مقالات
واشنطن تصعّد الصراع مع سورية إلى حافة الحرب المباشرة … وسورية تتحدى!
سومر صالح
في التحليل السياسيّ يوجد ثلاثة مستويات أساسية لقراءة الحدث السياسيّ: المستوى الأول هو المستوى الدوليّ (طبيعته ونسقه)، والثاني هو المستوى الإقليميّ أمّا الثالث فهو مستوى الحدث ذاته، سابقاً وحتى العام 2017 كان أيّ تفصيلٍ صغيرٍ على مستوى الحدث السوريّ (ميدانياً وسياسياً)، يُعيد إنتاج الواقع الإقليميّ ويؤثر في البنية الدولية.
ولكن مع التغيرات الحاصلة مؤخرا ًفي طبيعة النسق الدوليّ بفعل الإجراءات العسكرية الصدّامية الأميركية، بدا جليّاً أنّ أيّ تغييرٍ في المستوى الأول (الدولي) بدأ يرخي بظلالٍ عميقةٍ على الحدث السوري، وبدأت العملية التفاعلية الجدلية بين المستويات الثلاث بالانزياح لصالح المستوى الدولّي، وجوهر ما حصل هو قرارٌ أمريكيٌّ بإعادة وضعية النسق الدولي لصالح فرض الأحادية القطبية مجدداً، أو استعادتها بما يحول دون بلوغ أيّ من الصين وروسيا عتبة القطبية، وإطلاق أكبر عملية مواجهة ٍاستراتيجيةٍ مع روسيا الاتحادية (2018)، وتجلّى ذلك بوثائق الأمن القوميّ والعقيدة النووية الأمريكية والمواجهة الاستراتيجية (2018)، فمع صعود روسيا مجدّداً واستخدام القوة العسكرية لتثبت وضعيتها القائمة (سوريا- القرم)، بدأ النسق الدوليّ بالانزياح معززاً بتغيرات في الاقتصاد الدولي، وترافق مع ضعف الناتو عسكرياً، والتغيرات الحاصلة في بنية العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية، ووصل الأمر حدّ الخطوط الحمراء الأميركية مع تغيراتٍ جوهرية حاصلة راهناً في بنية العلاقات الأوروبية الأمريكية كردّ فعلٍ على قدوم ترامب (الشعبوي) ورفع شعار أمريكا أولاً من جهة، وإلغاء الحماية (إجراءات ضد النيوليبرالية)، وإعادة النظر في اتفاقيات الشراكة الاقتصادية مع الحلفاء التقليديين من جهةٍ ثانية، الأمر الذي دفع أوروبا إلى بلورة مبادرة حول التعاون الهيكليّ الدائم (أمنياً ودفاعياً) في أوروبا (البيسكو PESCO) أمام وفي مواجهة الأمركة الأحادية، ترافقت مع البريكست البريطاني (الخروج من الاتحاد الأوروبيّ) من جهةٍ وخلخلة تركيا لنسقية الناتو التاريخية من جهةٍ ثانية، هنا وجدت واشنطن نفسها أمام تحدٍّ مزدوجٍ؛ الأول هو تحديّ روسيا الصاعدة ومن خلفها الصين، والأمر الثاني هو تحدّ أوربيّ ونزعةٍ أوربيةٍ تشكّل تحدٍّ للأمركة مع تزايد الشعبوية الأوروبية أيضاً، فعملت الولايات المتحدة على احتواء الموقف الأوروبي بالتخلي عن «الحمائية» في منتدى دافوس (23/1/2018) والتخلي عن شعار أمريكا أولاً في مؤتمر ميونخ (16/2/2018)، وأطلقت العقيدة النووية الأمريكية الجديدة (2018) في محاولة جرّ شرق أوروبا وروسيا لسباق تسلحٍ أمنيٍّ بما يعيق جهود مبادرة التعاون الهيكلي الأوربي PESCO لصالح بقاء الناتو، وهو صاحب الباع الطويل في الصراع من روسيا، وعمدت إلى التخلي عن معاهدة ستارت3، وإعادة التجديد في العقيدة العسكرية للناتو بشكلٍ صداميّ، وإدخال فرقاطات نووية إلى البلطيق مع توسيع الحلف شرقاً، بما يستفز روسيا ويدفع بها إلى رفع مستوى التهديد ضد أوروبا، وتحديث الثالوث النووي وهو ما حصل فعلا…الخ
