دراسات وأبحاث
ذو الفقار بناء الردع عند حزب الله وموجبته في الثقافة الاستراتيجية
ذو الفقار
بناء الردع عند حزب الله وموجبته في الثقافة الاستراتيجية ( [1] )
تلعب الثقافة الاستراتيجية دور العماد الإيديولوجي لكل تصور وتصديق حراكي في العالم، لذلك هي تعتمد لاستيعاب سلوكات الدول خارج صندوق السياسات العمومية أو التحديات الوطنية، والتي لم تسمح بتقديم مسوغ عقلاني لكثير من السلوكات الدولية عبر التأريخ، فهي مجهود معرفي استقرائي الهدف منه العبور إلى المديات الخلفية التي يمكن أن تكون وراء صوغ السياسات العمومية والتي بدونها لا يمكن استيعاب هذه المتغيرات.
فأهمية الثقافة الاستراتيجية هي أنها تساعد في استباق السلوكيات الدولية واستيعاب ملاكاتها على الأرض، كما أنها تشكل اللحمة الأساس لصلابة صناعة القرار الداخلي والتركيز على مفاعيله الخارجية. ( [2] ) ونحن في إطار هذا العنوان التفصيلي لن نبحث الثقافة الاستراتيجية لحزب الله بما هي مكنز وجودي موجود فعلا، لأن هكذا أمر يحتاج إلى تدبيج كتاب ضخم يلملم التفاصيل، لكن فقط سنركز على كيفية استدخال انتصاراته الميدانية كتداولية جديدة في قلب الثقافة الاستراتيجية، يعني مجهودنا رائي إلى بحث تفصيلة استثمار انتصارات الميدان في البنية الوجودية الكليانية للبيئة الحاضنة للمقاومة.
ولهذا فإن البحث أتى في عنوانين رئيسيين، أفردنا بحث متتالية الردع أو بناء الردع عند حزب الله بتعقب لمتحولات ميدانية لم نشأ التعمق فيها كثيرا، بقدر ما أردناها ككاشف معرفي جهادي عملاني ( العنوان الأول ) يساعدنا في استدخال هكذا خلاصات كتداولية معرفية في قلب الثقافة الاستراتيجية وفق السقف الذي حددناه ابتداءا. ( العنوان الثاني )
العنوان الأول: متحول الردع في مسار ولادته:
شكلت معركة تموز مرحلة فاصلة في المديات القتالية عند حزب الله، لأنها أنبأت عن نهاية المرحلة الدفاعية بوصفها الحد الأقصى الذي يمكن إجادته من قبل مقاتلي حزب الله، وبدء مرحلة هجومية متوقفة على انزلاقات عسكرية للكيان الصهيوني بوصفه تحدي أساسي هل ينجح فيه حزب الله، والتي أدخلت العقل العسكري العملياتي الإسرائيلي وكذا الأمريكي على حد سواء مرحلة ” اللايقين ” والعيش في دوامة من الاضطراب الذهني هو أقرب إلى عصف بالعقول.
فمن يدرس حزب الله كقوة قتالية سيلاحظ بأنها مرت بمرحلة تولد عجيبة، بدأت من سنة 1982 إلى غاية سنة 1985 بعد إصدار رسالة إلى المستضعفين، هذه المرحلة عرفت تداخلات عملياتية على أكثر من مستوى ونسبت إلى أكثر من طرف، جعلت بنك المعلومات الاستخباري الإسرائيلي والأمريكي والفرنسي على حد سواء في حالة من الفقر ذي الحساب السلبي، لأنه في ظل هذه الفترة الزمنية تولدت الكثير من التنظيمات القتالية الصغيرة والتي نفذت العديد من العمليات القتالية ضمن منظومة ” حرب العصابات ” دون أن تسمح لأي من القوى العسكرية المتواجدة بلبنان من بناء تصور استخباري متكامل حولها، ولا حتى الإحاطة بقياداتها وخط عملها.
إلى أن صار إعلان الولادة سنة 1985 حيث تبدت إلى حد ما الهندسة المنظومية لحزب الله بوصفه موجود قتالي فارق عن غيره من التنظيمات القتالية التي كانت تعمل على الأرض، إلا أنه استمر في نفس خط سير حرب العصابات إلى غاية سنة 1991 بعد أن استهل عملياته القتالية في العمق الجغرافي للكيان الصهيوني بصواريخ قصيرة المدى هي من نوع ب إم 8 و 13 و 21 و 31 السوفياتية الصنع والمسماة في التداول الإعلامي بصواريخ الكاتيوشا، ففي هذه المرحلة لأول مرة يتذوق الكيان الصهيوني بعد الاجتياح اللبناني معنى الحرب في قلب بيئته الخاصة، والتي تصعدت بعمليات قتالية نوعية جعلت من عوائل العسكريين الإسرائيليين يرفعون عقيرتهم بإيقاف ” الاستنزاف اللامثري ” والعودة إلى العمق الفلسطيني المحتل، وهو ما سمي بأزمة ” الأمهات الأربع ” كأول بادرة سلبية تتسرب إلى الجسم العسكري الإسرائيلي ( [3] )، وعندما وقف حزب الله على نجاعة الضرب في العمق، بدأ يرفع من وتيرة الهجمات الصاروخية إلى حين تأسيسه لردع صاروخي معتبر ينال ليس فقط من شمال فلسطين المحتلة بل إلى أواسطها.
إلى أن تطورت العملية القتالية خلال حرب تموز التي لملمت دائرتي القضم من القوة والقضم من الهيبة دفعة واحدة.
واقعا تعتبر معركة تموز معركة فاصلة، ليس من جهة أنها حققت الردع في أكمل صوره وحسب، بل لأنها استطاعت أن تجمع آلية القضم من قوة الخصم وآلية القضم من هيبته بما هي أقوى مؤثر نفسي عسكري في عملية قتالية واحدة قطعت مع متتاليات التأثير التي كان يعرفها الكيان الصهيوني في الفترة السابقة، وقد يبدو للقارئ الكريم على أن الأمرين سيان، لكن الحقيقة أنهما منفصلين تماما، فمثلا المعارك التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية بدءا من حرب الفيتنام إلى حرب الخليج وأفغانستان لم تأتي على هيبتها الاستراتيجية، بقدر ما أبانت على قضم من قوتها، لذلك نجد المراكز البحثية الأمريكية عند كل إعضال عسكري تدرس كيفية الانسحاب من الحرب بدون مساس بالهيبة.
يمكن تقطيع المراحل العملياتية لحزب الله إلى ثلاث مراحل أساسية، ساهمت في بناء الردع الذي نعرفه اليوم، فمن حرب الجماعات الصغيرة التي استغرقت فترة 1982 إلى غاية 1991 إلى مرحلة استهداف البيئة الجوانية للعدو الإسرائيلي مع رفع العمليات القتالية داخل لبنان المحتل بضرب المعاقل الثابتة بدلا من التموضعات الثابتة أو ما تسمى بنقاط حراسة ثابتة والتي استغرقت فترة 1991 إلى غاية سنة 2000، فمرحلة ثالثة حولت الحرب بتداعياتها الكلية في قلب البيئة الجوانية للعدو الإسرائيلي كما نراها صارت ناضحة في حرب تموز سنة 2006، حيث بدأنا نسمع على أنه في مقابل أي استهداف لمنشأة لبنانية سيتم استهداف منشأة اسرائيلية وهكذا دواليك، فصارت ترسيمة الحرب عند الكيان الصهيوني تقوم بالأساس على دراسة تداعيات الحرب على بيئته الداخلية، وهي سابقة تأريخية لم يعشها منذ فترة الإعلان عن ولادته ككيان غاصب.
نحن موقنين بأن التحقيب التأريخي من أصعب المغامرات المعرفية وخصوصا التحليلية، لكنها تظل هامة جدا من جهة سماحها بمراجعة المتغيرات كما لو أنها بنى إضافية تتراكم إلى ما قبلها، فضلا عن دخول منطق عقلاني جديد لم يكن مسبوقا، فالتحقيب في مفروض البحث هو من جهة تعقب العقلية القتالية لدى حزب الله وكيف يتحرك واقعا في الخارج باستدخال متغير قتالي جديد لم يكن مسبوقا.
