تقدير مواقف
ممكنات الإشتباك وضوابطه بين “حزب الله” و “الولايات المتحدة الأمريكية”.
تقدير استراتيجي
ممكنات الإشتباك وضوابطه
بين “حزب الله” و “الولايات المتحدة الأمريكية”
فهرست
أ. أميركا في لبنان: أكثر من مساعدات وأقل من قواعد رسمية 7
ب. محددات انخراط الولايات المتحدة ضد “حزب الله” 8
ثانيًا: المحددات السياسية والاقتصادية 10
ج. محددات توسيع حزب الله الحرب في تداعيات طوفان الأقصى 11
ثانيًا: المحددات السياسية والاقتصادية 13
د. موقف إيران من الحرب الإقليمية ومحددات موقفها 14
ه. العراق كساحة حرب محتملة 17
ما يبدو عقلانيًا في التحليل قد لا يكون بالضرورة واقعيًا، |
مقدمة
بدايةً، الحسابات الحاكمة تعطي نتاج تفاضلي نحو توسع الحرب من عدمها.
تحمل المواجهة المحتملة بين واشنطن من جهة وحزب الله وحلفائه من جهة أخرى، مستويات عالية من الخطورة، و الغموض في إمكانية تحقيق الأهداف المرجوّة، إضافة إلى احتساب الكلفة العالية، والثمن الكبير الذي ستدفعه الأطراف في الحرب المحتملة.
إنّ ميزة حزب الله وحلفاءه من المنظمات غير الدولتية، أنّها لا تمتلك قواعد ثابتة ومرئية، وثكنات عسكرية تعد هدفًا سهلًا للطائرات والبوارج الحربية الأميركية، ولكنها أيضًا تعاني، من نقاط ضعف، وهي استغلال الخصوم بيئتها للضغط عليها من خلال قصف البنية التحتية المدنية في لبنان وتدميرها، إضافة إلى تدمير المباني السكنية والإدارات والمؤسسات المختلفة، وتهجير أكثر من مليوني مواطن إلى خارج المناطق التي من الممكن أن تكون ساحة إستهداف للأميركيين، لذلك منطقيًا وبناء على التحليل المرفق بالتقدير ليس من مصلحة كل من الولايات المتحدة أو إيران التصعيد الشامل في المنطقة، وهذا الأمر ينطبق جزئيًا فقط على حزب الله في الإقليم، ولكن بناءً على الانتشار الأميركي الكثيف في المنطقة، وطبيعة الدور الأميركي القادم فيه، وما يحمله من أجندات فوق إقليمية، فقواعد الإشتباك القديمة المعمول فيها لم تعد صالحة لجميع الأطراف، وهو ما يُنبأ بجولة محدودة من الإشتباك تبنى على نتائجها قواعد الإشتباك الجديدة، سيما في شرق المتوسط، وإذا كانت القواعد التقليدية لعقود مضت بنيت على قواعد إشتباك بين أطراف المقاومة والكيان الإسرائيلي، فالقواعد الجديدة ينبغي أن تشمل الولايات المتحدة ذاتها، ومع صعوبة ومخاطر والكلف العالية لأن يكون لبنان أو إيران ساحة بناء قواعد الإشتباك، تتجه الأنظار نحو سورية والعراق كساحة حرب محتملة، ومع انتقال اليمن نحو منع السفن ذات الصلة المباشرة مع الكيان الإسرائيلي، دخلت المنطقة بمستوى من الصراع يفوق بطبيعته طوفان الأقصى ولو كان من تداعياته، فالحروب بالإنابة قد لا تكون ذات نتائج فعالة في المستقبل، وتدخل المنطقة حروب (الدول).
وهنا ينبغي تسجيل متغيرين مهمين في المنطقة:
- المتغير الأول: التهديد النوويّ الإسرائيليّ والذي قد يدفع نحو سباق تسلح نووي على إثر تفاقم المعضلة الأمنية بين الكيان الإسرائيلي وإيران.
- المتغير الثاني: الإغلاق الجزئي ّللبحر الأحمر، وهو ما سيدفع أساطيل الغرب لباب المندب وفي أجنداتها مواجهة النفوذ الصيني في القرن الإفريقي.
أمّا ما يلاحظ راهناً هو محاولة كلّ طرف جرّ الطرف الآخر إلى ميدان معركة يتميز فيها بتفوق نسبي.
ملخص تنفيذي
- الانخراط المحدود لحزب الله في مواجهة العدو الإسرائيلي يهدف إلى تثبيت نفسه كمفاوض رئيس على ملفات المنطقة سيما شرق المتوسط، ومع محاولة أميركا والكيان الإسرائيلي إزاحة حركة حماس كليًا عن ملف التفاوض شرق المتوسط يمثل وجود حزب الله في عملية التفاوض ويعطي دافعًا قويًا في عملية التفاوض للحفاظ على إنتصار حماس من جهة وتثبيت حقوق لبنان شرق المتوسط.
- تمثل انتخابات العام 2024 حدثًا ضاغطًا على الإدارة الأميركية في قرار التصعيد، مع اتجاه الرأي العام الأمريكي لرفض أي حرب عبثية مقبلة، دون إغفال القلق من أزمة إقتصادية وطاقوية عالمية إذا اندلعت المواجهة.
