يسير على قدم وساق لينال الشرعية الحقوقية، لكنه وفي انتظار الحصول على ” الاعتراف ” يظل مفعلا في الرسم الاستراتيجي العولمي، حيث عادت للجغرافيا سابقية النظر على حساب الموجودات الدولتية، وسقف السيادة الوطنية المحلية.
لذلك يظل من المنطقي إعادة التعاطي مع التحديات الاستراتيجية التي تعيشها المنطقة، على خلفية جغرافية والخروج من ربقة الدولة الوطنية لتدبيرها، بمعنى أنه رغم الحفاظ على الأفق السيادي الوطني، يظل من المحوري والحيوي ربط علاقات استراتيجية حيوية، على ضوء عمق ما يرسم في مراكز القرار العالمي.
لهذا ستكون قراءتنا ولو جاءت مكدسة، لأن سقف لا يسمح بأكثر من ذلك، قراءة على ضوء الجغرافيا حتى تشخص الدول العربية، بأن مصيرها جميعا مرتبط بها وبسقف الوعي الذي تبديه أمام هكذا تحديات.
فإذا ما حاولنا إجراء دراسة عملية لكيفية توغل التنظيمات الإرهابية في المنطقة العربية، سوف نلاحظ بأنها تستعين بحالة التوتر الأمني والعسكري الذي يغزو هذه المناطق، لتتأقلم مع الأوضاع السياسية القائمة قبل المبادرة إلى توسيع دائرة وجودها القتالي، في إتجاه التأسيس لإمارات ” إسلامية ” تسمح لها بضمان موطئ قدم قتالي، وفي نفس الآن جغرافية تمويلية لاستمرارها في تدبير الفضاء العمومي، ولو بتوسط تجارة المخدرات كما في الشأن الأفغاني والباكستاني أو السلاح كما في شمال مالي، ليتطور مخزونها الاستراتيجي في انتظار الترامي إلى ” مواطن الثروات الطبيعية ” كما يحدث في كل من سوريا والعراق، حيث أقل التقديرات توضح بأن تنظيم الدولة الإسلامية للعراق والشام في العراق وحدها تصدر ما قيمته مليون دولار يوميا من النفط.
واقعا شكلت الأزمة السورية فرصة تأريخية لكشف ميكانيزما تحرك التنظيمات الإرهابية، وشبكة علاقاتها الإقليمية، مما وسع من بنك المعلومات في فترة قياسية. لتفاصيلهم التنظيمية وكيفية تحريك خلاياها النائمة وكيفية تجييشها ضمن مشروع أحادي معين كما القتال في سوريا لإقامة خلافة إسلامية، إلا أنها وهذا هو الأهم أنها نوهت في نفس الآن إلى مناطق جغرافية بعيدا عن مركز الصراع وكيفية تدبير تجييشها بوصفها ” جغرافيا حاضنة ” للعقلية التكفيرية الجهادية، ومصدرة لمقاتلين.
طبعا الإحاطة بهذه الجغرافيات يسهل عملية الترصد والاعتقال لهكذا خلايا، بوصفها روافع استراتيجية للتنظيمات الإرهابية الإقليمية، لأنه عقلا لا يمكن لملمة أشخاص من الشارع للذهاب إلى القتال فهكذا تصور فيه تبسيط مخل في العلوم الأمنية، بل المسألة تكون واضحة الدلالة على أن هذه العناصر التي انتقلت للقتال تلقت تدريبات قتالية في مرحلة معينة من حياتها خلال السفريات التي أنجزتها سواء إلى بعض الدول العنفية التصور حيث توجد مخيمات تدريب كثيرة أو إلى دول أخرى تفسح في هذا المجال.