وحيث إنه في الحروب الكبرى والصغرى على حد سواء إذا ما تم استدخال تقانة قتالية جديدة، فإنها تؤثر حكما في العقلية الحربية، بحيث تصير مكونا معرفيا استراتيجيا جديدا يدخل غرفة العمليات بقوة، فإنه يكون للتحقيب وإن أتى انتزاعيا له من الفضائل التصورية ما لا يخفى.
عندما اجتاح الكيان الصهيوني لبنان كان يحاول القضاء على المقاومة الفلسطينية وإنهاء مجمل الحالات المقاومة اللبنانية بالارتداد، بوصفها مرتهنة لوجيستيا وسياسيا للمقاومة الفلسطينية، فيحقق بضربة عسكرية واحدة إنهاءا لمشروع المقاومة في المنطقة، وهذه كانت أولى أخطائه الاستراتيجية.
يقول سماحة الشيخ نعيم قاسم ” كان الهدف المركزي للاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982 هو القضاء على البنية العسكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مما يكفل إنهاء المقاومة ضدها ويحقق الأمن لاسرائيل على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة. ولم يكن التخوف كبيرا من اللبنانيين، إذ اعتبرت إسرائيل أن المقاومة اللبنانية ملحقة بالمقاومة الفلسطينية … فإذا ضربت المقاومة الفلسطينية فهذا يعني سقوط المقاومة اللبنانية تبعا لذلك. ” ( [4] )
معتمدا الكيان الصهيوني على إحدى أهم الإواليات والخطوات في حرب مواجهة العمليات المسلحة للتنظيمات أو ما كان يعرف بمواجهة الحروب الثورية، وهو معطى أن البيئة الجغرافية كانت ممتعضة من السلوك العسكري الفلسطيني، وبالتالي لن تجد هذه التنظيمات دعما شعبيا مما يسهل المأمورية الإسرائيلية، فقد عمد المفكر العسكري دافيد غالولا في كتابه ” مكافحة التمرد المسلح بين النظرية والتطبيق ” إلى وضع العزل الديموغرافي والاجتماعي عن التنظيمات القتالية كخطوة ثانية ذات أهمية وتعقيد في نفس الآن، لأنها تساعد في استكمال الضربات العسكرية للتنظيمات في أريحية استراتيجية شبه تامة، وهي خطوة معقدة لأنها تستجمع التفصيلة العسكرية والتفصيلة السياسية في نفس الآن ( [5] )، ومن هنا كان حزب الله يتحوز دهاءا تكتيكيا لا يخفى إذ أنه أسرع بخلق مكون قتالي محلي الإنتماء يدعم القضية الفلسطينية ويستفيد من خبراتها القتالية، على أن يظل وجودا قتاليا موازيا وتكامليا، مما أدى إلى نسف التصور العملياتي لدى الكيان الصهيوني.
فضلا على أنه احتضن المقاتلين اللبنانيين الذين كانوا يناضلون من داخل التنظيمات الفلسطينية، فبعد إخراج التنظيمات الفلسطينية من لبنان تم تسمية الشباب اللبناني الذي تدرب وقاتل عضويا مع المنظمات الفلسطينية ب ” أيتام الثورة الفلسطينية “، مما أبقى شعلة القضية الفلسطينية متوهجة أكثر مع الاستفادة من الكفاءات القتالية اللبنانية التي تدربت مع المنظمات الفلسطينية ( [6] ).
لتتحول البيئة الاجتماعية إلى حاضنة للمقاومة ذات تفصيلة وطنية دون مساس بعمق الهدف ألا وهو تحرير فلسطين المحتلة، ومن هنا بدأت العمليات الميدانية التي تركزت في حرب الشوارع والمدن، حيث المناوشات العسكرية كانت تقض مضجع الكيان الصهيوني، ولا تسمح له بتحقيق مجال آمن لمحيط العمليات بما هي لازمة ضرورية لأية عملية اجتياح ناجحة، فقلبت معامل الاطمئنان الذي تسرب إلى ذهن القيادة العسكرية الإسرائيلية في الأيام الأولى للاجتياح.
وأمام ما يمكننا تسميته بفشل اختراق المحيط الاجتماعي لدائرة العمليات المسلحة والتي هي إحدى أهم الخطوات لنجاح أي عملية عسكرية ذات خلفية مواجهة للتمرد المسلح، سعى الكيان الصهيوني إلى تأسيس جيش محلي موالي له بالجنوب اللبناني بعد أن أنهى وجود ” جيش لبنان الحر ” ( [7] )، ليكون حائط صد وضرب في عمق المقاومة حتى تتشاطر معه البيئة الاجتماعية المحلية.
فالإرادة العامة القتالية كانت تتأصل على مسألتين أساسيتين:
1 – إرباك العدو وجعله في حالة استنفار مستنزفة لقواته مما أدخل الرعب في قلب جنوده.
2 – منع المحتل من تحقيق المزيد من أهدافه التوسعية، بسبب الضغط الذي واجهه في المساحة التي احتلها. ( [8] )
وهذين القرارين المبدئيين ساعدا في خنق العدو الإسرائيلي ضمن بيئة اجتماعية عريضة حاضنة للمقاومة ولحزب الله بالخصوص، مما أدى إلى تشخص القتال بين المكونين بشكل واسع، وفي نفس الآن كان يمنع من تمدد العدو إلى بيئات اجتماعية أخرى، قد تعقد من العمليات القتالية على الأرض.
ولتأكيد هذه المعادلة بشكل فعال عمد حزب الله بعد استشهاد الأمين العام السيد عباس الموسوي رحمة الله عليه، إلى الاشتغال على معركتين بالتوازي، الأولى الرفع من منسوب قضم القوة للكيان الصهيوني في الميدان اللبناني، واستدخال معامل القضم من الهيبة باستهداف شمال فلسطين المحتلة، بتوسط صواريخ كاتيوشا التي دخلت مجال الخدمة بشكل رسمي.
وفي نفس الآن إجراء مناورات قتالية واسعة لعزل الجيش اللبناني الجنوبي ( [9] ) عن البيئة الجنوبية ذات البعد التعددي، بالتركيز على جنبة الخيانة والمد ليد العون للعدو الصهيوني، مما حذا بهذا الأخير إلى الانزلاق ميدانيا واقتراف جرائم حرب كما جرائم ضد الإنسانية بغية تطهير بيئته من شبهة الاختراق، تكللت بفشل كبير أدى إلى نتيجتين عكسيتين، الأولى أنه لم يعد يتوفر على بيئة حاضنة خارج ” سياج القمع ” بل صار في بيئة عدائية ساعدت حزب الله في التمدد والوصول إلى معاقله وتحصيناته ودكها، والثانية أنه مارس استقلابا مفاهيميا بحيث تحول إلى ذراع إسرائيلية محض. فلم يعد للجيش اللبناني الجنوبي من بيئة اجتماعية إلا الأسر والعوائل المنضوية عضويا فيه، وهو ما لم يرده الكيان الصهيوني، لأن العزل يجب أن يتم على مستوى قاعدة اجتماعية كبيرة من المتعاطفين، حتى يتم التمهيد لتسليم تلك المناطق للإدارة المركزية.
وإلا فإن العضوية في التمرد المسلح لا تضيف شيئا بالمطلق، لأن العزل يهم الجنبة البشرية الواسعة الغير المنتمية.
وأمام توالي الأخطاء من الجيش الجنوبي، وتكبده لخسائر ميدانية كبيرة همت تحصيناته، واستهدافات أمنية لقياداته الميدانية، جعلته يمر بموت سريري ينتظر فقط تأريخ الإعلان عن وفاته، وهذا ما تحقق بالانسحاب الإسرائيلي من أغلب الأراضي اللبنانية سنة 2000 تاركا تلك الجثة تعاني من أزمة طقوس دفن ليس إلا، وإلا فإنه وفق المنطق العسكري قيام مكون قتالي يدعي ارتكازا بيئيا لا يمكنه أن ينهار بانسحاب الكيان الصهيوني، بل المنطقي أنه يبقى للمنافحة، وطبعا هذا الأمر لم يتحقق.