- بالنظر إلى استراتيجية إيران الإقليمية طويلة المدى، يتبين أنه على الرغم من كل الخطابات المناهضة للكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة، فإن إيران حذرة من عدم مواجهة هذه الدول بشكل مباشر، لدرجة أنه عندما تم اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، الذي تحول إلى بطل قومي لإيران، في بغداد أوائل عام 2020 في عملية أمريكية، أبقت طهران على رد فعلها العملي مقيّداً للغاية، والخيار هو الاتجاه نحو تعبئة الحلفاء الإقليميين، وخاصة حزب الله، هو احتمال جدي، وفي حالة وقوع هجوم بري واسع ونهائي على غزة، فإن رد فعل الحلفاء، وخاصة حزب الله، يمكن تفسيره على أنه استعداد لصراع إقليمي واسع.
- دخول الولايات المتحدة وكل حلفائها في حرب استنزافية طويلة سيؤدي إلى انقسامات على الساحة الغربية، وفرصة لخصوم الولايات المتحدة للدخول في المنطقة.
- عدم إغفال طبيعة العلاقة المعقدة والغامضة بين إيران وقادة حركة حماس، فرغم الانخراط في جبهة واحدة معادية لإسرائيل لكن دائمًا ما سعت حركة حماس إلى إظهار فوراق في العلاقة مع إيران، تجعلها متمايزة عنها لا مندمجة فيها، وهذا الأمر له حساباته الإقليمية وربما الأيديولوجية.
- بالنظر للنجاحات التراكمية لحلفاء إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين، فضلًا عن تهيئة الظروف لعملية معقدة مثل طوفان الأقصى، لن تغامر إيران بعمل عسكري قد يضيع هذه النجاحات التراكمية.
- مسألة تحصين الشرايين الناقلة للطاقة الخليجية نحو أوروبا تعد محددًا لمدى انخراط الولايات المتحدة في الحرب.
- لا تعد الجبهة الراهنة مؤاتية لحزب الله لعمل عسكري واسع النطاق، ومع ذلك يمتلك الحزب مقومات ردع بحرية تمنع الولايات المتحدة من المغامرة غير محسومة النتائج.
توطئة
شكّل هجوم الحادي عشر من أيلول 2001 على مركز التجارة العالمي، حدثًا مبدّلًا في انخراط الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، ما مهّد لاجتياح بلدين كبيرين وتدميرهما، (أفغانستان 2001 والعراق 2003) وكان لهذا الدخول عواقبه ومترتباته وأثمانه على الطرفين الأميركي وعلى شعوب المنطقة، راهنًا يمثل طوفان الأقصى حدثا مبدلًا آخرًا مشابهًا في السياق والنتائج، وليس في الشكل والمضمون والأهداف وهو ما يحاول الأميركي ترويجه عمدًا.
تاريخيًا، مر الصراع بين حزب الله والولايات المتحدة بمراحل ثلاث:
المرحلة الأولى ابتدأت مع المواجهة المباشرة في لبنان مع دخول المارينز الأميركي بيروت، وخروجهم منها بعد قتل المئات منهم بتفجيري السفارة ومقر المارينز (1983).
المرحلة الثانية من الصراع الكبير والطويل بين الطرفين كان مع وصول القوات الأميركية إلى بغداد في التاسع من نيسان 2003، فأصبح العالم يشهد، منذ ذلك اليوم الربيعي، مواجهة مباشرة بين أقوى جيش في العالم، جيش الإمبراطورية الأميركية، وبين منظمات لا دولتية ممثّلة بحركات المقاومة في المنطقة، في خطاب لأمين عام حزب الله في أيار من العام 2003 بعد شهر على وصول القوات الأميركية إلى بغداد، وإسقاط النظام فيها، قال السيد حسن نصر الله في المؤتمر القومي العربي الإسلامي في فندق الكومودور في بيروت: “لقد أتى الأميركيون بأرجلهم إلى المنطقة، وهذه فرصة تاريخية للمواجهة المباشرة مع الأصيل، بدلًا من المواجهة مع الوكيل”، منذ تلك اللحظة فُتح الصراع بين محور المقاومة وبين الأميركيين. الذي انتهى بهزيمة الجيش الأميركي مرحليًا، وخروجه مهزومًا من العراق، ومن ثم من أفغانستان، من دون تحقيق نتائج سياسية ملموسة، ولكنّ الصراع لم ينتهِ، وتخلل تلك الفترة الممتدة من 2003 إلى 2011 حروب بين الطرفين، ولو كانت غير معلنة. أهمها حرب تموز 2006 على لبنان، وفيها اتُخذ قرار تصفية المقاومة في لبنان، وكانت حربًا أميركيةً بامتياز، أهدافًا وأدواتًا وتسليحًا، وتغطيةً سياسيةً على مستوى المؤسسات الدولية. لكنّ الهدف الأميركي لم يتحقق، وانتصرت المقاومة في لبنان.
المرحلة الثالثة من الصراع في المعركة في سوريا والعراق واليمن ولبنان، عبر وكلاء واشنطن، وكانت حربًا ذات كلف عالية على محور المقاومة، وانتهت بانتصار المحور عبر منع تحقيق الأهداف السياسية للأميركيين، الذين ردّوا بحصار قاسٍ على الدولة السورية، وعلى أنصار الله في اليمن، وعقوبات غير مسبوقة على إيران، وعلى المقاومة في لبنان، وعبر احتلال الأميركيين أجزاء من سوريا، والجلوس على منابع النفط في البادية السورية.
المرحلة الرابعة من هذا الصراع يعيشه العالم اليوم، وفيه يحاذر الطرفان الدخول السريع في المواجهة، نظرًا للكلف الكبيرة التي سيدفعها الطرفان في حرب تمتد على مساحات جغرافية كبيرة في غرب آسيا، ومن المحتمل اشتراك دول مختلفة في هذه الحرب، ونظرًا إلى وجود نوع من توازن القوة غير المتماثل بين الطرفين.
