تقدير مواقف
تقدير موقف: منظومة “حيتس3” عاملاً محدداً لمسار المواجهة الأمريكية-الإيرانية.
اتجه السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، “رون ديرمر”، بزيارة سرية إلى ولاية ألاسكا الأمريكية في 27/07/2019، لإجراء مفاوضات بشأن التعاون الأمني الاستراتيجي بين الدولتين بشأن إيران، ليعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي في اليوم التالي نجاح المنظومة المضادة للصواريخ الباليستية “Arrow-3” ، المطوّرة بالتعاون مع الولايات المتحدة، والتي خضعت لاختبارات حيّة في ولاية ألاسكا الأمريكية، على مدى الأسابيع الأخيرة، في ثلاث اختبارات وصفت بالسرية والخارقة، اعترضت خلالها منظومة “حيتس3 أو Arrow3” الإسرائيلية والمطوّرة بالتعاون مع شركة “بوينغ” الأمريكية، اعترضت صواريخ باليستية خارج الغلاف الجوي للكرة الأرضية بعلو كبير وبسرعة فائقة، وفي هذا السياق، يقدّر مركز الدراسات والابحاث الأنتروستراتيجية النجاح المزعوم للمنظومة الإسرائيلية الأمريكية بالمتغيّر العسكري الاستراتيجي، والذي يؤثر على مسار المواجهة الأمريكية الإيرانية في الشرق الأوسط، حيث ترتكز المواجهة الأمريكية الإيرانية حول الملف النووي بالدرجة الأولى، وذلك بعد الانسحاب الأحادي لواشنطن من ما يعرف بالاتفاق النووي الإيراني، بذريعة خرق طهران لقرار مجلس الامن “2231” بتطويرها للصواريخ البالستية، وامتلاك إيران برنامجاً سرياً نووياً، تسعى من خلاله للحصول على القنبلة النووية.
وقد شكل التحريض الذي مارسته حكومة الكيان الإسرائيلي ضد طهران، السبب الرئيس للخطوات شديدة العدائية من قبل واشنطن، والتي فتحت بموجبها الإدارة الأمريكية باب المواجهة مع إيران على مصراعيه، بسياسة أمريكية خارجية تعتمد على ممارسة الضغوط الاقتصادية الشديدة، بالتزامن مع الدعوة لإعادة المفاوضات حول الملف النووي والصاروخي الإيراني، والذي سبّب توتراً أمنياً كبيراً في الخليج، وشكّل تهديداً لحرية الملاحة في مضيق هرمز، الذي تشرف عليه كل من إيران وسلطنة عمان.
وبالتالي الخطر على الأمن القومي الإسرائيلي الناتج عن البرنامج الصاروخي الإيراني، كان المحرّك الأساسي للتوترات التي تشهدها المنطقة في الوقت الراهن، وقد دفع ذلك الحكومة الإسرائيلية إلى العمل بشكل مكثف على تطوير منظومة دفاع صاروخي، قادرة على تحييد الخطر بشكل كامل، منذ توقيع مجموعة (5+1) الاتفاق مع طهران في عام 2015، وصولاً إلى الإعلان عن نجاح كبير للمنظومة يوم أمس، الأمر الذي يُعدّ عاملاً سيسهم في تغيير مسار المواجهة الأمريكية الإيرانية، بعيداً عن حالة الاستعصاء الحالية.
ما يعني أنّ نجاح الاختبار في حال كان حقيقياً، سيدفع بواشنطن إلى تقسيم المواجهة مع إيران على مرحلتين زمنيتين، الأولى تمتد حتى عام 2020 وستعمل فيها واشنطن على تخفيض سقف تفاوضها المطروح مع طهران، لتبتعد عن الملف الصاروخي كونه لم يعد يشكل تهديداً حقيقياً للأمن القومي الإسرائيلي، وتعمل بالمقابل على زيادة المخاوف السعودية من البرنامج الإيراني، وحثها على زيادة تنسيق التعاون الأمني والعسكري مع الحكومة الإسرائيلية نحو مستويات غير مسبوقة، سعياً إلى الحصول على المنظومة الإسرائيلية الأمريكية الجديدة “حيتس3″، والابتعاد عن المنظومة الروسية “إس400″، وستتسم هذه المرحلة بجدية الدعوة الأمريكية نحو التفاوض، والخطوات المهمة والكبيرة التي ستنجزها واشنطن لتدفع طهران نحو إعادة إطلاق المفاوضات، أما المرحلة الثانية فستبدأ بعد الانتخابات الأمريكية المقبلة، وستتسم بالسعي المباشر نحو افتعال صدام عسكري مدمر مع إيران، بعد تثبيت الوضع السياسي الداخلي في كل من الكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية، وضمان القدرة على تحييد الخطر الصاروخي الإيراني في الحرب، بالتزامن مع تقليص الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط وأفغانستان، وزيادة تعداد القوات العسكرية الحليفة لواشنطن في المنطقة، من خلال مشروع تشكيل القوة البحرية المشتركة لحماية حرية الملاحة في مضيق هرمز، وزيادة عدد القوات الأوروبية في سورية لملئ الفراغ الأمريكي.
في المحصلة يجب على الادعاءات الإسرائيلية والأمريكية، في حال صحت فعلاً، أن تنعكس بشكل مباشر على السياسة الخارجية لكلا الدولتين، ومبادرتهما الإقليمية، ما يترك أمام طهران خيارات إقليمية جديدة، تمكنها من المناورة، لتجنّب الوقوع في مأزق الاختيار الثنائي، الحرب الشاملة أو السلم الكامل مع الولايات المتحدة الأمريكية.