نقول بأن السلوك الاستراتيجي الذي مارسه حزب الله بعد الإعلان عنه كمكون جهادي موحد، بدلا من مجلس شورى لبنان، منح المقاومة اللبنانية مشروعية وجود واستمرارية قتالية داخل بيئتها الاجتماعية، والتي كان يصعب الإبقاء عليها بالانضواء العددي ضمن المنظمات القتالية الفلسطينية.
فصارت العمليات العسكرية بعد الانسحاب من بيروت تدور وفق منطق ” القضم من الهيبة ” بجعل البيئة الداخلية الإسرائيلية شريكا في أرض المعارك، وهي سابقة تأريخية لم يشهد لها العالم نظيرا في مواجهة التمردات المسلحة، لأن هكذا حروب كانت حصرا في حدود الدولة. ( [10] )
بمعنى أن ثمة ثقافة حربية كلاسيكية دخلت عنوان العمليات، صحيح أن صواريخ الكاتيوشا ليست ذات عمق تدميري استراتيجي، لكنها في الحالة اللبنانية كانت ورقة إقحام جغرافيا العدو في أتون الحرب فكانت جنبتها الإرعابية هي الأولى في الاعتبار، مما أدى إلى تحول الحرب اللبنانية إلى حرب لبنانية – إسرائيلية من جهة التأثير في الشأن المحلي الإسرائيلي.
سريعا ما أثمرت انشقاقا داخليا فضح فشل الآلة العسكرية الإسرائيلية، بل وتكبد خسائر ميدانية ليس فقط في قلب الجيش الإسرائيلي بل أيضا في قلب المدنيين الإسرائيليين.
لذلك لم يكن من باب المصادفة أن تتحول العمليات القتالية الإسرائيلية إلى مقصد ثأري وحسب، فبدأنا نسمع عن عمليات ” تصفية حساب ” و ” عناقيد الغضب ” معلنة من حيث لا تدري عن ولادة مرحلة قتالية جديدة وهي مرحلة الحرب الهجينة، إذ أنه نفسيا بدأت تتسرب الندية إلى عمق العقل الاستراتيجي الإسرائيلي والتي لم تغادره إلى تأريخه بقدر ما صرنا أمام مرحلة ” توازن للرعب “.
فالعمليات القتالية التي أنجزها حزب الله بين سنة 1994 إلى غاية 2000 شكلت لوحدها قرابة أربعة أخماس مجموع العمليات التي أنجزها بين سنة 1982 إلى غاية يوم التحرير، فمجموع العمليات التي أنجزها حزب الله إلى غاية يوم التحرير تصل إلى 6786 عملية، منها 5282 عملية بين فترة 1994 – 2000 وأعلى رقم عمليات كانت سنة 1999 إذ نفذت 1164 عملية ( [11] ). وهذا يدل على تصعد في الرؤية القتالية وتجاوز حلبة المناوشات إلى مرحلة الردع تمهيدا لخروج الكيان الصهيوني من لبنان، وفي نفس الآن ضرب ذراعه العسكرية اللبنانية في الجنوب، فكان انتصارا مضاعفا ومركبا في نفس الآن.
هذا شكل أحد أهم المرتكزات الردعية التي اشتغل عليها حزب الله في بناء قوته الميدانية، حيث طور من منظومة الصواريخ ليصل الردع إلى عمق الكيان الصهيوني، وبناء متوالية جديدة، سريعا ما أثبتت جدوائيتها في حرب تموز 2006 بهزيمة الكيان الصهيوني رغم أنه كان صاحب المبادرة في العمليات القتالية، مما شكل صدمة أمام العقل الاستراتيجي العسكري في الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه لأول مرة يقف على شيء إسمه الحرب الهجينة أي الحرب التي ترفع من وتيرة اللاتماثلية القتالية بفعالية تقارب التكتيكتات القتالية الكلاسيكية وتقضي على مرتكزات الحرب المركبة، لأن الحرب المركبة هي تلك التي تستجمع البعد الكلاسيكي إلى جانب البعد اللاتماثلي في الحروب في جانب واحد، مما تسمح ببناء رؤية لوجيستية وعملياتية تتوافق مع كلا الجنبتين بتراص قتالي عملياتي يتنزل لكل جنبة في المواجهة الحربية، والحال أنه أمام الهجانة ليس ثمة مقترب لوجيستي أو عملياتي واحد يصلح لمواجهتها، لأنها لا تماثلية من جهة الطرف المقاتل لكنها تقارب الجنبة الكلاسيكية من جهة الفعالية القتالية، فتضيع الرؤية بين رسم استراتيجية تتوافق مع الطرف المقاتل والذي يكون بالأساس مكون قتالي غير دولتي، والبعد العملياتي العميق لفعاليته والتي لا تواجه إلا ببنك أهداف واضحة ومواقع ثابتة ظاهرة والتي تتحوزها الدول بصفتها تلك.
وبهذا الخصوص يقول الباحث فرانك هوفمان، والذي حسب معلوماتي هو أول من صاغ مفهوم ” الحرب الهجينة ” بمناسبة متابعته للعمليات القتالية التي مارسها حزب الله خلال حرب تموز ” بقدر ما يمكن أن تكون الحروب المركبة صعبة، إلا أن الانصهار العملياتي بين القدرات التقليدية والغير النظامية في الصراعات الهجينة قد تكون أكثر تعقيدا، ففي الحروب يمكن الارتكاز على التآزر والتركيب على المستوى الاستراتيجي، ولكن هذا يظل غير ممكننا في ظل التعقيد والانصهار والتزامن على الصعيدين العملياتي وحتى التكتيكي في حروب يقوم طرف أو كليهما على المزج بين وسائل وأساليب الصراع في ساحة المعركة. ” ( [12] )
مما أدى إلى إحداث مراجعات كبيرة جدا وتناسل أبحاث استراتيجية للتعاطي مع هذا النوع من التهديد كما تراه الدول،
ذلك أنه في السابق كان ثمة ثلاث تصورات للحرب الكلاسيكية، وهي الحرب التي تقع بين الدول، أو الحروب الثورية والتي ظهرت في اللحظة الذهبية للشيوعية حيث تقوم التمردات المسلحة لأجل الوصول إلى الحكم، وحرب المغاوير التي تحمل أجندات مختلفة إما الحصول على حقوق مواطنة أو عدالة اجتماعية أو تحررية من الاستعمار.
وكان لكل تصور عن هذه الحروب سقف عمليات قتالية محددة، بحيث تتواءم مع دائرة البغية منها، إلا أنه وفي الآونة الأخيرة ظهرت عمليات قتالية قلبت الكثير من الموازين التصورية للدائرة الاستراتيجية، حيث تحولت التنظيمات المقاتلة إلى موجود من حيث الفعالية والقدرة إلى ما فوق قدرة الدول نفسها، مع الحفاظ على رؤية قتالية مختلفة تماما ربما تقارب تكتيكات أحلاف عسكرية من حيث التنسيق العملياتي، فسميت هذه الحروب بالحروب الهجينة، لأنها جمعت بين خلفيات وتكتيكات واستراتيجيات مجمل التصورات الثلاث السابقة أو لنسميها المدرسية، ليرتفع الحديث عن كيفية مواجهة هذا النوع الجديد من الحروب، طبعا العقل العسكريتاري عانى الأمرين في تشخيص المسلكية الموائمة للتعامل مع هكذا نوعية جديدة من الحروب، وعندما أعياه البحث تنزل إلى ميكانيزمات حرب الشوارع والحروب الكلاسيكية، لعله يستطيع إيجاد حل بنيوي لهذه الولادة الغير المرغوب بها عنده، وطبعا عندما يتم التنزل إلى الميكانيزمات المدرسية، نكون حكما في إطار السقف التشخيصي الدولتي، والتعامل مع ملفات الحروب المسماة صغرى كما لو أنها ملفات مستقلة دون ربط عملياتي واضح.
مما أدى إلى استفحال الأزمة العملياتية، لأن الربط الميداني لدى التنظيمات جعلها تستطيع إجراء احتواء ساخن للضربات الغربية، بالتخلص من بنك الأهداف والتوجه نحو الجغرافيات الأقل احتمالا، فبمجرد أن يقع تصادم بين رؤية مدرسية ورؤية هجينة، تتحول الأزمة إلى سائل متدفق غير ممكن ضبطه ولا التحكم في دائرة اشتغاله وحراكه، لذلك يستحيل مواجهة هكذا منطق جديد في القتال إلا من خلال نفس الرؤية الهجينة.