بشكل عام:
تنتشر القوات الأمريكية في منطقة غرب أسيا منذ الحرب الباردة، وتغيرت أهداف هذا الانتشار بحسب الظروف الدولية والإقليمية، والقاسم المشترك بين الأسباب الموضوعية لهذا الإنتشار، هو الصراع بين القوة القارية والقوة البحرية لحماية مصالحها بشكل دائم.
راهنًا، تتمثل مصالح الولايات المتحدة الأمريكية اليوم في غرب آسيا بالآتي:
أولاً: إستمرار السيطرة على المنافذ البحرية وتجارة النفط بالدولار.
ثانيًا: كبح التوسع الصيني الذي يمثل تهديد لإقتصادات الدول الصناعية بالإشتراك مع أمريكا وذلك عبر وضع عراقيل بوجه طريق الحرير البري عبر إنتشارها العسكري المستحدث في العراق وسوريا، أما الطريق البحري بالسيطرة على المنافذ البحرية.
ثالثًا: العلاقة الوطيدة بين أمريكا والكيان الإسرائيلي التي تعتبره أمريكا قاعدة عسكرية ولوجستية متقدمة لها في غرب أسيا وظهير لعمق انتشار القوات الأمريكية في المنطقة، وآخر تطورات هذه العلاقة هو القاعدة (512) الأميركية في صحراء النقب.
رابعاً: ترتبط الولايات المتحدة الأمريكية بعلاقات متأرجحة مع العديد من دول المنطقة ومن بينها أكبر الدول العربية كالسعودية ومصر عبر الهيمنة وربط مصالح بعض حكام دول الخليج ومستقبلهم بالحماية الأمريكية ومن دون الانتشار العسكري الأمريكي في غرب أسيا والبحر الأحمر، يمكن لهذه الدول التفلت من الهيمنة الأمريكية والبحث عن شراكاتٍ أمنيةٍ جديدةٍ سيما روسيا والصين.
بعد قيام حماس بعملية طوفان الأقصى بتاريخ 7 تشرين الأول والتي كانت نتائجها كارثية على الكيان الإسرائيلي مع سقوط نظرية الأمن لدى هذا الكيان بكاملها، بدأ بهجوم معاكس لترميمها، وهو يبحث عن نصر حاسم، على أثر ذلك دخلت المقاومة الإسلامية اللبنانية المعركة من جبهة الشمال في 8 تشرين الأول بمشاغلة القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان لمنع الاستفراد بحركة حماس، ومعه بدأت القوات الأمريكية إرسال قطعها البحرية وحاملات طائراتها إلى البحر المتوسط وبعض قواتها الخاصة لحماية إسرائيل من الإنهيار، سيما مع إمكانية فتح جبهتين معًا في الجنوب والشمال (غزة وجنوب لبنان)، من هنا بدأت التهديدات الإسرائيلية والأمريكية للمقاومة الإسلامية اللبنانية لردعها عن دخول الحرب وهو أمر لم يتحقق مع توسع المقاومة اللبنانية في عملياتها بحسب حاجة المقاومة في غزة وحسب ظروف الجبهة، ومع ذلك كانت الولايات المتحدة الأمريكية تسعى دائمًا للتهدئة على الجبهة اللبنانية وتردع الإسرائيلي من الرد وذلك لوجود محددات لتدخلها ضد حزب الله .
يتضمن التقدير المحاور الآتية:
- أميركا في لبنان.
- محددات انخراط الولايات المتحدة ضد حزب الله.
- محددات توسيع حزب الله الحرب في تداعيات طوفان الأقصى.
- موقف إيران من الحرب الإقليمية ومحددات موقفها.
- العراق كساحة حرب محتملة.
أ. أميركا في لبنان: أكثر من مساعدات وأقل من قواعد رسمية
لدى الجيش الأميركي تاريخ طويل ومتقلب من المشاركة في لبنان، بما في ذلك تدخل قوات مشاة البحرية الأميركية في العام 1958 لمنع حدوث تمرد هناك؛ وفي العام 1983، تدخلت خلال الحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا، وأدت تفجيرات السفارة الأمريكية وثكنات مشاة البحرية الأمريكية في بيروت آنذاك إلى مقتل أكثر من 300 شخص، وتلقي الولايات المتحدة بالمسؤولية على حزب الله في كلا الهجومين.
وهنا لابد من الإشارة إلى معطيات لا يمكن تجاوزها في علاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع لبنان:
- تتمتع الولايات المتحدة بعلاقة طويلة الأمد مع القوات المسلحة اللبنانية، وقدمت أكثر من 3 مليارات دولار كمساعدات عسكرية منذ العام 2006.
- قدمت الولايات المتحدة 130 مركبة برية مدرعة وتكتيكية، ومنذ العام 2016 إلى عام 2021، سمحت أيضًا بتصدير ما يزيد عن 82 مليون دولار من المعدات العسكرية الأمريكية إلى لبنان، بما في ذلك 12 مليون دولار من “الأسلحة النارية والمواد ذات الصلة”.
- تلقى أكثر من 6000 فرد من الجيش اللبناني تدريبًا في الولايات المتحدة منذ عام 1970.