وطبعا كانت الجهوزية القتالية موجهة بالأساس إلى الداخل الدولتي، لكن حساسية الملف السوري دفعهم إلى استنفار كل طاقاتهم القتالية للذهاب لعلهم يحققون ” نصرا تأريخيا ” يشكل لبنة عملية في مخططهم التوسعي، وهذا ما يفسر انتقال قيادات قتالية إلى سوريا والرقة تحديدا بوصفها الحي الرئيسي ومركز العمليات في مجمل المنطقة، وهذا الأمر له حد إيجابي هو إزالة فتيل اختناق أمني في حالة بقائهم في حالة سبات قتالي قد ينفجر في أية لحظة، لكن له أيضا حدا سلبيا وهو في مراكمتهم ” تجربة قتالية ” تفيدهم في استقراء نقاط الضعف الأساسية لأية دولة، والتي تتجلى في الأرياف والقرى حيث ثمة غياب للثقل الأمني والعسكري ابتداءا، هذه نقطة الضعف الأساسية لأية دولة صناعية تظل قائمة إلى تأريخه، مما يتناسب معه تداركها بشكل دوري ومحوري.
وإذا ما أردنا التنزل إلى البحث الجغرافي فإنه يمكن توصيف الجغرافيات الإرهابية بثلاث: ” جغرافيا احتضان ” وهي التي تستولد القتاليين المؤدلجين دينيا، و ” جغرافيا الإعداد ” التي تلعب دورا تكميميا للقدرات القتالية المتفرقة وتلقي التدريبات على مجمل المستويات، فضلا عن رسم أجندة قتالية شبه موحدة. و ” جغرافيا الحراك ” وهي في الغالب لا تكون حاضنة ولا إعدادية في السابق لأنها بوصفها هدفا استراتيجيا تكون الأقل تغطية ومتابعة لسلوكات التنظيمات الإرهابية.
إلا أنه قد تتحول ” الجغرافية الحاضنة ” إلى ” جغرافية حراك ” وهذا مرجوعه إلى تداخل الأدوار، لكن ليست دائما تتوافق كما في المجال الحضري حيث بعض المناطق تكون حاضنة، لكنها لن تتحول إلى الحراك للضغط الأمني العالي جدا بها، ولهذا وإذا عدنا إلى الأزمة السورية سوف تلاحظون بأنه تم السيطرة على النقاط الحدودية لضمان مرور السلاح والمقاتلين، كما تم التوجه إلى القرى حيث توجد الثكنات الصغيرة والمتوسطة ومواجهتها بعد حصارها، للحصول على السلاح الاستراتيجي الذي ربما لن تتوصل به، فلا يمكن أن تتحول الجغرافية الحاضنة إلى أرض حراك إلا إذا استجمعت شرطين أساسيين، الأول قربها من الحدود للدول ” الراعية “، ثانيها بعدها الجغرافي عن مواطن الاستقواء الدولتي كالثكنات العسكرية أو العين الأمنية الراصدة يوما بيوم، بل ساعة بساعة.
التهريب طريق الحرير للإرهاب:
وفاقا للمعلومات الأمنية التي تسربت من سوريا فإن ثمة عوائل كثيرة كانت مشهورة بتهريب المخدرات والبضائع بين سوريا وتركيا، لعبت دورا أساسيا في إدخال المقاتلين المحترفين إلى الأراضي السورية ابتداءا، وذلك راجع إلى خبرتهم بالجغرافيا ونقاط ضعف الرقابة عليها، وهذه الجماعات المقاتلة هي التي تقوم بتنفيذ عمليات نوعية ضد نقاط التفتيش الحدودي لتتمكن من خلق ” طريق سيار ” للبقية والتي تدخل بأعداد كبيرة خلال دقائق معدودة، لتتوزع وفق مخطط موضوع مسبقا متجهة لجغرافيات أوسع بما يسمى بتوسيع ” المروحة القتالية ” والتي توهم الساكنة بأن ثمة نظام جديد يقام، وما عليهم إلا الانخراط في مشروعهم، فسقوط قرى متباعدة إلى حد ما يوهم العامة بأن كمية المقاتلين كبيرة جدا إلى درجة استطاعت السيطرة على أماكن واسعة، ويمكن إعادة دراسة أزمة الموصل بوصفها مخبرا استراتيجيا لكيفية عمل التنظيمات الإرهابية.