فضلا على أن الثقافة الحربية بهكذا خلفية جعلت المسألة لا تعدو أن تكون إلا تدبير أزمة، لا حربا بالمعنى الدقيق للكلمة، فهي أقرب إلى عمليات إنزال لرجال الشرطة بآليات عسكرية، تنال من خلايا قتالية لكنها تفسح المجال للباقي بالتوسع في اتجاهات أخرى، ولهذا بالضبط كان الكيان الصهيوني يحرص على تنفيذ العمليات الخاصة لرأب الصدع الميداني الذي كان يعانيه ساعة بساعة.
عندما أبدع السوسيولوجي الألماني في صياغة ملاحظاته حول متحولات الأزمات العالمية وتأثيرها على البنيات الاجتماعية منتهيا إلى ما أسماه ب ” مجتمع المخاطر ” ركز على أن القدرة الحياتية في المجتمعات صارت مدخولة بمعامل ” الخوف ” و ” الإحساس بالمخاطر ” على مدار الساعة، مما أدى إلى وقوع تغيرات أساسية في هكذا مجتمع، فالخوف من التغيرات البيئية، ومن المستقبل الغامض، ومن الأزمات الصحية والاقتصادية جعلت المجتمع يعيش حالة دائمة من تدبير للأزمات والمخاطر، لذلك لم يكن مستغربا أن تتناسل الأبحاث المتعاطية مع المخاطر كما لو أنها شأن يومي واعتيادي، وواقعا هذا التصور انجر حكما إلى مؤسسة الحرب، حيث لم تعد استمرارا للسياسة بوسائل أخرى كما نوه إلى ذلك الفقيه كلاوسفيتز، بل صارت عمليا استمرارا لتدبير الأزمات والمخاطر الصغرى في الحياة الاجتماعية والسياسية على حد سواء، لتضحي استمرارا لإجراءات أمنية بوسائل أخرى فتتحول الحروب إلى حروب صغرى ذات حيثية محددة، دون كبير اتساع في العمليات العسكرية.
فالباحث البريطاني كريستوفر كوكر حرر كتابا تحت عنوان ” الحرب في عصر المخاطر ” مستقرئا السلوك الحربي منذ عاصفة الصحراء مرورا بالحروب الأوروبية خالصا إلى أن منطق مجتمع المخاطر قد دخل بقوة في عمق العقل الاستراتيجي العسكري، فصارت العمليات الحربية ذات بعد حيثي أقل اتساعا من المنظومة الفكرية الكلاسيكية، والعجيب في الموضوع أنها وعلى ضوء هذا المتغير البنيوي صارت أكثر حضورا في الذهنية العامة، وبالتالي أكثر قبولا بوصفها حل جذري لأزمة خانقة قد تكون عابرة.
ونحن لن نجازف بإجراء قراءات نقدية على هكذا تصور، لأن الواقع الخارجي صار أكثر نضوحا في سيره في هذا الاتجاه.
ومن هذه الناحية أضحت الحرب الهجينة هي إحدى أهم التعابير تقانة لتوصيف المنطق القتالي الذي سيحكم العالم خلال القرن الواحد والعشرين على أقل التقادير.
ولهذا اشتغلت التكتيكات القتالية الاستكبارية على إقحام مكونات قتالية غير دولتية في قلب المجال الحيوي لمحور المقاومة، لتمارس عمليات حربية تضيق على حزب الله دائرة فعاليته، والاشتغال في نفس الآن على استهداف حاضنته الشعبية بتعبئة بعض الأسماء وتمويلها لتخترق البيئة الحاضنة للمقاومة.
فحرب تموز رفعت من منسوب الردع عند حزب الله إلى أن واطئ منسوب توازن الرعب مع الكيان الصهيوني، وهكذا نصر إلهي يحتاج إلى توظيف استراتيجي في قلب المركب الثقافي الاستراتيجي.
العنوان الثاني: بنية الردع كتداولية في الثقافة الاستراتيجية:
يتم تعريف الثقافة الاستراتيجية بأنها ” مجموع المعتقدات المشتركة، والافتراضات ومسلكية السلوكات، المستمدة من التجارب المشتركة والروايات المقبولة على حد سواء الشفاهي منه والمكتوب، المؤسسة للهوية الجماعية وكيفية بناء العلاقات مع المجموعات الأخرى والتي تحدد الغايات والوسائل الملائمة لتحقيق أهداف الأمن ” ( [13] ) وهذا التعريف يشكل الحد الأدنى المتوافق عليه بين العديد من الباحثين والمفكرين الاستراتيجيين.
إلا أنه بالنسبة لنا الوجه الأصح للإحاطة بمعنائية الثقافة الاستراتيجية هو أنها ” المجموع الكلي للأفكار والاستجابات العاطفية المشروطة، وأنماط السلوك المعتاد التي اكتسبها أعضاء المجتمع الاستراتيجي القومي عبر التعليم أو التقليد ويشتركون بها جميعا فيما يتصل بالاستراتيجية. في ميدان الاستراتيجية السلوك المعتاد هو غالبا سلوك حس إدراكي ” ( [14] ) فمن خلال هذا التعريف وإن كان يحمل نقائص، إلا أنه إجرائيا يظل هاما من جهة التركيز على: 1 ـ المجموع الكلي للأفكار و 2 ـ الاستجابات العاطفية المشروطة و 3 ـ أنماط السلوك المعتاد ( الحس الإدراكي ).
فالمجموع الكلي للأفكار هو ذلك الوعاء النظري الذي يملأ بالتصورات الاستراتيجية من جهة الإحاطة لمجمل جوانب ” الثقافة ” ومن جهة ” الجانب الاستراتيجي ” من مقاربة أمنية وعسكرية وسياسية، وهي بهذا تعتبر ” محددة الملامح تسلك سلوكا معينا كشركة مهيمنة مالكة لعدد من الثقافات الثانوية العسكرية وأخرى ذات صلة “. ( [15] )
وحيث إن الثقافة هي من المفاهيم الغير المحددة المعالم فإنها تتسع لكل ” الأفكار والطقوس والسلوكات الاجتماعية ” المحددة لجانب اجتماعي ما.
والاستجابات العاطفية المشروطة هي تلك الآثار النفسية التي تحدث للمرء نتيجة وقوفه أمام الوقائعيات الكبرى، وكيفية انفعاله في وجودها، والآمال التي يبنيها على ضوء هذه الوقائع والأفكار التي ترسم معالم مستقبله الاستراتيجي.
أما أنماط السلوك المعتاد فتهم الجانب التعقلي الجمعي لما يجري في المحيط المحلي والإقليمي والعالمي على السواء.
وإذا ما ركزنا على هذا الجانب دون مزيد من التوسع في المضامين فإننا نرى بأن الثقافة الاستراتيجية للمقاومة تظل مسألة محورية، ويجب أن تستجيب للمكونات الثلاث وبشكل متوازي.
فالاقتراب من النسيج الاجتماعي يستلزم تحويل ” المقاومة ” إلى سلوك حياة لا إلى وجود تعيني في مواجهة الكيان الصهيوني وحسب، بل توسيع دائرته لتشمل كل الموجودات العدائية من جهة أنها تهديدات لفلسفة المقاومة من حيث هي كذلك.
هذا من الجهة الأولى أما من الجهة الثانية أن حزب الله يتحرك على ثلاث مستويات بدون استدخال تكاملي، فعلى أساس وضعه الجغرافي العربي يتواصل مع الخط القومي وعلى أساس هويته الإسلامية يتواصل مع الخط الإسلامي، وعلى أساس لبنانيته يتحرك تحت سقف المواطنة، وكل الخطوط تظل منقوصة بنيويا.
لأن الخط القومي يعرف اختلافات إيديولوجية من ماركسية إلى ليبرالية إلى اشتراكية وحجم الفعل التواصلي مهما تعالى بين حزب الله وهذه التمثلات فإنه لن يصل إلى مستوى الاستدماج الاستراتيجي الكامل، بل سيظل دائما ضحية توافقات سياسية.
