web analytics
مقالات

هدوء ما قبل العصف الإيراني

على الرغم من تسارع وتصاعد وتيرة الأحداث فى المنطقة، وبالأخصّ تسخين الجبهة الشمالية لفلسطين، الجنوبية للبنان، ومع إعلان الجيش الإسرائيلي سحب الفرقة 98 من خان یونس، والإبقاء على لواء واحد فقط (نحال) العامل في وسط القطاع للفصل بين الجنوب والشمال، إلّا أنّ النقطة الفصل في كلّ هذه المرحلة هو الردّ الإيراني على استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في سوریا، والتي تُعتبر أرضًا إيرانية، ممّا يمثّل تعدّيًا صارخًا على القانون الدولي، حيث راح ضحيتها ضبّاطًا ودبلوماسيين إيرانيين.

من هنا يأتي الترقّب والانتظار من الصديق قبل العدو على طبيعة هذا الردّ الذي لا مناص منه وزمانه ومكانه، فإسرائيل اتخذت كلّ الاجراءات الوقائية تحسّبًا لأيّ هجوم إيراني من إغلاق سفاراتها في العديد من الدول، واستدعاء لواء الإحتياط الجوّي وتجهيزه، والتشويش على النظام العالمي لتحديد الأماكن (GPS)وآخرها المناورة التي تجري فى شمال إسرائيل تحديدًا فى الجليل الغربي، والتي تحاكي حرب مع المقاومة في لبنان.

كل هذه التدابير والإجراءات تنذر بشيء جدّي وخطير قادم في المرحلة القريبة، فقبل الهجوم على القنصلية الإيرانية ليس كما بعده، وخاصة مع التسخين المستمرّ للجبهات، لاسيما الجبهة الجنوبية للبنان. فالعديد من التساؤلات تُطرح عن ماهية هذا الردّ الإيراني، حيث إنّ ردّ الفعل يجب أن يوازي الفعل الأساسي. فهل الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستُهاجم بشكل مباشر منشآت إسرائيلية داخل الكيان الصهيوني؟ أم أنّ الردّ سيكون على المصالح الأمريكية في المنطقة والضغط عليها أكثر وانعكاس هذا الضغط على إسرائيل؟! يمكن أن يكون السيناريو الثاني صعب الحصول، خاصةً وأنّ الهجوم قد تمّ على أرض دولة (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) وراح ضحيّتها شهداء لهذه الدولة، وبالتالي يجب أن يكون الردّ بالمثل وليس بشكل غير مباشر، الأمر الذي سيؤدّي حتمًا إلى تماسك محور المقاومة الذي تقوده إيران، وإنعكاس ذلك على الثقة الكاملة بقوة وهيبة اللاعب الإيراني على صعيد المنطقة والعالم، والذي سيلجم حتمًا تطلعات الدول الأخرى، ممّا شكّل رادعًا لأي طرف دولي  قبل التعرّض لإيران عسكريًّا أو حتى اقتصادیًّا.

السؤال الأساسي الذي يشكّل المعضلة البَعدية، والذي يُطرح بقوّة: ماذا بعد الرد الإيراني؟ كيف سيكون تصرّف العدو الإسرائيلي وردّ فعله على ردّ الفعل الإيرانى؟

نتنياهو اليوم يمرّ بظروف صعبة ومعقدة للغاية، فالأهداف التي أعلن عنها إبان حربه على غزة بالقضاء على المقاومة وتحرير الرهائن، كلّها باءت بالفشل بعد تجاوز حرب الإبادة شهرها السادس، خاصة بعد المعارك الضارية في شمال غزة، وتدمير المستشفيات والقطاعات التربوية والاقتصادية، والمعارك الضارية وسط القطاع، وآخرها الانسحاب التام من خان یونس دون تحقيق أيّ هدف، لا بل على العكس آثار فشل التخبّط الإسرائيلي في تصاعد مستمرّ، الأمر الذي انعكس على التسخين الكبير للجبهة الشمالية مع لبنان، وإعلان الجيش الإسرائيلي الانتقال من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، للتعتيم على الفشل المستمر في القطاع.

فنتنياهو يمكن أن يقامر ويلعب جميع أوراقه لإطالة أمد الحرب والتهرب من المحاكمة. ومن السيناريوهات المحتملة هو الردّ على الردّ الإيراني بفتح الحرب على الجبهة الشمالية مع لبنان والدخول بصدام مباشر مع المقاومة، والتي ستكون تكلفتها باهظة أضعاف مضاعفة من حرب غرة، أو الرضوخ والقبول بالأمر الواقع الذي يُرسم خاصةً مع فقدان الدعم الدولي وارتفاع وتيرة الانقسام في الداخل الاسرائيلي، ويكون مصيره المحاكمة والسجن، وبالتالي تزايد الخلافات الداخلية وانفجار المجتمع الإسرائيلي، والتأسيس لبداية زوال هذا الكيان.

كلّ هذه التساؤلات والسناريوهات المطروحة متصلة بطبيعة الردّ الإيراني القادم لا محالة، وإن أخذ بعض الوقت. فالإيراني يتمتع بصبر عالٍ ودقة حسابات لكلّ الإحتمالات في أيّ تصرّف، فهو (كمن يذبح بالقطنة) وبالتالي فإنّ التروي في ردّ الفعل لا شكّ هو مدروس لتفادي الإنزلاق نحو الحرب الشاملة ،وحتى لتجهيز وتهيئة محور المقاومة، بالأخصّ حزب الله للتصدّي لأيّ ردّ إسرائيلي في حال قرر نتنياهو الدخول في الحرب المفتوحة.

محمد حمدان

الباحث في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

إغلاق