تقدير مواقف
تقدير موقف:حول حقّ النقض الأمريكي على مشروع القرار المصري.
إنّ ما حدث يشبه ما سُمِّي بنظرية “غوبلز” وزير الدعاية الألماني، وهي أن الأميركيين وحلفاءهم ومنهم مصر، قد جعلوا العرب والمسلمين والغرب يعترف بوجود دولة إسرائيل، ولكن الاعتراض كان على موضوعة القدس، إلى أنْ وافق معظم العالم على أن تكون القدس الغربية عاصمة للكيان الصهيوني، لذا عملوا على جرّنا إلى المكان الذي يريدون واعترافنا الضمني بوجود إسرائيل، وهذا ما حصل.
بخصوص مشروع القرار الذي تقدّمت به مصر بين يدي مجلس الأمن، والمرتكز على نقطتين أساسيتين: الأولى، تتعلق باعتبار كل قرار يمسّ بالوضع الديموغرافي أو المقام القانوني لمدينة القدس باطلاً قانونًا ولا يمكن إعتماده، والثانية، رامية إلى انتداب بعثات دبلوماسية لمراقبة الوضع، كان من الطبيعي أن يواجه بحق الاعتراض ” حق النقض – الفيتو ” من طرف الولايات المتحدة الأمريكية لأنه يقع في طول اعترافها بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني “إسرائيل “، وهي نتيجة متوقعة بمجرد صياغة مشروع القرار، لأنه بمراجعة مقتضيات المادة 27 من ميثاق الأمم المتحدة فإن هكذا مشروع يجب أن يحصل على أصوات تسعة أعضاء من ضمنهم الخمسة أعضاء الدائمي العضوية بالموافقة، فهو ليس بمشروع قرار إجرائي حتى يتجاوز عقبة ” حق الاعتراض ” ولا بمشروع قرار يقع تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة.
فالبند الثالث من المادة 27 ينصّ صراحة على أنه “تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافةً بموافقة أصوات تسعة من أعضائه، يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنّه في القرارات المتخذة تطبيقاً لأحكام الفصل السادس والفقرة 3 من المادة 52 يمتنع من كان طرفًا في النزاع عن التصويت. “وعليه كان من المهمّ أن يتمّ تمرير مشروع القرار ضمن مقتضيات الفصل السادس، وذلك بعرض القرار الأمريكي على محكمة العدل الدولية لترتيب آثار عدم مشروعيته، وخصوصاً أنّه يخرق المبدأ الأساس المتعلّق بالمناطق المتنازع عليها، وفي نفس الآن إحراج الولايات المتحدة الأمريكية أمام المنتظم الدولي، كما بين يدي الأكاديميين الأمريكيين أنفسهم.
وبهكذا مسلكية يُمنع على الولايات المتحدة التصويت إعمالاً لمقتضيات نفس البند، ما دام مشروع القرار مرتبطاً بسابقية اعترافها بأنّ القدس عاصمة للكيان الصهيوني.
حيث إنّه بالفعل وبمراجعة مقتضيات المادة 33 من الميثاق – البند الأول منه – نجده ينصّ على ما يلي “يجب على أطراف أيّ نزاع من شأن استمراره أنْ يعرّض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أنْ يلتمسوا حلّه بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أنْ يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها. “فتكون هي طرف نزاع في الموضوع، مع ما يستتبع قرارها من آثار وخيمة على الأمن والسلم العالميين، كما هو منصوص عليه في المادة 34 من الميثاق.
وواقعاً مصر تقدّمت بهذا المشروع وهي تعلم مسبقاً بأنّ حقّ النقض سوف يُمارس ضدّه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، لأنّه يقع تجاوزاً في طول اعترافها هي، وبالتالي المتبادر إلى الذهن على أنّ المشروع جاء ضمن باب رفع العتب واحتواء الاحتقان في الشارع العربي حتى يتمّ امتصاص الحماس والضربات في نفس الآن، وإلا فإنّ التوجّه إلى محكمة العدل الدولية كما حدث في موضوع “الجدار العازل” كان ليُحرج الولايات المتحدة كثيراً ويضعها في موضع محرج تمامًا، ومصر لا تبحث عن مواجهات جبهية معها لما فيه من أضرار كبيرة قد لا تتحمّل تبعاتها، فاختارت اللعب على الحبل القانوني والحركة بين الفصول، حتى تحافظ على هامش للمناورة وحسب.
ويبقى السؤال الأساس: هل نريد مدينة القدس كاملة غير منقوصة أم أنّ الجدل الأساس حول القدس الشرقية؟ لأنّه إنْ كان الجواب القدس كاملة غير منقوصة فهذا يقع خارج دائرة القانون الدولي، ووحدها المقاومة كفيلة بتحقيقه على الأرض ليتحوّز المشروعية مستقبلاً، أما إذا كان الجواب هو أنّنا نريد القدس الشرقية وحسب، فليعلم بأنّ القرار الأمريكي لا أثر له على المنتظم الدولي من أساسه ولا يحتاج الأمر كل
هذه الزوبعة القانونية، بل يجب رفع الهمم لبناء “الوعي الأساس” للأمة الإسلامية بحيويّة القضيّة.
عبد العالي العبدوني
طارق عبود