web analytics
مقالات

الرصيف البحري الأميريكي في ساحل غزة نوايا احتلاليّة خبيثة خلف ستار الذرائع الإنسانية

الرصيف البحري الأميريكي في ساحل غزة

نوايا احتلاليّة خبيثة خلف ستار الذرائع الإنسانية

دخلت حرب غزّة شهرها السابع، والتدمير والتجويع هو كلّ ما حصدته آلة الحرب الإسرائيلية حتّى هذه اللّحظة. وفي ظلّ تفاقم الأزمات الإنسانية ووصولها إلى حد حصول مجاعة داخل القطاع، وتقطير دخول المساعدات الى القطاع عبر المعابر، جاء المقترح الأمريكي بضرورة إنشاء رصيف بحري قبالة السواحل الغزّيّة لإيصال المساعدات إلى القطاع الذي يتضوّر جوعًا. وبالفعل شرعت واشنطن في بناء هذا الرصيف البالغ طوله حسب التقارير 500 متر من أجل زيادة وتسهيل وصول المساعدات وفق ما أعلنت عنه وزارة الدّفاع الامريكية. وتُشير المعلومات أنّه سيتم تسليم المساعدات عبره من خلال ثلاث مناطق، الأولى منطقة إنزال المساعدات، وهذه المنطقة تخضع للسّيطرة الإسرائيلية المباشرة، والثّانية هي المنطقة التي ستُنقَل إليها المساعدات، والثّالثة فتتمثّل بمنطقة التّسليم الخاضعة لإشراف منظمات أمميّة. وبحسب التقارير فإنّ هذا الرّصيف سيستقبل يوميًّا ما يوازي 200 حاوية، لا تصل إلى نصف حاجة السّكان في القطاع، في حين أنّ معبر رفح يُدخل يوميًّا 300 حاوية حسب الهيئة العامة المصرية للاستعلامات، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول جدوى هذا الرصيف وفعّاليته والنّوايا الحقيقيّة غير المُعلنة وراء هذا البناء، في ظلّ وجود معابر أكثر كفاءة وسرعة في إيصال المساعدات للقطاع.

إذا ما نظرنا إلى الجانب الأمني لبناء هذا الرّصيف، فإنّه يتّسِق مع رغبة الاحتلال المُعلنة في إغلاق المنافذ المختلفة لقطاع غزّة، والسّيطرة على جميع معابر القطاع والتحكّم بما يدخل ويخرج، لزيادة الخِناق على المقاومة حسب ادعائهم، في وقت لا يستقيم فيه كذلك الفصل بين عملية رفح المرتقبة وإنشاء الميناء الأمريكي المشؤوم، والذي من المؤكد أنّه سيُفضي إلى إغلاق معبر رفح في حال حصلت هكذا عملية.

سياسيًّا، نرى أنّ هناك رغبة أمريكية إسرائيلية بتحويل قضية العدوان على غزّة من قضية سياسة إلى قضية إنسانية محضة، ورغبة في إدارة النّزاع وليس حلِّه. من جهة أُخرى، تبرز مخاوف جدّيّة من تهجير الغزّيين إلى دول أُخرى عبر البحر تحت شعار “الهجرة الطوعية”، خاصةً بعد فشل تهجيرهم بالقوّة والتجويع وكل أساليب الهمجية. بينما يرى الاحتلال في هذا الرصيف تعجيلاً لانهيار حكم حماس عبر إضعاف قوّتها وتجفيف مواردها وسيطرتها على الأرض وتجهيز أرضية لحكم العشائر في القطاع.