لهذا يكون من الضروري تشبيك المعطيات الاستخبارية بالمعطيات الجنائية المتعلقة بالتهريب والطرق التي يستعملونها لهذا الغرض، فالجنائي يتداخل بشكل كبير في هكذا ملفات، وضبط الأشخاص المحترفين ذوي العود الجنائي بوصفهم مصرون على خط التهريب كآلية استغناء.
من الجغرافيات الإرهابية العاضدة إلى الجغرافيات الراكبة:
يظل من المناسب التأكيد على أن الخطر الأساسي الأكبر لا يتجلى فقط في الجغرافيات التأسيسية للخط الإرهابي إن حضانة أو إعدادا أو حراكا، بل يتجلى في الجغرافيات الراكبة، وهي تلك الأطر الجغرافية التي تحمل هاجسا انفصاليا ولو في إطار أشخاص قلائل، لأنه أضحى من المعلوم في العلاقات الدولية ما يسمى بالدول ” الراكب المجاني ” FREE RIDERحيث يقصد تلك الدول التي تستفيد من تصرفات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، دون أن تتحمل تكاليف الاستفادة من هذه الخطوات.
وفي مفروض البحث أن الجغرافيات الانفصالية قد ترى في أي مجهود إرهابي يتسرب فرصة تأريخية للمضي قدما في توجهاتها.
ومن هنا وكما تم ملاحظته في التجربة العراقية والسورية أن المناطق الإثنية الانفصالية كانت ملعبا قتاليا أساسيا، كما تحولت إلى رافعة استراتيجية للإرهاب عن طريق تسهيل عملية الإمداد، بل والمساهمة الفعلية في العمليات القتالية، صحيح أن تنوع التنظيمات الإرهابية أضعف من المقبولية في المنطقة الكردية إلا أنه لوحظ بأن القتال البيني الذي يقع، ليس مرجوعه دعم النظام السوري أو العراقي، بقدر ما مرجوعه إلى التخلص من هذه التنظيمات لبناء دولة مستقلة ولو في إطار مشروع حكم ذاتي مستقبلي، وطبعا تواجد هذه التنظيمات بقوة قد ينهي الحلم الكردي بالاستقلال.
فتصير الجغرافيا الراكبة خطيرة بالأساس لاعتبارين هامين ابتداءا: أولها أنها تتحرك في بيئتها ولا تحتاج إلى مجهود تعبوي كبير، فضلا على أنها تشكل نقطة انطلاق التكتلات القتالية الإرهابية ابتداءا.
ثانيها، أنها قد تلعب ابتداءا دور الممر الاستراتيجي للتنظيمات الإرهابية قبل أن تنقلب عليها، كما في منطقة حلب السورية ومحافظة الموصل العراقية.
وأمام الواقع التعددي للمجتمعات العربية في مجمل الموجودات الدولتية، يظل من المنطقي قراءة الحدث بشكل أعمق، ورسم استراتيجيات مواجهة للإرهاب العابر للحدود، ليس فقط حتى تنهي الظاهرة، بل أيضا حتى تحافظ على وجودها، أمام حالة العولمة ” الدموية “.
المبحث الأول: أصل تولد تنظيم القاعدة ومدار اشتغالها استراتيجيا:
خلال الثلاثين السنة الأخيرة ظهرت أبحاث تأريخية لفترة الحرب العالمية الثانية، وما تلاها من أحداث قريبة منها مفادها أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الشمال الأطلسي وسعيا منهما بتنسيق مع المحور الرأسمالي في أوروبا إلى خلق ميلشيا يمينية مسلحة سميت ب ” ابق في الخلف ” stay behind ، التي يتركز دورها بالخصوص على تقليص مستوى تأثير اليسار الماركسي في المجتمعات الأوروبية، بقصد خلق حاجز فولاذي للالتفاف على الدور السوفياتي في أوروبا ( [27] )، وطبعا كانت الولايات المتحدة الأمريكية بتوسط مخابراتها العامة، تحتاج إلى رجالات أكفاء ليقوموا بهذا الغرض، فاستعانت في بدايات التأسيس ببقايا الأطر العسكرية الألمانية النازية خصوصا في فيلق إس.إس للقيام بهذه المهمة بعد أن كلفت بذلك أحد كبار رجال المخابرات الألمان المسمى راينهارت غيلهن الذي اشتغل في الاستخبارات الألمانية تحت أدولف هيتلر بوصفه أحد أكبر الخبراء بالشأن السوفياتي، والذي قام بتأسيس قسم الاستخبارات في ألمانيا الغربية الفيدرالية المسماة اختصارا BND Bundesnachrichtendienst لتتناسل التنظيمات في كل من إيطاليا وبلجيكا وفرنسا وغيرها من الدول.