- وجود عسكري وأجندات مخفية وفق البرنامج 127 السري، ففي رسالة “صلاحيات الحرب” التي بعث بها إلى الكونغرس في حزيران/يونيو 2023، أشار الرئيس جو بايدن إلى ما يقارب من 89 عسكريًا أميركيًا منتشرون في لبنان لتعزيز قدرات الحكومة على مكافحة الإرهاب ودعم عمليات مكافحة الإرهاب التي تقوم بها قوات الأمن اللبنانية”، وبموجب تفويض السلطة 127 E، قامت الولايات المتحدة بتدريب وتسليح وتوجيه وحدة النخبة المعروفة باسم القوة الضاربة G2، ويعد برنامج 127 Eفي لبنان واحدًا من 20 برنامجًا تم تشغيلها حتى عام 2019، والبرنامج السري في لبنان يحمل الاسم الرمزي (Lion Hunter)، هذا وتشير برامج (127(E، والمعروفة أيضًا باسم برامج 127 Echo، إلى عدد من عمليات مكافحة الإرهاب التي تقودها قوات العمليات الخاصة الأمريكية بموجب السلطة القانونية للقسم 127E من الباب 10 من قانون الولايات المتحدة. ووفقًا لموقع (The Intercept)، أجرى الجيش الأمريكي ما لا يقل عن 23 عملية مختلفة بموجب سلطة 127 Eبين عامي 2017 و2020، بتكلفة لا تقل عن 310 ملايين دولار.
- تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ سياسي كبير في لبنان من خلال فريق سياسي تدعمه منذ العام 2006 (فريق 14 شباط).
ب. محددات انخراط الولايات المتحدة ضد “حزب الله”
- بداية الحسابات الحاكمة تعطي نتاج تفاضلي نحو توسع الحرب من عدمها.
- تحمل المواجهة المحتملة بين واشنطن من جهة وحزب الله وحلفائه من جهة أخرى، مستويات عالية من الخطورة، ومن الغموض في إمكانية تحقيق الأهداف المرجوّة، إضافة إلى احتساب الكلفة العالية، والثمن الكبير الذي ستدفعه الأطراف في الحرب المحتملة.
- إنّ ميزة حزب الله وحلفاءه من المنظمات غير الدولتية، أنّها لا تمتلك قواعد ثابتة ومرئية، وثكنات عسكرية لتكون هدفًا سهلًا للطائرات والقطع البحرية الأميركية، ولكنها أيضًا تعاني من نقاط ضعف، وهي استغلال الخصوم للضغط عليها من خلال قصف البنية التحتية المدنية في لبنان وتدميرها، إضافة إلى تدمير المباني السكنية والإدارات والمؤسسات المختلفة، وتهجير أكثر من مليوني مواطن إلى خارج المناطق التي من الممكن أن تكون ساحة إستهداف للأميركيين.
حتى الآن كانت الولايات المتحدة الأمريكية تسعى للتهدئة على الجبهة اللبنانية وتردع الإسرائيلي من الرد المثير للحرب، وذلك لوجود محددات لتدخلها ضد حزب الله .
أولا: المحددات العسكرية
- قوة الردع العسكرية المعلن عنها عند حزب الله ومنها الصواريخ الدقيقة والمسيرات الإنقضاضية التي تطال القواعد العسكرية الإحتلالية في سوريا والعراق، وكذلك الأمر حاملات الطائرات والقطع البحرية المقاتلة الأمريكية في البحر المتوسط، وهذا التهديد بحال حصوله قد يؤدي إلى تدمير كبير في القوة البحرية الأمريكية، مع العلم أن وجود الأسطول الروسي هو تهديد بحد ذاته كقوة مساندة للمقاومة في إعطاء الخبرات التقنية لهذه المعركة، كذلك وجود قوة مشاة لحزب الله خارج لبنان يمكن أن تحقق التماس مع القوات الأمريكية في أي وقت والاشتباك معها.
- الصواريخ الأرض بحر والبحر بحر قادرة على ردع القوات الأمريكية المتواجدة في البحر المتوسط فبحسب ما أعلنته رويترز في 9 تشرين الثاني عن وكالة الاستخبارات الأمريكية عن امتلاك حزب الله لصواريخ نور البحرية ذات المدى 220 كلم وهي صواريخ كروز معدلة إيرانيًا، وصواريخ نصر وهو صاروخ شبحي بحري ذات المدى 300 كلم يضرب أهداف ذات وزن 3000 طن بسرعة 0،8 ماغ، وصاروخ ياخونت الروسي المجنح المضاد للسفن ذات مدى 300 كلم بسرعة 2 ماغ مزود بتقنية عالية يجعله غير مرئي من الرادارات، الزوارق السريعة الإيرانية الصنع التي تعرف إمكانياتها البحرية الأميركة جيدًا في الخليج العربي، والغواصات الإيرانية الصنع (غدير) التي تستطيع ضرب السفن بطوربينات حديثة، مع تمرير معلومات عبر قناة المنار التلفازية عن وجود قوة بحرية للمقاومة الإسلامية بعد خطاب السيد عن الإعداد للقوات البحرية الأمريكية.
- دخول المقاومة الإسلامية في العراق على خط الإشتباك مع ضرب القواعد الأمريكية في العراق وسوريا وهذا التهديد سيتوسع إلى إزالة القواعد الأمريكية من العراق وسوريا سريعًا في حال دخلت أمريكا الحرب ضد حزب الله لفتح المعابر البرية العراقية باتجاه سوريا ومن ثم لبنان في حال تدحرج المعركة إلى معركة العبور بعد المشاغلة التي تحصل اليوم.
- دخول اليمن على خط الصراع الذي يؤدي إلى حساب دقيق عند الأمريكيين لحرية الملاحة البحرية في باب المندب والمحيط الهندي مع امتلاك حركة أنصار الله _ الحوثيين منظومة الصواريخ الإيرانية المضادة للسفن، وهذا السيناريو فهمه الأمريكي جيدًا من خلال المناورة الحية التي قادها محور المقاومة بالتوازي مع معركة غزة من الجبهات المتعددة.