على المقلب الآخر، كشفت خرائط للرصيف البحري ما تخطّط له واشنطن، فهي تريد إضافة احتلال أمريكي على الاحتلال الإسرائيلي، فحيثما تحتل تل أبيب تُكمل واشنطن، وبعد احتلال غزة ستأتي أميريكا وتتربّع على آبار النفط والغاز قبالة السّواحل الغزّية، كما فعلت في سوريا والعراق وليبيا. بل وأبعد من ذلك فإنّ تجار شركات الغاز الأمريكية متلهّفون للسطو على هذه الآبار، حيث قيل أنّهم موّلوا جزء من الحرب على غزة، وإنّ معركة رفح ضرورية لاستكمال السيطرة على السواحل الغزّية خاصة حقل الغاز (غزة مارين)، هذا الحقل الذي تمّ اكتشافه عام 1999 من قِبل شركة بريتش بتروليوم، وهو أقرب الحقول إلى الشاطئ حيث يبعد 30 كيلو مترًا وعمق 600 مترٍ فقط، ويحتوي على قيمة تقديريّة 1.5 ترليون قدم مكعّب من الغاز. إضافة إلى ثروات أخرى مثل حقل “ماري بي” وحقل ” نوا” وحقل “المنطقة الوسطى”، وهي حقول من المتوقّع أن تحتوي على مكامن غاز قد تصل قيمتها إلى ثلاثة مليارات دولار سنويًّا.

منذ كانون أول 2022 تسعى إسرائيل إلى إبرام صفقات مع شركات كبرى للتنقيب عن الغاز، حيث قال مركز الميزان لحقوق الانسان ومقرّه غزة: إنّ وزارة الطاقة الإسرائيلية منحت تراخيص لستة منشآت وشركات إسرائيلية وعالمية بهدف التنقيب الاستكشافي عن الغاز في مناطق تُعتبر بموجب القانون الدّولي مناطق بحرية فلسطينية خالصة. من هذه الشركات “آني أس بي أي” الإيطالية و”دانا بتروليوم” البريطانية و”راشيو بتروليوم” الإسرائيلية، لكنّ التأخير جاء نتيجة الضغوطات على هذه الشركات بسبب وجود الآبار ضمن الأراضي الفلسطينية الخالصة، الأمر الذّي يُعتبر انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وحقّ الفلسطينيين في تقرير المصير، الذّي يشمل إدارة مواردهم الطبيعية الخاصة. ولعلّ هذا الملفّ سيعود إلى الواجهة من الباب العريض في ظلّ إنشاء هذا الرصيف مع السيطرة الأمريكية والإسرائيلية عليه، وهذا الأمر كلّه مرهون بعامل الوقت وإنهاء العمل بالرصيف الذي سيتمّ تسليمه في الأسابيع القليلة القادمة.

لقد تمّ بناء جزء كبير من هذا الرصيف البحري بحطام البيوت والمساكن الفلسطينية، وقامت الجرّافات الأميريكية باستخدام الأنقاض الفليسطينية التي تحوي الكثير من جثث الشهداء في بناء الرصيف. وتستغلّ الولايات المتحدة الأميريكية الذرائع الإنسانية لاحتلال ساحل غزة وشاطئها، لكي تنهب ثروات الفلسطينيّين، وتصدر الغاز من ساحل غزّة إلى أوروبا ليكون بديلاً للغاز الروسي مما يسمح لها بعزل روسيا وتأثيرها على الأوروبيّين، أضف إلى ذلك رغبة أميريكا بقطع طريق الحرير الصيني عبر طريق الهند التي يمتدّ إلى غلاف غزّة ومنها سواحل فلسطين نحو أوروبا.

كلّ هذه المعطيات والأحداث المتسارعة في هذا السّياق تقودنا إلى الشكّ الكبير والمنطقي في النوايا الأمريكية الإسرائيلية خلف بناء هذا الرّصيف. فالموضوع لا علاقة له بالبُعد الإنساني غير المُجدي أصلاً، بل يتعدّاه إلى نوايا خبيثة يحضّرها الإسرائيلي للسّيطرة على القطاع وشعبه وموارده من الباب الإنساني، بعد فشله في تحقيق مكاسبه عن طريق التدمير والتجويع والتهجير.

محمد حمدان

  • باحث في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

إغلاق