أما على مستوى الخط الإسلامي فنظرا لهوية حزب الله الإمامية الإثنى عشرية ستظل محدودة بشكل كبير، نظرا للأزمات التأريخية التي عرفتها الفرق الإسلامية مما يجعل من التقاطع لا يتجاوز سنخية التقاطع مع التيار القومي، والأكيد أنه للتضييق على دائرة تأثير حزب الله اللبناني يتم جعل الطائفية مفصلا هوياتيا في استقراء الأولويات.
أما على مستوى المواطنة فالحزب يضطر إلى تنزيل سقف تصوراته لتتوافق ولو مرحليا مع غيره من التمثلات السياسية للحفاظ على جو تعايشي مناسب. ( [16] )
وطبعا هذا ليس موضوع بحثنا الآن وهنا، فالمجهود التواصلي لحزب الله على أهميته يظل ناقصا جدا لأن التقطيع الترابي للعلاقة لن يساعد في تدوير فكر الممانعة والمقاومة في أوسع دائرة ممكنة، وتظل هوية حزب الله المبنائية والتي لا تقبل مراجعة – عن حق – عائقا مبنائيا في رفع مستوى المقاومة والممانعة إلى السقف الوجودي الضروري، فتضحي بيئته الحاضنة هي رأس أولويات الاختراق عند كل القوى العالمية والإقليمية على حد سواء.
مما يدفعنا إلى مقام آخر في الرؤية والإراءة في نفس الآن، وهو كيف يمكن إجراء متغير أساسي في الثقافة الاستراتيجية التي تهندس البيئة الاجتماعية الحاضنة لحزب الله.
فالمقاومة بما هي وجود فكراني وفيزيقي في نفس الآن تظل مدخولة بمجمل التجليات الوجودية المعادية، بمعنى أن الأرضية الاستعدائية ليست بجغرافية مكان بقدر ما هي جغرافية فكر، ولا يتناسب الاستمرار في الوجود المقاوم بدون لعبة تنظيرية تشتغل على أدوات أنطولوجية عالية الجودة تضمن لها ليس فقط تعضيد وجودها وحسب، بل وإثارة تغيرات فكرية في الوجودات الأخرى.
كما أنها تساعد في رسم منظومة فكرية موحدة خارج المائز الإيديولوجي ضمن قاعدة ” تليين المائز وتصليب المشترك العقلاني “. ( [17] )
فدائرة التأثير تخرج من داخل المجتمع الجزئي لتتحرك بفاعلية في داخل المجتمع الكلي، لتساعد في هندسة الفعل الاقتصادي والفعل السياسي والفعل الاجتماعي داخله بالذات، حتى نكون أمام حركة جدلية ولسنا أمام حركة اتجاه واحد من الخارج إلى الداخل وحسب.
طبعا النضال بمجمل أشكاله يمكن أن يساعد في هذه الاستراتيجية لكنه لن يكون هو مضمونها، بقدر ما يكون حاملا لثقافة استراتيجية جديدة تتوافق مع أرضية الحراك التي يناضل داخلها، والأهم من ذلك تتوافق مع خطوات تحصين المجتمع الجزئي من سيولة التأثيرات، ومن هنا حاولنا مقاربة الموضوع بخلفية نسقية ترتفع عن التشخصات الواقعية، كما لو أن مجهودنا رائي إلى منطق القوة بفعالية تقف في وجه الاعتداءات الصلبة والناعمة والذكية على حد سواء.
إلا أن السؤال الأساسي للنسق أي نسق هو سقف ميكانيزمات تفاعله الذاتي ارتكازا على معاملاته الداخلية وفواعله الآمرة، بحيث أن تسلسل عمليات الانفعال نتيجة هذا الحراك تؤدي إلى وقوع تغير أساسي ليس فقط في بنية النسق، بل وأيضا في شاكلته الخارجية.
وحزب الله بما هو تنظيم حامل لفكرة إنسانية ممانعة يقع على نقيض مسار تأريخي يفرض من فواعل خارجية، لا يمكن التعاطي معه إلا كنسق لا كحركة أفكار، لأنه يقف هوياتيا في وجه هذا السير.
فهو يعي جيدا بأنه يعيش في محيط اجتماعي مركب ومعقد العلاقات، إلا أنه وكأي نسق يحافظ على ” المائز ” الذي يحكمه ( [18] ) بتوسط ما يسميه السوسيولوجي الألماني نيكلاس لوهمان بتقنية الإنتاج الذاتي autopoïèse بما هي تراكم تفاعل الوحدات الداخلية فيما بينها إلى درجة خلق شبكة، والتي تستمر في التفاعل فتولد تفاعلات جديدة بشكل لا نهائي وشبكات لا نهائية بدورها، للوقوف في وجه المتحولات الخارجية.
فسقف التشخص الذاتي عند حزب الله هو معامل وجوده في المحيط المعقد الذي يتعايش معه، بمخالطة دون ممازجة.
يقول حزب الله في بيانه الشهير ” حزب الله من هو وماذا يريد ؟ ” بخصوص الكيان الصهيوني الآتي: ” إن تحول حزب الله إلى حركة مقاومة للاحتلال الاسرائيلي لم يكن أمرا عارضا بالنسبة إليه، فطبيعة حزب الله الإيديولوجية التي لا ترى في الكيان الصهيوني أي وجه شرعي ترفع طبيعة التناقض معه إلى درجة التناقض الوجودي. ” ( [19] ) إذا سقف الصراع مع الكيان الصهيوني يرتفع إلى مستوى الوجود، وهذه المسألة نجدها تتكرر في أكثر من بيان وفي أكثر من وثيقة صادرة عن الحزب.
إلا أن الكيان كان دائما يتعامل مع هذا المنظور كتصور عقائدي لن يجد طريقه واقعا ما دامت دائرة القتال عند حزب الله لم تتجاوز مرحلة المشاغلة الميدانية وحسب، إلا أنه وبعد استحكام الردع عنده بشكل أدى إلى قلب الموازين العسكريتارية، انقلب النظر إلى الوجود الحزب اللهي كأنه خطر داهم، لاتساع دائرة هذا الأخير وانتقاله من وجود قتالي صرف إلى وجود معرفي مقاوم لا تضيق به الجغرافيا مجمل الجغرافيا، بل وهذا الأهم إلى تحوله إلى موجود قتالي صلب استطاع بناء ردع أساسي في وجهه.
هو وعي تأريخي تولد لدى حزب الله يتناسل عن وعي حسيني إلى وعي مهدوي، وبهذا الوعي التكاملي لم يعد تصوره محليا بقدر ما تحول إلى قراءة كونية جديدة، تضبط ” أشياء العالم ” وتتحرك على هذا الأساس.
ولهذا أضحى ضروريا استدخال متحول الردع كلازمة رؤيوية في قلب الثقافة الاستراتيجية التي يتأصل عليها.
فمثلا على ضوء ما نوه إليه حزب الله بخصوص الكيان الصهيوني يمكن أن نخرج بمسألتين أساسيتين:
المسألة الأولى: حسن الإحاطة بفلسفة التأريخ الاستشرافي وقراءة المتحولات ضمن هذه الرؤية.
المسألة الثانية: حسن تدبير الاحتكاكات الجيوستراتيجية بالشكل الأمثل لما نراه من ” خاتمية ” للتأريخ خارج الإيديولوجيات المسيطرة.
فالمجهود إيماني صرف يرتفع تصورا عن الواقع لينزل مصداقا إليه بقراءة وفاعلية تكاملية تندك فيه التجارب الإسلامية السابقة، لتعيد رسم معالم العالم باقتدار.
في الحقيقة يصعب كثيرا تعقب معالم استراتيجيا – بالمعنى الضيق للكلمة – حزب الله، لأنه ينتقل بين محاور قتالية وبإبداعات خاصة به لا تظهر جليا إلا في التجارب الجهادية.
فقد كانت الجنبة الدفاعية في القتال هي الصورة الغالبة على الحزب لسبب محوري هو أنه كان دائما يقاتل تحت غائية تحرير الأرض اللبنانية، إلى أن وقع تحول استراتيجي هام جدا وهو دخول التقانة الهجينة في الحروب التي مارسها حزب الله، يعني القرار في الأرض والثبات دون مناورة كر وفر، والتي تم تطبيقها خلال عدوان تموز 2006، حيث تم استحضار الخطاب العلوي بشكل مكثف.