هذه المساعي الأميركية لإعادة الأحادية القطبية بما يضمن منع روسيا من بلوغها بعد أن بدا واضحاً أنّ سلوك روسيا في مجلس الأمن قد وصل حدّ العتبة القطبية تطلبت أمرين أساسيين، الأمر الأول هو احتواء تركيا احتواءً شاملاً بما يحقق ثلاث غاياتٍ أميركيةٍ: إفشال المشروع الأوراسيّ الروسيّ وهو نواة القطبية وأداتها الروسية، ثانياً تطويق مبادرة الأمن الهيكليّ الأوربي PESCO ، وثالثاً تقسيم سورية، وقد بات مطلباً أمريكياً لغاياتٍ متعددة، أمّا الأمر الثاني فهو إعادة وضعية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى مرحلة «بعيد» الغزو الأميركي للعراق، أيّ تحديد الشرق الأوسط كمركز الثقل للاستراتيجية الأمريكية، لردع روسيا وعزل إيران وإجهاض المبادرة الصينية «حزام وطريق»، وبالتالي عملية احتواء تركيا باتت شرطاً أمريكياً لازماً وغير كافٍ لاستعادة القطبية بإجهاض الطموحات الروسية، وهو ما قد يدفع واشنطن إلى تقديم الورقة الكردية السورية على مائدة التسوية الأمريكية/التركية، أمرٌ إن تحقق يعني قلب قواعد الصراع في الشرق الأوسط، وبالمناسبة، إرهاصاته بدأت بالظهور، وهو ما بدأت أمريكا بمحاولة التمهيد له بتقسيم شرق الفرات (نظرياً)، إلى منطقتين: الأولى شرق الفرات، والثانية شمال شرق الفرات بما يتناغم مع التصريحات التركية بعبور ما يسمى درع الفرات شرق النهر، ويصبح معه التقسيم مطلباً أمريكياً/ تركيا. من جانبها تركيا بدأت بالتناغم مع المشروع الأمريكيّ بهدف السيطرة على منبج وخروجها من مستنقع عفرين العسكريّ، وبدأت الطموحات التركية (الطائشة) بالتفكير شرق الفرات، ومشروع التقسيم الأمريكي على أسس أثنية، الذي كانت تعارضه تركيا وبدأت بالتناغم معه بعد التلميحات الأمريكية بعبور درع الفرات شرق النهر، وضمن هذه المعطيات على ما يبدو جرى التفاهم الأمريكيّ التركيّ على إقرار وثيقة الآلية المشتركة للعودة إلى مستوى العلاقات الطبيعية بين البلدين بحلول 15 أذار القادم (16/2/2018)، وهو موعدٌ على ما يبدو مرتبطٌ بالانتخابات الروسية للضغط على روسيا. مشروع التقسيم الذي نتكلم عنه لا يمكن فصل أحداثه عن تلك الجارية في الغوطة الشرقية، ومحاولة الولايات المتحدة ربطها بدائرة التنف المحتلة أمريكياً عبر القلمون الشرقي. أحداثٌ تعني أنّ واشنطن قد اختارت المواجهة العسكرية المباشرة مع الدولة السورية، بدايةً من الوكلاء على الأرض وبقايا «داعش» المعاد إنتاجهم في معسكرات الركبان والأردن، دون استبعاد خيار المواجهة العسكرية المباشرة التي ألمحت إليه مندوبة واشنطن في مجلس الأمن «نيكي هيلي» أكثر مرة وأيّدته بريطانيا وفرنسا.
خطوات واجهتها الدولة السورية بثلاث خطواتٍ صدامية جريئة، الأولى: إرسال قواتٍ شعبيةٍ عسكريةٍ إلى عفرين في خطوةٍ تمهيديةٍ لخطوات أخرى بناء على ردّة الفعل التركية، والثانية: قرار الحسم العسكريّ ضدّ «النصرة» الإرهابية وحلفائها في الغوطة الشرقية، والخطوة الثالثة: إعلان سورية ومن على منبر الأمم المتحدة بحق سورية بالمقاومة ضدّ المحتل الأمريكي. يضاف إليها أبعاد إسقاط الطائرة المعادية الصهيونية (10/شباط) بما يعني أنّ كامل المحور جاهزٌ للمواجهة ضد مشروع التقسيم الأمريكي، ضمن هذه المقاربة يصبح من الضرورة على روسيا، حسم الجدل على موقف تركيا حول أستانا وعملية غصن الزيتون العدائية، وإلّا فقد تكون النتائج كارثية على روسيا، وهي مهَمّة الاجتماع الوزاري الثلاثي، لضامني أستانا، آذار المقبل ولقاء الرؤساء الثلاثة في نيسان الذي يليه. يبقى أن نشير أخيراً إلى أنّ كلّ السيناريوهات تبقى مفتوحةً أمام حركة المتغيرات المحيطة بالصراع على الغوطة الشرقية، فيكفي أن نَخْلُص إلى نتيجةٍ مفادها أنّ أمريكا تحاول إعادة إنتاج قوتها «بنظر حلفائها»، انطلاقاً من نتائج الصراع على الغوطة لنصل إلى حجم السوداوية في استقراء القادم من الأيام، ولكن كلّنا ثقةٌ بأنّ الجيش العربي السوري كفيلٌ بردّ العدوان أيّاً كان مصدره سيما أنّ الوجود الاحتلاليّ الأمريكيّ ليس بعيداً عن مرمى نيران الجيش السوريّ الضاربة.