- التهديد الإيراني الرادع مع تجربة الأمريكي لهذه القوة بعد ضرب قاعدة عين الأسد في العراق، مما يعني أن كافة القواعد الأمريكية في غرب آسيا هي تحت النيران الإيرانية عمليًا.
- قدرة التدخل الأمريكي البري لحسم أي صراع في المنطقة ضعيفة مع انتشار القوات الأمريكية في أوروبا وأستراليا.
- الانتشار الكبير، والتمدّد الزائد للقواعد العسكرية في معظم بلدان المنطقة، وهي قواعد ثابتة ومكشوفة، وتشكّل أهدافا سهلة للخصوم.
- معرفة الأمريكي جيدًا أن الحرب بحال تدحرجت إلى معركة شاملة ستكون نتائجها تدمير الكيان الصهيوني وما يتبعها من تحولات جوهرية في جيوسياسة منطقة غرب آسيا وتدهور النفوذ الأمريكي في المنطقة لصالح عدوتها الصين.
- مخزون الذخيرة الإستراتيجي الأمريكي الموجود في الكيان الإسرائيلي كان قد وصل النصف بعد المساعدات التي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية لأوكرانيا في حربها الدائرة مع روسيا الاتحادية.
ثانيًا: المحددات السياسية والاقتصادية
- إن دخول حزب الله الحرب بمنطق الحرب المفتوحة بالتأكيد سيؤدي إلى خسائر كبيرة لكافة الأطراف إلا أنه سيؤدي في النهاية إلى دخول حزب الله مباشرة على خط التفاوض وهذا سينعكس على نتائج المفاوضات، وما يأمل به الأمريكي بعد إنتهاء الحرب في غزة بعد تيقنه عدم قدرة القضاء على أحد هو إزاحة حركة حماس عن حكم غزة لضمان مرور قناة بن غوريون في وادي غزة، وذلك عبر الاستفراد بالتفاوض مع حركة حماس وجناحها السياسي الخارجي وقدرته المحدودة على المناورة، أما مع وجود حزب الله في عملية التفاوض يعطي دافعًا قويًا في عملية التفاوض للحفاض على إنتصار حركة حماس.
- الخطر الداهم على الأنظمة العربية المتحالفة مع أمريكا من قبل شعوبها بالتزامن مع دخول الحرب حالة التوسعة بقيادة محور المقاومة ويعني ذلك خسارة كبيرة للأمريكيين مع إنهيار المصالح الأمريكية في كل منطقة غرب آسيا بالتدحرج الزمني.
- ضياع الجهود الأمريكية المستمرة منذ زمن لشيطنة حزب الله في نظر العالم وبالأخص لدى الشعوب العربية ذات الغالبية السنية المتحالفة مع الأمريكي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة التي تسعى من خلالها إلى خوض غمار الحرب بالوكالة مع قوة محور المقاومة عبر الاقتتال السني الشيعي وهذا ما شهدناه في كافة الحروب التي تم خوضها في المنطقة من العراق إلى سوريا إلى اليمن وإيران ولبنان.
- دخول الولايات المتحدة وكل حلفائها في حرب استنزافية طويلة سيؤدي إلى إنقسامات على الساحة الأوروبية وغيرها من الدول الحليفة حول طبيعة الحرب ونتائجها وعلاقتها بالحرب الأوكرانية.
- المخاطرة الأمريكية في إنتشارها السياسي والعسكري في منطقة غرب آسيا سيؤدي إلى إتاحة الفرصة لدول المنطقة إلى مزيد من الشراكة مع خصوم أمريكا في العالم وهذا سيمس بالأمن القومي الأمريكي مع الدول الصناعية التي تدور في فلك أمريكا في العالم.
- تهديد الشركات الأمريكية في البحر المتوسط ومصالح تلك الشركات المنتجة للغاز في الكيان الصهيوني وهذا ما سيؤثر على نتائج الانتخابات الأمريكية في ظل الأزمة الاقتصادية الأمريكية.
- تعطيل سلاسل التوريد للطاقة في المنطقة، هذا إذا استثنينا قصف منابع النفط والغاز في غرب آسيا، ما سيدفع أسعار الطاقة إلى مستويات خيالية، لا تتحملها واشنطن أو الغرب، والحزب الديمقراطي على أبواب انتخابات العام 2024.
- الرأي العام الأمريكي الرافض لأي حرب عبثية مقبلة وهو أمر حاسم في انتخابات أميركا 2024.
ومن جهة أخرى فتحصين الشرايين الناقلة للطاقة الخليجية نحو أوربا تعد محددا لمدى انخراط الولايات المتحدة في الحرب.