يقول أمير المؤمنين سلام الله عليه ناصحا ابنه محمد بن الحنفية عندما منحه الراية يوم الجمل ” تزول الجبال ولا تزل، عض على ناجدك، أعر لله جمجمتك، تد في الأرض قدمك، أرم بصرك أقصى القوم وغض بصرك واعلم أن النصر من عند الله سبحانه ” ( [20] ) ونفس النصيحة نجد سماحة السيد حسن نصر الله حفظه الله وأيده بنصر من عنده استخدمها خلال مجموعة من الخطب بل وضعها موضع المتحقق فعلا على أرض القتال ففي كلمته المؤرخة في 26 يوليو 2006 على قناة المنار صرح بما يلي: ” و أقبل أقدامكم المنغرسة في الأرض فلا ترتجف ولا تزول من مقامها حتى لو زالت الجبال. يا إخواني يا من أعرتم الله جمامجكم جوابي لكم هو شكر لكم إذ قبلتموني واحدا منكم وأخا لكم ” ( [21] ) وكذلك في نص كلمة سماحته بعد مجزرة قانا المؤرخ في 3 غشت 2006 عندما صرح: ” إنهم يقاتلون رجالا لديهم مستوى من الإيمان الإرادة والشجاعة والإستعداد للتضحية وهذا الذي تحدثت عنه .. الأقدام المنغرسة في الأرض التي لا ترتجف ولا تزول ولو زالت الجبال.. هذا يراه الإسرائيليون في كل مواجهة. ” ( [22] ) بل نجد الإستحضار جاء أتم في كلمته المؤرخة في 9 غشت 2006 عندما صرح ” ولكل مجاهد في المقاومة اليوم، لكل مجاهد ما زال يقاتل ولكل مجاهد متربص ومنتظر لكل الأحياء الأبطال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ولم يبدلوا، ولن يبدلوا أن شاء الله، أقول لهم كلام أميرهم عليه السلام: تد في الأرض قدمك تزول الجبال ولا تزول أعر لله جمجمتك وأنظر إلى أقصى القوم واعلم أن النصر من عند الله سبحانه ” ( [23] ) وهو استحضار هام جدا لأنه يشكل منعطفا في الطريقة القتالية لرجال الله، فحرب الجماعات الصغيرة من كر وفر قد ولت، لتتحول لجماعات قتالية بأعراف جيش نظامي حيث الوتد في الأرض يفيد الاستقرار في القتال ورمي البصر أقصى القوم مع غضه عن ما يزعزع النفس يفيد المواجهة البدنية المستمرة في الزمن القتالي حرب رجل لرجل ومن حارة إلى حارة،
وفي لقاء مع الأستاذ ناصر قنديل في برنامج بين قوسين في ذكرى استشهاد الحاج رضوان ( عماد مغنية )، أوضح بأن المهندس القتالي لحرب تموز سبق له أن وضع معادلة قتالية جديدة تتجاوز المقترب العسكري الذي يدرس في الأكاديميات الحربية، حيث صرح على وجه التقريب بأنه في الأدبيات الحربية تقوم الدولة بتوجيه ضربة نارية قوية تجعل الجيش العدو ينكفئ ثم يبدأ الإنزال الواسع للجيش لاحتلال مواقع ومقاتلة العدو إلى أن ينهزم، والحال أن الحاج رضوان رحمة الله عليه طرح معادلة بسيطة عقلا لكنها دقيقة في ضرب الأدبيات في الصميم، ما الذي سيحدث لو بقي الجيش في نقاط ارتكازه رغم القوة النارية، وهذا بالفعل ما حدث فالجنود الصهاينة واستراتيجييها اعتقدوا بأن القرى الجنوبية سوف تكون خاوية على عروشها على الأقل فيما يتعلق بالمقاتلين، لكنهم اكتشفوا انقلاب المعايير. صحيح أن الطرح الحزبي في القتال امتح من الدرس العلوي في الإستراتيجيا العسكرية، مع فارق بسيط أنه جعلها ممكنة تحت قوة النار، وهذا ليس بغريب عن رجل عرف برجل ” اللا مستحيل “وقد شكل هذا التحول في كيفية القتال منعطفا أساسيا وحاسما قلب مفاهيم الكتابات الحربية رأسا على عقب، حتى بدأ الحديث عن نهج قتالي مختلف وجديد.
فالحديث عن المدرسة العلوية في القتال لم يكن فيض فكر نظري بقدر ما تحول بشيء من العزيمة وبكثير من المثابرة إلى حقيقة تسير على أرض الواقع.
وطبعا الجدة في طريقة القتال هي متولدة من جوهر الإيمان لا من فلسفة المادة القتالية نهائيا، فعلمنا بأن البعد الروحي الجوهراني يفرض على المادة تحولات لم تكن متصورة من قبل، ومن المنطقي أن تكون المقاومة تحولت إلى قيمة عالية في سقف القيم في هذا الزمن المتغول برأسماله ف ” المنجز المقاومي لا يتجلى فحسب في أن قطعة أرض تحررت هنا أو هناك، على عظمة الإنجاز، بل القيمة هي معنوية ورمزية، حيث قيمة القيم في الفعل المقاوم وفي إنجاز المقاومة هو عودة الروح إلى قلوب أماتها مسلسل الإندحارات بالنكسة والهزيمة التي أصبحت جزءا من كياننا، سكنت الوجدان العربي وطال مكثها. ” ( [24] ).
فالبنية الاستراتيجية لحزب الله تقف على أساس إعادة بناء قراءة التراث الجهادي الإسلامي، وحركته القيمية لتجعل منها آلية لتفعيل استراتيجي على أرض الواقع، معتمدة في نفس الآن المستند الفكري المعاصر لتقوم بتبيئة هذه الرؤى.
ومن حيث متحول الردع الذي حققه حزب الله في الحرب الأخيرة أضحى من الضروري البناء على هذا المستجد الأساس، لتحقيق متغير بنيوي في الثقافة الاستراتيجية، بإقحام حالة الردع التي تطورت عبر سنين من الجهاد إلى عمق التصور الكبروي لدى مجتمع المقاومة، كمبصار جيوبوليتيكي ينضاف إلى رزمة المبدئيات التي تم ترسيخها بخطاب إسلامي واعي وقراءة للتحديات عميقة.
فالكثير اعتقد بأنه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي تراجع الزخم الجيوبولتيكي إلى الخلف، تاركا المجال مفتوحا أمام اتساع في الفكر الليبرالي الذي يدك الاختلافات الإثنية والدينية ويتوافق تحت تيمة واحدة وهي ” برادايم السوق ” بوصفه الإطار المعرفي الأكثر تماسكا لتجاوز هكذا مضائق وجودية.
وبالفعل عمدت المؤسسات الدولية والممثلة للمنتظم الدولي على إعادة قراءتها للعالم على ضوء هذا المقترب، مطالبة بتحرير الأسواق وتليين الثقافات المحلية لتتماهى مع الحدث العالمي الجديد.
ليتم استرجاع الكثير من الأطروحات الفلسفية التي تفتقت عن العقل الجرماني، لأنها من جهة أرادت قراءة حركة التأريخ حكميا، أو لأنها رأت التسيد والعبودية دينامية عقلانية داخلية لا تفقد من وهجها الحقوقي إلا لتزداد توهجا في السقف الفلسفي السياسي.