لتتطور الميلشيات وتنتشر في مجمل الجغرافيا الأوروبية والكل لهدف واحد هو حمل الرأي العام على عدم قبول فكرة الماركسية، ومتابعة كل الماركسيين الفعليين الموجودين بها، عن طريق خلق فرق مصغرة تقوم بحملة تخريب وتفجيرات تنسب عنوة للجناح اليساري كما حدث في تفجير بنك ميلانو سنة 1969، وقتل رجال الشرطة الثلاث ببيتانو بإيطاليا سنة 1972، وتفجير محطة بولون بإيطاليا سنة 1980، أوتفجير ميونيخ بمناسبة الحفل السنوي للجعة سنة 1980. وبالتالي يسهل جر الرأي العام إلى عدم تقبل الفكرة الماركسية نتيجة حجم العنف الدامي الذي يقع في العواصم الأوروبية، ورغم سعي كل من الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الشمال الأطلسي بجعل مجمل العملية سرية، إلا أن تفاصيل العمليات التخريبية جعلت كل ذلك ينفضح خصوصا نوعية المتفجرات C4 المستعملة، والتي تظل نوعية عسكرية خاصة لا يتيسر تحوزها ممن ليس له علاقة مع القوات العسكرية في ثكنات حلف الشمال الأطلسي، فبدأت تتسرب تقارير أمنية وضعتها الأجهزة الاستخباراتية الأوربية إلى أن تكلل كل ذلك بتقرير وزاري لكويليو أندريوتي تم تحريره ومناقشته بالبرلمان الإيطالي تحت عنوان ” الخنجر GLADIO ” ( [28] )
وقد فتحت ملفات أمنية كبيرة جدا أبانت عن تورط اليمين المتطرف فيها، بدلا من اليسار الماركسي، والتي أبانت أيضا عن تورط عناصر استخباراتية أوروبية والتي كانت تنسق مع هكذا ميليشيات، فضلا على أن التسليح كان أمريكيا محضا، بل حتى المتفجرات كانت تؤخذ من ثكناتها، حتى أضحى إسم هكذا ميلشيات في الثقافة السياسية العامة ب ” الخنجر ” أو كما سماها الإيطاليون GLADIO.
ما يهمنا من الإتيان بهذه الحقيقة المأساوية هو معاينة حجم التشابه بين عمل هذه الميلشيات خدمة للمشروع الأمريكي ضد المشروع السوفياتي، وأصل ولادة تنظيم جذعي سمته الولايات المتحدة الأمريكية ب ” تنظيم القاعدة ” ذلك أن المعلومات التي تسربت للإعلام بأن أسامة بن لادن كان عميلا أمريكيا وتلقى تدريبا استخباراتيا لكي يقوم بخلق فيلق قتالي في أفغانستان ومواجهة التواجد العسكري السوفياتي ( [29] ) كلها تتقاطع مع التوجيهات الأمنية الصادرة عن مركز الأمن القومي الأمريكي، حيث تم التنسيق بين محطات الاستخبارات الأمريكية المتواجدة بباكستان لتسهيل عملية دخول الرجال والسلاح إلى أفغانستان بقصد قتال الاتحاد السوفياتي، وتيسير حركة الأموال التي كانت تصل بن لادن من دول الخليج لأداء مستحقات المقاتلين والذين يقدرون بالآلاف تحت توصيف معمي إسمه ” مجاهدو أفغان “.