ج. محددات توسيع حزب الله الحرب في تداعيات طوفان الأقصى
ما إن لاحت معركة طوفان الأقصى في أفق غزة حتى كان حزب الله أول المتجاوبين على نغمة هذه المعركة، فبعد 24 ساعة من بدايتها بدأ بعملياته العسكرية لمساندة غزة في معركتها ضد العدو الصهيوني، واستخدم عدة خطوط جهد لهذه المساندة منها خط الجهد الدبلوماسي وخط الجهد الإعلامي وخط جهد الحرب النفسية والإلكترونية بالإضافة إلى خط الجهد الأساسي وهو العسكري، وبدأ بتصعيد هذا الخط يوميًا مع الوقت، ولكن الجمهور العربي وجمهور المقاومة كان متحمسًا لتوسيع رقعة الاشتباك إلى معركة العبور، فأتى قرار قيادة الحزب متماشيًا مع الواقعية وليس حسب ما يطلبه المستمعون لأنه يوجد محددات تحول دون الدخول في حرب كبرى تؤدي إلى تحرير القدس، وهذا ما صرح به الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أقتبس نحن: “لا زلنا غير جاهزين لنهزم إسرائيل بالضربة القاضية“، فما هي هذه المحددات؟
يوجد محددات عسكرية، ومحددات سياسية إقتصادية نعرضها على الشكل الآتي :
أولًا: المحددات العسكرية
- فقدان عنصر المباغتة في هذه الحرب، فما إن حصلت عملية طوفان الأقصى حتى بدأ العدو باستدعاء الاحتياط وتحشيد قواته على الحدود مع لبنان وسوريا، وهي تتقاطع مع الجبهة اللبنانية بقيادة واحدة أي المنطقة الشمالية، فقد حشدت إسرائيل عديد الفرقة 36 وعديد الفرقة 91 بغضون الـ 24 قبل أن يجهز حزب الله نفسه لهذه المساندة، وخلال 72 ساعة حشدت أربع فرق مدرعة من فرق الاحتياط على طول الجبهة وهذا يفقد موضوعية العمل العسكري الموسع أي العبور في تلك المنطقة، مع أخذنا معامل الإحباط في القوة المقابلة ولكنها من الممكن أن تؤدي إلى الإستبسال في هكذا حالات كون المعركة المنوه عنها هي حرب وجودية لإسرائيل وليس معركة نقاط.
- عرض الجبهة لا يقل عن 90 كلم، يتطلب على حسابات القوة غير المتماثلة 15 ألف عسكري في رأس الهجوم و30 ألف عسكري احتياطات لإكمال الهجومات ويلزم لخدمة الهجوم 70 ألف لوجستي وإدارة، ويلزم 150 ألف عسكري لتغطية الخلفية المحررة وعمقها، من هنا نرى أن عديد القوات المهاجمة بحسابات بسيطة يجب أن لا تقل عن 255 ألف مقاتل بالحد الأدنى، ومع احتساب قوة الإحتياط الذي يستخدم للطوارئ ويبقى بتصرف القيادة نكون قد دخلنا برقم الـ 300 ألف مقاتل، تستند قوى المحور لتأمين هذا العدد من المقاتلين على خط الإمداد الطويل من إيران فالعراق لسوريا إلى لبنان وهذا ما يعرضها للكثير من العقبات بوجود الأمريكي في قواعده الحدودية بين العراق وسوريا.
- الانتشار الأمريكي والتحشيد البحري الأمريكي ودخوله بالمساندة الجوية للكيان تجعل هذه المعركة بحال تم الإعداد لها بالكامل ستكون في غاية الصعوبة وباهظة الثمن للمحور لأن هذه المعركة تتطلب وقت قصير قبل أن تصل القوى الداعمة للكيان لا تزيد عن الأربعة أيام، وبما أن الحشود الأمريكية والتحشيد البحري قد وصلت بكامل قوتها التكنولوجية لمساعدة الكيان وهذه المعركة معركة عقول وفي غاية التعقيد التكنولوجي والإلكتروني والسيبراني ونحن قد اختبرنا هذه الأسلحة لدى الكيان ولكن لا نعرف إمكانية الأمريكي ونحتاج إلى وقت لهذه المعرفة، فتعتبر من المحددات العسكرية لانخراط حزب الله في حرب كبرى.
- العمق اللبناني من المحددات للعمل العسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي وذلك بسبب التحريض الأمريكي الدائم والمستمر على حزب الله، فكرست كافة وسائل الإعلام في لبنان لهذه الغاية والمعركة تحتاج إلى إخلاء بعض القرى من الجنوب اللبناني والبقاع وبفعل هذا التحريض أصبح أمر الإخلاء مهمة صعبة.
- مستجدات الجبهة السورية وخاصة في الجنوب السوري حيث تم الدعوة إلى الجهاد ضد حزب الله من قبل (بعض) الدروز في سوريا، فأصبحت هذه الجبهة بيئة غير حاضنة للعمل الجهادي ضد إسرائيل، وخصوصًا أن عائلات درزية في المنطقة منخرطة في جيش العدو.
- الإنتقال العسكري لقوى المحور باتجاه الجنوب اللبناني يلزمه تحضير جيد وتدريب مميز قبل الإنتقال، وهذا الإنتقال يجب أن يكون محجوبًا وسلسًا، فلا يمكن تحقيق هذه الشروط أثناء المعركة.
ثانيًا: المحددات السياسية والاقتصادية
- دأبت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تأزيم العلاقة بين حزب الله والدول العربية كافة، وتعتبر معظم هذه الدول انتصار حزب الله في أي معركة هو هزيمة لها، غير العقوبات التي تفرض على الدول والأشخاص بتهمة العلاقة مع حزب الله أو تمويله.
- الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان ككل وبالبيئة الحاضنة للمقاومة بشكل خاص كذلك القيود الكبيرة على التحويلات المالية المفروضة وانهيار القطاع المصرفي تجعل حزب الله مقيدًا أمام بيئته بمعيشتهم ونزوحهم أثناء الحرب.
كل هذه المحددات لا تمنح التخطيط العسكري والسياسي في حزب الله أن يكون دقيقًا في التخطيط للمعركة وكأنها حاصلة ويظهر للمراقب بحسب الأهداف التي حققتها من خلال ضرب وسائط الجمع الحربي والراداري التكتيكي والاستراتيجي أن المقاومة لم تهمل خيار توسيع المعركة وحتى معركة العبور، لأنه يوجد عامل مساعد لتفكيك هذه المحددات وهو عامل الوقت والاستنزاف الطويل.
