أقسام المركز
الهندسة الاستراتيجية
قسم الهندسة الاستراتيجية:
التعريف بالقسم:
تتكون هذه التسمية المركبة ” الهندسة الاستراتيجية ” من مفهومين قليلا ما يلتقيان في ذهنية الممارس، لكنهما أساسيان لكليهما بشكل جدلي.
فالهندسة كأي هندسة لا يمكنها أن تقوم بعيدا عن الأبعاد الأربع اللازم الإحاطة بها كالطول والعرض والارتفاع والزمان، مع تركيز على مكونات كل بعد حتى يتلاءم البناء الذي يتم الاشتغال عليه، فالمهندس الملم بتخصصه عندما يحاول أن يشيد بناءا فإنه يكون عالما بالمواد التي ستكون هذا البناء ودارسا لقدرة صلابتها ومواتاتها للظروف.
أما الاستراتيجية فهي كلمة تفيد عملية الاستفادة من النجاحات التكتيكية في الحروب والتخطيط لتحقيق انتصار ميداني كبير، لكنها عرفت انزياحا مفاهيميا لتتوسع إلى مجمل الأنشطة الذهنية والسياسية وغيرها من الأنشطة الإنسانية الرامية إلى وضع خطة على مساحة زمنية ليست بالقصيرة، لتحقيق غايات ترنو إليها المؤسسات في المستقبل.
وآثرنا تسمية هذا القسم بالهندسة الاستراتيجية لأن ما نطمح إليه هو عين تراكم معنائية المفهومين معها، فهي لا تهتم بالسياسات الخاصة ولا العمومية، كما لا تعير كبير انتباه للطروحات السياسوية التي تشغل المشهد العام للحصول على مكاسب وتأشيرة الدخول إلى مركز القرار، بل هي تشتغل على القدرة الجغرافية ومواصفاتها ومدياتها الطولية والعرضية كما أنها تبحث عنصر الزمن من حيثيتين، الحيثية التأريخية لأنها المكنز التصوري الثابت في الجغرافيا، والمساحة الزمنية اللازمة لتحقيق ما تضعه من ترسيمات.
ولذلك هي لا تؤمن لا بالأثاث الدولتي ولا بالتصريف المعرفي ذي الطبخة الإيديولوجية، لكنها تبقى غائية بالأساس، لم تولد إلا لتحقيق هدف ما.
فمن جهة أنها لا تهتم بالأثاث الدولتي بمعنى أنها لا تعير كبير انتباه لمحورية ” الحدود ” الدولتية، بقدر ما تدرس الجغرافيا في قلب المناطق الحدودية أو تسير أبعد من ذلك، لأن الجغرافيا بطبعها لا تعرف حدا سياسيا فكله اعتبار محض، ولذلك هي لا تتوقف إلا حيث تقول لها الجغرافيا أين تتوقف، ولا تسير عميقا إلا حيث يقول لها التأريخ أن تتصعد.
فبالانطلاق من هذين الحقيقتين فإن الهاجس الأساس للهندسة الاستراتيجية هو دراسة المشاريع والظواهر وفق بعدين ثابتين وبعد متغير، أما البعدين الثابتين فهو الزخم الجغرافي والزخم التأريخي لأنهما الأكثر استمساكا في اللاوعي الجمعي في الجغرافيات ذات التعدد الديني أو الإثني، والبعد المتغير هو المتحولات السياسية التي ترتسم أو يراد رسمها وفق أجندات معينة، لذلك فالسياسات العمومية أو المخرجات القرارية التي تصدر عن مراكز صنع القرار، هي متغير محض لا يمكن البناء عليها في القراءة العميقة، بقدر ما قد تعتبر هاديا لاستشرافات قصيرة الأمد، وإلا فإن الذهاب أبعد من ذلك يحتاج إلى مراجعة الاستعداد الجغرافي والتأريخي للأمة.
أهداف القسم:
فأهداف القسم يمكن لملمتها في ثلاث:
أولا، وضع دراسات استراتيجية، أعمق من تلك التقليعات السياسية أو الإيديولوجية التي جرت الويلات للمنطقة العربية، بهاجس تغييري حضاري بمعنى أنها لا تتحرك توصيفا أو تأثرا بالمجمل، كما أنها لا ترتكز على تغيير جذري يتناقض والأشراط الموضوعية.
ثانيا، حيث إن الهندسة الاستراتيجية هي عملية تفكير وإبداع لإيجاد حلول أساسية سواء للمشاكل العويصة التي تمر بها المنطقة أو العالم، فإنها ستكون عبرتخصصية بالضرورة، مما يستلزم معه تكوين كوادر معرفية تلملم أكثر من تخصص لتقرأ الأوضاع كما الاستشراف قراءة كليانية متعددة الجوانب.
ثالثا، ولهذا لا يمكن للمجهود النظري أن يظل حبيس أفكار مسبقة أو إيديولوجيات مغلقة، بل يحتاج إلى أنوارية إنسانية تجعله يرى البنى الأساسية على حقيقتها، وحسا استشرافيا غير مدخول بعدائيات مرضية.
مما يتناسب معه تكوين كوادر علمية تتوافق مع هكذا سقف وهكذا إرادة، ولهذا الغرض تأسس هذا المركز كما لهذا الغرض تم خلق هذا القسم، حتى ندخل العالم من أوسع أبوابه.