وكان من المقرر أن يتم حل هذا التنظيم بعد سقوط جدار برلين، ذلك أن الصحافة الغربية البريطانية على الخصوص، ذكرت أسامة بن لادن على أنه عسكري محترف يرنو نحو الديموقراطية، إلا أن التقديرات الأمنية الأمريكية انجرت إلى شيء آخر.
بجعل هذا التنظيم الجذعي المتعدد الرؤوس خنجرا جديدا للعالم الإسلامي على وجه الخصوص، ما دام أن خطورة ” العملاق الإسلامي ” نضحت من جديد بعد الانتهاء من الاتحاد السوفياتي وتفكيك بعض جمهورياته، ليتحول المشروع برمته إلى وجهة أساسية وهي ضرب عناوين الممانعة في العالم الإسلامي بالتكفير مبدئيا والتقتيل عمليا.
فقط ما نود التنويه إليه بهذا الخصوص هو أن الولايات المتحدة الأمريكية في حربها الباردة على الاتحاد السوفياتي، كانت تحتاج إلى خط فكري يميني محافظ لا يرعوي عن سفك الدماء، لتجد ضالتها في الإرث النازي والفاشستي واعتماد رجالات هذا الإرث لتصفية الحسابات والقيام بالأعمال الأكثر جبنا لضرب محور ارتكاز الاتحاد السوفياتي، لكن هذا المنطق الفكري السياسي لا يمكن أن تجده في العالم الإسلامي، لذا احتاجت إلى إرث ديني إقصائي حصري يتقاطع مع المنظومة الفكرية اليمينية، وطبعا الضالة وجدت في العنصر التنظيري الوهابي لأنه انطلق من مقصد التكفير وإجازة التقتيل للغير بحجة استباحة الدماء، ومن هنا تكون العملية استخباراتيا من أنجح العمليات التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن المنصرم، لأن نفس المنطق التواجهي تم الإبقاء عليه بتحريفات بسيطة، لكن دائما ما تم الحفاظ على مبدأ القتال بدماء الغير، وجعلهم خنجرا في الجسد حتى لا يتعافى.
ربما المراقب الحصيف قد تستفزه هذه الملاحظة، وهي أنه في كل المناطق المتوترة عسكريا، عرفت خلال مساحة زمنية بسيطة نشوء تنظيمات وهابية إرهابية تدين بالولاء إلى التنظيم الجذعي ” تنظيم القاعدة “، مما قد يفسره البعض بأنه سعي جهادي يحمله مؤمنون ليسافروا في أرض الله سبحانه وتعالى للجهاد.
لكن ما يتبادر إلى الذهن سرعان ما يتهاتر، ذلك أنه بعد معاينة بأن هذه التنظيمات تعمل بشكل خطير على نسف مباني المجتمعات التعددية، يظهر بالبين على أنها أتت كذراع عسكرية مساعدة لإنجاح المشروع الأمريكي، لتتحرك مرة تحت عنوان طائفي ” محاربة الرافضة “، ومرة تحت عنوان سياسي أخلاقي ” مقاتلة خونة أمريكا ” ومرة تحت عنوان استراتيجي ” ضرب المشروع الأمريكي ” وفي جميع الأحوال وتحت كل التصنيفات كل ما يقع على الأرض، هو عقلا خادم للمشروع الأمريكي سواء من جهة خلق ” بعبع إسلامي صنو للإرهاب ” أو من جهة ” ضرب قوى الممانعة ضد المشروع الأمريكي ” كما حدث ويحدث في العراق وسوريا.
الآن نطرح سؤال، كيف يتناسب خلق تنظيم تكفيري متنوع الجنسيات في أرض تحت السيطرة العسكرية الأمريكية ؟ بطبيعة الحال أن هذه التنظيمات لا يمكن أن تجد جغرافيات قابلة لها، إلا تحت لعبة الصراع، عن طريق تصفية الحدود من المراقبة لتمكين التسلل وبأعداد مهولة.