متى سيدخل حزب الله الحرب؟
- إذا هزمت المقاومة في فلسطين وبدأ مشروع الترانسفير الفعلي.
- إذا فرضت عليها الحرب مع اتجاه إسرائيل نحو التصعيد أحادي الجانب لتوريط الأميركي في حرب مباشرة مع حزب الله.
الأرجح أن تتجه الولايات المتحدة نحو التصعيد الناعم ضدّ حزب الله في هذه المرحلة سيما في الداخل اللبناني.
د. موقف إيران من الحرب الإقليمية ومحددات موقفها
منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران أخذ الموقف الإيراني موقفًا حاسمًا بدعم القضية الفلسطينية، فطردت السفارة الإسرائيلية ورفعت العلم الفلسطيني مكانه دون الاكتراث لأي مخاطر على صعيد علاقاتها الدولية، فهي الدولة الوحيدة في هذا العالم التي أدخلت القضية الفلسطينية في نظامها العقائدي، من هنا نجد أن الدعم التي تقدمه إيران للمقاومة الفلسطينية بكافة تنظيماتها غير محدود وغير مشروط من تسليح وتدريب وتكنولوجيا وأموال لم تتلقاه هذه الفصائل منذ عام 1948 من كافة الدول العربية.
منذ بدء عملية طوفان الأقصى بدأت الجمهورية الإسلامية في إيران بتصدير مواقف الدعم الواضح لهذه العملية ومباركتها وتبشيرهم بالنصر وبدأ وزير الخارجية الإيراني بجولات مكوكية حول العالم للمحافظة على هذا النصر واضطر في أكثر من مرة إلى التهديد بتوسيع الحرب وإعطاء مهل زمنية أحيانا لمنع إسرائيل من ارتكاب مجازر بحق الشعب الفلسطيني، كذلك فعل الرئيس الإيراني دعوته لإجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي ودعا من خلالها إلى تسليح الشعب الفلسطيني والأهم صرح عن تحرير فلسطين من النهر إلى البحر وأن الكيان الغاصب هو كيان مزيف في محفل غالبيته يتجهون إلى حل الدولتين وبعض الدول صاحبة تأثير في المنطقة كالمملكة السعودية، أما المرشد الأعلى فقد بارك عملية طوفان الأقصى وحث على قيام دول العالم الحر العمل على وقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني واتهم الولايات المتحدة الأمريكية صراحة على تغطية عملية إبادة الشعب الفلسطيني، وهذا لم يفعله أحد في هذا العالم، هذا الموقف الإيراني على المستوى السياسي والدبلوماسي.
ترجم الموقف السياسي الجهد العسكري فقد زار قائد فيلق القدس “اللواء إسماعيل قاني” سماحة “السيد حسن نصر الله” ونسق معه إجراءات المحور على الصعيد اليمني والعراقي، وأرسل رسالة مهمة إلى القائد العسكري في حماس “محمد الضيف” بأهميتها وتوقيتها، يعاهده فيها أنه لا زالت ايران على العهد، وتعتبر هذه الرسالة مؤشر إلى أن إيران ستبقى ليست داعمة فقط للمقاومة في غزة إنما هناك خطوط حمر موضوعة بينهم ستبرز في حال تخطاها العدو الإسرائيلي، كما صرح قائد القوة البرية في الحرس الثوري الإيراني “العميد محمد خاكبور” أن الوحدات في استعداد تام على مستوى المعدات والقوة البشرية في إشارة تهديدية، أما قائد القوات الجو فضائية الإيراني “أمير علي حاج زادة” أكد استعداد إيران لكل الظروف في مسار تهديدي آخر، وأشار في نفس التصريح إلى أن المقاومة العراقية واللبنانية واليمنية دخلت الحرب، والمعروف أن القوة الصاروخية الإيرانية وسلاح المسيرات هما الأقوى على صعيد العالم.
من هنا، نقرأ الموقف الإيراني الثابت تجاه القضية الفلسطينية وفي قراءة ما بين سطور المواقف نجد أن الاستعداد لكل الاحتمالات وارد وحتمي ، ومن الممكن أن تتوسع هذه الحرب حتى على المستوى الإيراني كدولة وليس حلفائها، ولكن الموقف الإيراني يتغير حسب مجريات الأحداث وقرار توسعة الحرب بحسب التصريحات متوقف على مجريات المعركة في غزة، فمن الواضح أن إيران ومعها المحور حددوا خطًا أحمرًا لا يمكن أن يقبلوا باختراقه من قبل العدو الإسرائيلي ومن الممكن أن يكون (ممنوع هزيمة حماس أو غزة)، وطالما مجريات المعركة في غزة لصالح المقاومين فتبقى القوة المساندة لها بالمحور على حالها واذا تعدت الأمور إلى حد ما قبل هزيمة غزة فسيصار إلى البدء بالحرب مهما كلف الثمن.
والنتائج بحسب المعطيات العامة لهذه الحرب ستكون لصالح محور المقاومة بالنهاية، وذلك بعد فتح جبهة اليمن باب المندب والبحر الأحمر ومضيق هرمز يكون المحور قد استعمل سلاح النفط.
ولكن علينا أخذ ملاحظة مهمة بعين الاعتبار هو طبيعة العلاقة المعقدة والغامضة بين إيران وقادة حركة حماس، فرغم الانخراط في جبهة واحدة معادية للكيان الإسرائيلي لكن دائما ما سعت حركة حماس إلى إظهار فوراق في العلاقة مع إيران، تجعلها متمايزة عنها لا مندمجة فيها، وهذا الأمر له حساباته الإقليمية وربما الأيديولوجية.