واقعا يصعب استخراج الفارق بين ” الجغرافيا السياسية ” و ” الجيوبوليتك “، لأن المسألة لا تعدو أن تكون ثمرة تصورات فقهاء وباحثين أعلام في هكذا مجال، إلا أنه ولأسباب أكاديميا سليمة تم فرز معنائي لهذين العلمين، فالدكتور عدنان السيد حسين يرى بأن الجيوبولتيك هي فرع عن الجغرافيا السياسية، لأن الثانية هي مطارحة موضوعية لأثر الجغرافيا على الأوضاع السياسية الدولية، في حين أن الأولى تنطلق من معطيات العلم الثاني، لكنها تطمح لما يجب أن تكون عليه الدول، بمعنى أن الجيوبوليتيك هو مدى معرفي استراتيجي يقوم على الجغرافيا السياسية لكن برؤية تغييرية تهدف إلى تحقيق مطامح سياسية للدول. ( [25] )
وكما يقول والتر راسل ميد فإنه بعد صدور كتاب ” نهاية التأريخ والرجل الأخير ” للمفكر فرنسيس فوكوياما، هناك من بنى على أصل النظرية للقول ب ” نهاية الجيوبوليتيك ” ( [26] ) ما دامت الرؤية النهائية هي وحدوية تقوم كما الإيديولوجيا العالمية منهية الصدامات العالمية، وفي نفس الآن قاهرة للمطامح الإقليمية، ذلك أن ” السيطرة على المنظومة – العالم تعني بالتعريف أنه لا يوجد سوى قوة وحيدة في وضع جيوبوليتيكي ( الجغرافيا السياسية ) يسمح لها بفرض شبكة ثابتة من التقسيم الاجتماعي للسلطة ” ( [27] )
إلا أن الواقع أشد تعقيدا ويؤكد على نشوء ما أسماه ميد مع كثير من الوقاحة ب ” محور السوس ” axis of weevils القائم على روسيا الإتحادية والصين الشعبية والجمهورية الإسلامية في إيران، والذي يجري مراجعات بنيوية للخلاصات السياسية التي نتجت عن انهيار الكتلة الشرقية، وبأن هذه القوى وفي ظل تلاحم بنيوي تعمد إلى تعقيد الرؤية إلى العالم، إذ أن الجيوبوليتيك الماقبل نهاية الحرب الباردة عاد وبقوة سواء في ملف أوكرانيا أو بمناسبة حالة الفشل الذريع الذي تكبدته الولايات المتحدة الأمريكية في العراق أو الهيمنة الصينية التي تتعاظم يوما عن يوم، مما جعله يبادر إلى القول بأننا نعيش حالة ” غسق ” تأريخي، لا نهاية التأريخ ولا بمرحلة ما بعد التأريخ كما حاول البعض أن يروجها لتدارك الهنات التصورية الفوكويامية، لأن الصراعات القائمة فعلا هي صراعات متولدة من أنساق فكرية سياسية مختلفة تماما، وليست ضمن لافتة الفكرة الديموقراطية الليبرالية حتى نتحدث سواء عن نهاية التأريخ أو مرحلة ما بعد التأريخ، فالأمر عند ميد أقرب إلى جيوب إيديولوجية مقاومة لا تخلو من قوة أو فعالية تعمل كالسوس على نخر القوة والرؤية الأمريكية على حد سواء، ليصير الحديث عن ” غسق ” التأريخ أولى في الاعتبار مع هكذا واقع.
لكن ما أغفله الدكتور ميد هو أن مجمل البحث الفوكويامي المنوه إليه، كان طرحا جيوبوليتيكيا بامتياز ( [28] ) مع فارق أساس هو أنه طرح جيوبوليتيكي عولمي، لا يعير كبير انتباه إلى الخصوصيات الثقافية وتزاحم الهويات الجهوية، فكان خليطا من الاستشراف الهلوسي لأنه أقرب إلى الإيديولوجية بالمعنى الماركسي، أي الأطر المعرفية المغلقة والمانعة من القبض على الحقيقة، وهو ما حاول تداركه بأسلوب نقدي معبر صامويل هنتغتون في كتاب ” صراع الحضارات “، واستلاب المؤثرات الحضارية الأخرى من الفاعلية كما لو أنها وفقدت دورها نهائيا بالاستتباع، وصار لزاما عليها أن تركب المكوك الأمريكي من جهة أن المغلوب مجبول على تقليد الغالب.
فالمسألة ليست بأكثر من صدام رؤى جيوبوليتيكية وحسب، الطرح الليبرالي رأى بأنه بعد تفكك الاتحاد السوفياتي ودخول مجموعة من الجمهوريات السابقة إلى حلف الشمال الأطلسي صارت مشروعيته أقوى ك ” رؤية جديدة لروح العالم “، في حين أن المكونات الحضارية التأريخية والتي تجر معها عنفوانا متجاوزا للألفية اعتبرت بأنها تعيش مرحلة تأريخية هامة جدا تسمح لها برفع الرأس عاليا، معلنة أنها هنا في العالم، متحولة إلى كينونة في العالم على قاعدة المغالبة والاستحقاق لنيل الاعتراف.
فعودة الجيوبوليتيك إلى حلبة الصراع العالمي فرمل إلى حد كبير الامتداد العولمي بما هو إيديولوجية أعلنت نهاية عصر الإيديولوجيات، وجعلت التأريخ المحلي يعود بقوة أكبر وبمطامح جهوية أفقدت المشروع الدولي صوابه.
ليتحقق اختراق أساسي على مستوى منظومة – العالم كبنية ليبرالية رأسمالية تؤكد على مراجعات حضارية ليست ذات صبغة إيديولوجية بالضرورة، فكل الاختراقات التي أضحت ناجزة تعتمد الخصوصية الحضارية للاعبين الإقليميين في سباق نيل الاعتراف، الذي أرادت له الولايات المتحدة الأمريكية أن ينسد على شرطي ” الليبرالية السياسية ” و ” حرية السوق “، باحثة عن موطئ قدم عولمي مضاد، فإيمانويل فاليرشتاين خلص إلى أن ” خيار الخميني أساسا هو حصيلة تراكم السخط أو فورة الغضب من ويلات منظومة – العالم الحديثة والموجهة بعنف ضد المستفيدين والمحركين الرئيسيين لهذه المنظومة، بلدان المركز الغربي في الاقتصاد – العالم رأسمالي. وهذا يعني أن المقصود هنا إدانة الغرب بما في ذلك وربما حتى قيم الأنوار على الخصوص. ” ( [29] ).
ذلك أنه صار من المعلوم بأن الثقافة الاستراتيجية بما هي مجهود معرفي وسلوكي سيال، لا تقوم على أقانيم معرفية ثابتة بل الأهم أنها تتحرك بعملانية في عمق هذه الأقانيم وتحولها إلى مباني معرفية مرحلية تساعد على تحقيق ثمرتين أساس، الثمرة الأولى أنها تتوافق مع التحديات والتهديدات الخطيرة التي تدخل مجال الخدمة العدائية، والثمرة الثانية أنها ترفع منسوب الوعي الثقافي المقاوم ليتواءم مع هذه التحديات والتهديدات، حتى لا ينقطع خط التواصل والتفاهم بين دوائر صناعة القرار الاستراتيجي داخل حزب الله والبيئة الحاضنة للمقاومة.
صحيح أن الخطوة التي اتخذها الحزب مؤخرا بجعل يوم الرابع عشر من آب عيدا للانتصار بدلا من 25 آيار التي أرخت لخلاصة المجهود المقاوم لتحرير لبنان، تظل خطوة هامة وعميقة في نفس الآن، بحيث تقحم في قلب بيئة المقاومة ولادة جديدة ومعنائية عالية الجودة لأفهوم الانتصار، إلا أنه يجب أن يساوق هكذا سلوك وهكذا منطق منتوجا معرفيا وخطابيا هاما وغزيرا حتى يتم تركيزها في السقف السلوكي الاجتماعي، وتركز في الذهن العام حتى تخالط ميكانيكا صناعة الرأي العام.
فالتحدي الأساسي هو النجاح في إقحام هكذا تصور إلى قلب الثقافة الاستراتيجية المتشكلة في بيئة المقاومة، ليتم الرفع من منسوب التحصين في وجه عداءات أشد بعدا، لكنها لا تخلو من خطورة، فالكيان الصهيوني تحول نتيجة هزائمه الأساس إلى صامولة في الماكينة الاستكبارية ولم يعد الفاعل الأهم فيها، كما لو أنه ترنح إلى الخلف منتظرا فعاليات هجومية جديدة الولايات المتحدة الأمريكية هي من يمسك بخيوطها.
عبد العالي العبدوني
باحث في الشؤون الاستراتيجية
ـ هذه الدراسة هي صورة مصغرة لبحث أكثر اتساعا، فحاولنا عدم التعمق في المدى التفصيلي لمجموعة من الشواهد لأنها لا تتفق وسقف البحث الذي نضعه اليوم بين يدي القارئ، على أننا نعده بمزيد من التفاصيل مع استدخال لكثير من الأدوات المعرفية في البحث الأكبر الذي نحن بصدد إنهائه ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتم ذلك في بحر الخمسة أشهر القادمة.