فالتمثلات الجغرافية لتنظيم القاعدة لا تتحرك إلا تحت ظل السلاح الأمريكي في المنطقة، وبتنسيق استخباراتي صرف.
لذلك لا نستغرب من تولد تمثل جغرافي جديد سواء في ليبيا أو في تونس ( بالفعل هما على الأرض وإن بعناوين صغيرة جدا )، فالولايات المتحدة الأمريكية تحتاج دائما إلى الإبقاء على عناصر قتالية في الخلف لمحاصرة العدو، وهذه المرة هي كل التمثلات السياسية التي لا تقبل بالهيمنة الأمريكية.
أن تنظيم القاعدة تنظيم جذعي بمعنى أنه ليس تنظيما كليا منسجما، بل هو تنظيم أحادي الخلية متقبل لكل التمثلات القتالية الأجنبية نظير تقديم خدمات لوجيستية ومالية، عن طريق ميكانيزم ” البيعة “، وأنه إحدى بقايا ميلشيات ” ابق في الخلف ” لمحاصرة أي عدو تشخصه الولايات المتحدة الأمريكية التي بدورها تسمح بتقديم خدمات لوجيستية سواء للنواة الصلبة للتنظيم أو لباقي تمثلاته، والغرض هو خلق جدار عازل لكل التمثلات التي تشكل عراقيل أمام التواصل مع باقي الجغرافيات، وتوجيه ضربات متكررة حتى يختنق كما حال الاتحاد السوفياتي، والتي قد تطول أو تقصر.
فمعادلة الجهد الاستخباري الأمريكي في جغرافية العالم الإسلامي هي لا بأس من اشعال النار فلن تنطفئ إلا بعد استهلاك كل ما يمكن حرقه، أو بعد حبس الأوكسجين عنها.
عبد العالي العبدوني
باحث من المغرب
– Parag khanna : Neo-Medieval Times, in good politics review december 2008. “The nation-state has just about passed away in terms of exclusivity. Now, when people talk about countries and international relations, they have to acknowledge that what they’re talking about is, at best, a particular slice of what’s going on in the world, and is not at all representative of the entirety of what’s happening. But there are some exceptions. When you look at China, you don’t exactly say that it is disappearing as a state. When you look at the financial crisis, all of a sudden, the United States is more of a state than ever. It has decided to take over practically the entire financial-services industry”
– parag khanna : op.cit. “The key principle is overlap. Many people think that because a company isn’t a country, it falls beneath some jurisdiction. But more and more companies fall into all jurisdictions and under none at the same time, because all they do is regulatory arbitrage. They just move around wherever is best for them. Why did Halliburton go to Dubai? Changing this would never work because globalization is more powerful than any one country. Globalization creates perpetual, universal opportunities for nonstate actors to exploit. And governments can’t control globalization. No one can”
-parag khanna : breaking up is good to do, foreign policy, January 13, 2011. “This growing cartographic stress is not just America’s challenge. All the world’s influential powers and diplomats should seize a new moral high ground by agreeing to prudently apply in such cases Woodrow Wilson’s support for self-determination of peoples. This would be a marked improvement over today’s ad hoc system of backing disreputable allies, assembling unworkable coalitions, or simply hoping for tidy dissolutions. Reasserting the principle of self-determination would allow for the sort of true statesmanship lacking on today’s global stage.”
– نيل فيرجيسون: الصنم ـ صعود وسقوط الإمبراطورية الأمريكية ترجمة معين محمد الإمام الصفحة 109 عن دار العبيكان سنة 1427 للهجرة.
-Alexander Wendt : op cit « george and Keohane identify three national interests – physical survival, autonomy, and economic well-being – which they describe informally as “life, liberty, and property”. I will add a fourth, “collective self-esteem” p 235.
– Alexander Wendt : op cit « collective self-esteem refers to a group’s need to feel good about itself, for respect or status. Self-esteem is a basic human need of individuals, and one of the things that individuals seek in group membership.”
– Jean-jacques Roche :Théories des relations internationales, clefs politiques, 5 éditions Montchrestien.2004, p 110.
– Emmanuel Kant ; Vers La Paix Perpétuelle, avec analyse de Michael Foessel, éditions Hatier 2007.
ـ فتحي المسكيني: الفيلسوف والإمبراطورية في تنوير الإنسان الأخير. طبعة المركز الثقافي العربي سنة 2005 الطبعة الأولى الصفحتان 82 و 83.
ـ فتحي المسكيني: ن.م الصفحتان 83 و 84.
ـ فتحي المسكيني: ن.م الصفحة 84. الملاحظ بأن الفيلسوف المسكيني عمد إلى تعريب أفهوم gestell ب ” قشتال ” إلا أننا فضلنا البعد العربي للأفهوم وهي ” الإطار “.
– Georges Politzer, Critique des fondements de la psychologie, Presses Universitaires de France, Coll. « Quadrige »,
ـ رالف بيترز: حدود الدم كيف سيبدو الشرق الأوسط بحالته الأفضل ؟ ترجمة علي الحارس ضمن الشرق الأوسط خرائط جديدة ترسم عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، سلسلة ترجمات الزيتونة الرقم 74، بيروت، يناير 2013، الصفحة 27. ( بقيت الإشارة إلى أن رالف بيترز ضابط عسكري متقاعد لكن لأرائه مرجعية في الدوائر الأكاديمية العسكرية الأمريكية )
ـ بقيت الإشارة إلى أن المفكر الاستراتيجي باراغ خانا قد أصدر مؤخرا كتابا حول إعادة ترسيم خارطة العالم تحت عنوان remapping the world وهو يعتبر من المفكرين الاستراتيجيين الذين تنبؤوا بأن العالم سيضحي ثلاثمائة دولة.
– Hannah Arendt : Eichmann a Jérusalem, édition quarto gallimard, 2002 “ la leçon que nous a apprise cette longue étude sur la méchanceté humaine – la leçon de la terrible, de l’indicible, de l’impensable banalité du mal », p 1262.
– Myriam Revault D’Allones : l’impensable banalité du mal, revue Cités, 2008/4 n° 36, citée dans l’article « Rien n’est plus éloigné de mon propos que de minimiser le plus grand malheur du siècle… Il est plus facile d’être victime d’un diable à forme humaine que d’être la victime d’un principe métaphysique, voire d’un quelconque clown qui n’est ni un fou ni un homme particulièrement mauvais… Ce qu’aucun de nous n’arrive à surmonter dans le passé, ce n’est pas tant le nombre de victimes que précisément aussi la mesquinerie de cet assassinat collectif sans conscience de culpabilité et la médiocrité dépourvue de pensée de ce prétendu idéal. » p p . 17 et 18.
– Myriam Revault D’Allones : op.cit, p. 18.
– Francesco Fistetti : Hannah Arendt (1906-1975) la banalité du mal in Alain Caillé et al., Histoire raisonnée de la philosophie morale et politique, La Découverte, 2001 « le problème philosophique naissait du fait que le « ciment éthique » qui soutenait l’État criminel nazi n’était pas quelque chose de « démoniaque » ou, pis, de « psychopathologique », mais plutôt qu’il descendait du « consensus » donné par des hommes et des femmes parfaitement « normaux » comme Eichmann. »
– Robert Ezra Park : la ville comme laboratoire social in l’école de chicago- naissance de l’écologie urbaine textes traduits et présentés par Isaac Joseph et Yves Rafmeyer, édition champs essais,2004, p 167
– Robert Ezra Park : op.cit, p 168.
– Robert Ezra Park : op.cit, p 174.
– Robert Ezra Park : op.cit, p 176.