– Stéphane Roussel : La recherche sur la culture stratégique – quelques pistes de réflexion, Diplomatie, numéro 29 « il devient une variable explicative de plein droit, qui permet directement de rendre compte du comportement des États, voire de prédire leurs décisions futures. Pour d’autres enfin, il s’agit d’un discours qui vise essentiellement à légitimer et à maintenir un ordre social et politique dans lequel l’usage de la force et l’entretien de vastes appareils militaires occupent une place importante. » p 23.
ـ هن أربع أمهات إسرائيليات صهيونيات توصلن برسائل خوف من أبنائهن الذين يخدمون ضمن الجيش الإسرائيلي داخل لبنان، فبدأن بحملة إعلامية واسعة مطالبات بالانسحاب من أرض الرعب، سرعان ما تناسلت معهن حملات احتجاجية واسعة في العمق المدني الإسرائيلي مؤكدين على نفس المطلب.
ـ الشيخ نعيم قاسم: حزب الله المنهج – التجربة – المستقبل، لبنان ومقاومته في الواجهة، دار المحجة البيضاء، الطبعة السابعة سنة 2010، الصفحة 135.
– David Galula : Counterinsurgency warfare – theory and practice, Foreword by John A.
Nagl.Praeger Security InternationalPSI Classics of the Counterinsurgency Era, 2006, “Three main objectives are pursued in this step:
1. To re-establish the counterinsurgent’s authority over the population.
2. To isolate the population as much as possible, by physical means, fromthe guerrillas.
3. To gather the necessary intelligence leading to the next step—elimination
of the insurgent political cells.
This is the most critical step in the process because of its transitionalcharacter, moving from emphasis on military operations to emphasis onpolitical ones, and because it combines a heavy burden of both. The main center of interest switches now to the level of the basic unit ofwork, where the real battle takes place. » p 81.
ـ مسعود أسد اللهي: الإسلاميون في مجتمع تعددي ـ حزب الله في لبنان نموذجا، تر: دلال عباس، صادر عن الدار العربية للعلوم و مركز الاستشارات والبحوث، سنة 2004، الصفحة 126.
ـ يمكن للقارئ الكريم أن يجري مقايسة بين ” جيش لبنان الحر ” الذي نشأ في أواخر السبعينات من القرن المنصرم، وبين ” الجيش السوري الحر ” ليخرج بقاعدة بيانات شبه موحدة، على أن المجهود الإسرائيلي كان دائما رائيا إلى خلق جغرافيات خالية من المقاومة المسلحة على حدوده، وإن بتلوينات إيديولوجية مختلفة تتوافق مع الرؤية العامة عند تأريخ الولادة.
ـ الشيخ نعيم قاسم: ن.م الصفحة 110.
– الجيش اللبناني الجنوبي هو نفسه ” جيش لبنان الحر ” الذي ساهم الكيان الصهيوني خلال فترة الحرب الأهلية بدعمه لوجيستيا، ليكون قلعة تحمي الكيان من شمال فلسطين المحتلة، إلا أنه بعد أن اجتاح لبنان عمد إلى تغيير إسمه كما المهام المنوطة به، وهذه لوحدها تستحق دراسة مستقلة.
– مجمل الأدبيات العسكرية التي تعاطت مع موضوعة مكافحة التمرد المسلح لم تلق بالا لإمكانية تمدد التمرد للمساس بطرفي الصراع العسكري، صحيح أنه قد يتمدد خارج الحدود لكن فقط من جهة تطابق بين المتمردين كالأحزاب الشيوعية، لكن لم يتم تدارس امتداد العمل العسكري إلى الدولة المحاربة إذا كانت طرفا أجنبيا.
ـ هذه الإحصاءات أخذت من كتاب أمين مصطفى المقاومة في لبنان 1948 – 2000 ضمن عنوان حصيلة العمليات من الصفحة 494 إلى غاية 496.
-Frank G Hoffman : Hybrid Warfare and Challenges, JFQ / issue 52, 1st quarter, 2009, « As difficult as compound wars have been, the operational fusion of conventional and irregular capabilities in hybrid conflicts may be even more complicated. Compound wars offered synergy and combinations at the strategic level, but not the complexity, fusion, and simultaneity we anticipate at the operational and even tactical levels in wars where one or both sides is blending and fusing the full range of methods and modes of conflict into the battlespace.” P 36.
-Russell D. Howard : Strategic Culture, JSOU Report 13-8, The JSOU PressMacDill Air Force Base, Florida 2013. “ Strategic Culture is that set of shared beliefs, assumptions, and modes of behavior, derived from common experiences and accepted narratives (both oral and written), that shape collective identity and relationships to other groups, and which determine appropriate ends and means for achieving security objectives.” p 2.
ـ كولن إس غري: بعد الشتات ـ آن أوان الثقافة الاستراتيجية ضمن كتاب مقالات في الثقافة الاستراتيجية، ترجمة هناء خليف غني، الناشر بيت الحكمة سنة 2011، الصفحة 102.
ـ كولن إس غري: ن.م الصفحة 111.
– وهذا يظل ناضحا في الفارق التصوري بين الرسالة المفتوحة إلى المستضعفين والوثيقة الإيديولوجية الأخيرة.
– لمزيد من التوسع بخصوص هذه النقطة بالذات المرجو الرجوع إلى بحث ” المقاومة وتدبير المتوحد ” المنشور بموقع شاهد نيوز.
– Danny Boisvert : Niklas Luhmann : la théorie des systèmes sociaux, « Les systèmes sociaux des sociétés modernes, peu importe leur complexité et leur durée dans le temps (que ce soit l’économie, les systèmes légal, politique ou religieux, les organisations, les groupes sociaux ou les interactions) assurent leur identité et leur autoreproduction (leur autopoïèse) en préservant leur différence par rapport à un environnement complexe » p. 58, Revue Aspects sociologiques, volume 13, no 1, août 2006
ـ ضمن ملحقات كتاب يوسف الأغا: حزب الله التاريخ الإيديولوجي والسياسي ( 1978 – 2008 ) ترجمة نادين نصر الله طبعة دراسات عراقية سنة 2008 الصفحة 420.
ـ من كلام أمير المؤمنين سلام الله عليه لأبنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجمل، في نهج البلاغة جمعه ونسق أبوابه العلامة الشريف الرضي مع شرح وضبط للإمام محمد عبده طبعة مؤسسة المعارف بيروت سنة 1995 أربعة أجزاء في مجلد واحد، الصفحة 115.
ـ عمل جماعي: فجر الإنتصار الحرب العربية الإسرائيلية السادسة الناشر دار الكتاب العربي الطبعة الأولى سنة 2006 الصفحة 270 نص الكلمة منشور ضمن المرفقات.
ـ فجر الإنتصار: الصفحة 273 نص الكلمة بالكامل ضمن المرفقات.
ـ فجر الإنتصار: الصفحة 292 نص الكلمة بالكامل ضمن المرفقات.
ـ إدريس هاني: حزب الله البعد الإستراتيجي، عن مؤسسة التأريخ العربي الصفحة 122.
– لمزيد من التوسع مراجعة كتاب الدكتور عدنان السيد حسين الجغرافيا السياسية والاقتصادية والسكانية للعالم المعاصر صادر عن دار مجد ( المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ) لبنان الطبعة الثانية سنة 1996 ابتداءا من الصفحة 61 وما يليها.
– Walter Russell Mead : the return of geopolitics , the revenge of the revisionist powers, foreign affairs, volume 93 number 3, may/june 2014, p 70.
– عمانوئيل فاليرشتيان: استمرارية التاريخ، تر: عبد الحميد الأتاسي، الناشر دار كنعان، الطبعة الثانية سنة 2003 الصفحة 55.
– Frédérick Douzet, David H. Kaplan: « Geopolitics : la géopolitique dans le monde angloaméricain », Hérodote 2012/3 (n° 146-147), p. 237-252. “Francis Fukuyama (The End of History and the Last Man, 1992), Samuel Huntington (The Clash of Civilizations and the Remaking of World Order, 1996) ou John Mearsheimer (The Tragedy of Great Powers, 2001) élaborèrent chacun un discours géopolitique offrant un nouveau cadre pour comprendre le monde d’après guerre froide.” p 241.
– عمانوئيل فاليرشتيان: ن.م، الصفحتان 49 و 50.