– Philippe Robert : Approches contemporaines en criminologie Conférence prononcée dans l’École nationale de la magistrature « A Chicago, après la Première guerre mondiale, Shaw et McKay (1942) – expliquent bandes et délinquance juvénile par la désorganisation sociale. Ils ont remarqué leur concentration dans certains quartiers de la ville qui conservent des scores élevés de délinquance alors que leur population se renouvelle pourtant très rapidement au fil de vagues d’immigration d’origines différentes. Au contraire, quand des habitants de ces quartiers les quittent, leurs taux de délinquance se fondent dans la normale urbaine. Il y a désorganisation sociale quand les normes peinent à régler les comportements. Ce n’est pas la misère en soi qui génère la déviance, mais le désordre normatif qui l’accompagne dans les aires où un perpétuel renouvellement de population empêche toute stabilisation des relations sociales. »
ـ لذلك لم يكن مستغربا أن نجد الفقيه هانس كيلسن يضع كتابا تحت عنوان ” النظرية الصافية للقانون ” بمعنى أنه تخلص من كل المعارف الإنسانية الغير القانونية ليضع نظريته، على العموم فكرة النظرية الصافية قد أخذها بالكامل عن الإقتصادي النمساوي كارل مينغر الذي وضع النظرية الصافية للاقتصاد، وهذا الأخير في مواجهة غوستاف شمولر واقعا هما من خلقا صراع المناهج في الاقتصاد في أواخر القرن التاسع عشر لتتسرب إلى العلوم القانونية والسياسية. لمزيد من التوسع بخصوص هذا الصراع الثنائي مراجعة مقالة ماثيو شاربونو.
Mathieu Charbonneau : Le Methodenstreit : plus qu’une« querelle de méthodes » , Serie Notes de Synthéses, fev 2009, Vol 1, N 4 , Centre D’études Sur L’intégration Et La Mondialisation.
– Robert Nozick : Anarchie, état et utopie, tr Evelyne d’Auzac de Lamartine, Quadrige PUF ? p 45. « L’état veilleur de nuit de la théorie classique libérale, limité aux fonctions de protection de tous ses citoyens contre la violence, le vol et la fraude, au respect des contrats passés, etc, semble etre redistributif. Nous pouvons imaginer au moins un arrangement social intermediaire entre le schema des associations protectrices privées et l’etat veilleur de nuit. Puisque l’etat veilleur de nuit est souvent appelé etat minimal »
ـ أمام تعقد كتاب الفيلسوف روبرت نوزيك أنصح القارئ الكريم بأن يراجع كتاب جونثان وولف المسمى ” روبرت نوزيك ـ الملكية، والعدالة والدولة ذات الحد الأدنى ” لأنه أعاد بسط تصور الفيلسوف بطريقة مبسطة ومكدسة تعفي القارئ من تعقب آراء الفيلسوف المعقدة والمشذرة في مجمل الكتاب، ذلك أنه يطرح الفكرة ثم يمر لأخرى وبعد ذلك يعود لنفس ليستكمل النقاش بخصوصها مما يؤدي إلى صعوبة في التعامل لحصر آرائه.
Jonathan Wolff : Robert Nozick – Property, justice and the minimal state,politty press, 1991.
ـ لمزيد من التوسع يرجى الرجوع إلى كتاب دانييل غانسر وهي كبير الباحثين بمركز الدراسات الأمنية بسويسرا: الجيوش السرية للناتو – عملية الخنجر والإرهاب في أوروبا الغربية. Nato’s secret armies- operation gladio and terrorism in western europe.
أو بحثها الإرهاب في أوربا الغربية : مقاربة للجيوش السرية للناتو الباقية بالخلف
Terrorism in Western Europe: An Approach
to NATO’s Secret Stay-Behind Armies بمجلة The Whitehead Journal of Diplomacy and International Relations، وهناك دراسات متكثرة بهذا الخصوص.
ـ لمراجعة نص التقرير باللغة الفرنسية يرجى دخول الرابط.
– NORM DIXON: How the CIA created Osama bin Laden, http://www.greenleft.org.au/back/2001/465/465p15.htm