أما محددات الموقف الإيراني فتلخص بالآتي:
- تعتمد الجمهورية الإسلامية مبدأ الإبطاء التكتيكي والتراكم الاستراتيجي، فهي في قلب المعركة وفي حال توسعها سيكون دخولها طبيعيًا كونه مبني على بعدين عقائدي واستراتيجي.
- علاقة دول الطوق بإيران ليست على ما يجب أن تكون، فهي سيئة لا يمكن إعطاء إيران هامش للحركة حتى من خلال لبنان، وأما التحركات الإيرانية في سوريا فهي مراقبة وستكون تحت النار هذه من المحددات العسكرية فمشاركة القوة البرية ستكون محدودة
- المدى الجغرافي يصل إلى ما بين 1200 إلى 1500 كيلومتر عن حدود إيران، فهذا المدى الكبير من المحددات التي تعيق إيران من الوصول بسهولة لتحقيق تماس مع العدو الإسرائيلي وهذا المدى يعطي صعوبات لوجستية كبيرة لخدمة القوات العسكرية البرية فوق صعوبة الإنتقال.
- الحصار الاقتصادي المفروض على إيران بالإضافة إلى العقوبات التي يرزح تحتها الشعب الإيراني عبئ كبير محدد لقرارات الحرب والسلم في إيران.
- القلاقل التي يمكن أن تحدث في إيران أثناء الحرب من قبل معارضي النظام الإسلامي في إيران أمثال تنظيمات خلق وتنظيم القاعدة في محافظة بلوشستان.
- التواجد العسكري الأمريكي في العراق وسوريا الذي يفصل بين الحدود الإيرانية وتحقيق التماس مع العدو الإسرائيلي، وهو الذي يفصل أيضا طرق الإمداد الإيرانية عن التواجد العسكري في قوى المحور في سوريا ولبنان.
- ميزان القوى العسكري بين إيران ومنافسيها الإقليميين غير متكافئ في الأساس، وبشكل أكثر تحديدًا، فإن ميزان القوى هذا غير ملائم بشكل خاص لإيران فيما يتعلق بالقدرات العسكرية التقليدية. إذ تمتلك إيران الآلاف من الأفراد لكنها تفتقر إلى المعدات العسكرية عالية التقنية لدعم انتشارهم، وعلى النقيض من الإيرانيين، يتمتع الإسرائيليون بقدرة الوصول إلى أحدث التكنولوجيا العسكرية، ولكنهم لأسباب مختلفة يفتقرون إلى الوسائل والشرعية اللازمة لنشر قوة عسكرية على نطاق إقليمي. وإدراكاً منها لهذا الوضع والمزايا التي يمكن اكتسابها منه، فإن إيران سوف تبذل قصارى جهدها لتجنب المواجهة المباشرة مع منافسيها الإقليميين من خلال الاستمرار في الإعتماد على نهج هجين وغير متكافئ تحت عتبة العنف المباشر. ونتيجة لهذا فإن نشوب حرب تقليدية مفتوحة بين الجمهورية الإسلامية وخصومها الإقليميين، على الرغم من إمكانية حدوثه، يظل غير مرجح.
- عملية طوفان الأقصى حققت أكبر الأهداف الإيرانية وهي كسر نظرية الأمن الإسرائيلية من جهة وعرقلة مسارات التطبيع الإبراهيمية من جهة أخرى، ولكن دخول إيران الحرب ضد الولايات المتحدة قد يأتي بنتائج عكسية على سياسات إيران في المنطقة، ويعرقل مسارات التطبيع العربي الإيراني من جهة أخرى، وليس مستبعدًا أن تعمد (بعض) الدول العربية إلى دعم أميركا في الحرب.
- إذا ضعفت حماس ودُمرت كل بنيتها التحتية السياسية والاقتصادية والعسكرية، فسيكون ذلك بمثابة كارثة للجمهورية الإسلامية. ومن خلال حرمان إيران من حدود افتراضية مع الكيان الإسرائيلي، فإن التفكيك الكامل لحماس قد يمثل إضعافًا كبيرًا لنظام الدفاع الإيراني المتقدم.
- بالنظر للنجاحات التراكمية لحلفاء إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين، فضلًا عن تهيئة الظروف لعملية معقدة مثل طوفان الأقصى، لن تغامر إيران بعمل عسكري قد يضيع هذه النجاحات التراكمية.
وبالنظر إلى استراتيجية إيران الإقليمية طويلة المدى، يتبين أنه على الرغم من كل الخطابات المناهضة لإسرائيل والولايات المتحدة، فإن إيران حذرة من عدم مواجهة هذه الدول بشكل مباشر، لدرجة أنه عندما تم اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، الذي تحول إلى بطل قومي لإيران، في بغداد أوائل عام 2020 في عملية أمريكية، أبقت طهران على رد فعلها العملي مقيّدًا للغاية، مفضلة الرد بالدعاية، والرد العسكري المقيد المدروس، واليوم، أوضح المسؤولون الإيرانيون أن إيران لن تتدخل عسكرياً في فلسطين وغزة، مهما بلغت خطورة الوضع، ما دامت البلاد لا تتعرض لهجوم إسرائيلي أو أميركي مباشر. ومع ذلك، فإن تعبئة الحلفاء الإقليميين، وخاصة حزب الله، هو احتمال جدي، وفي حالة وقوع هجوم بري واسع ونهائي على غزة، فإن رد فعل الحلفاء، وخاصة حزب الله، يمكن تفسيره على أنه استعداد لصراع إقليمي واسع.
كما أن قرار الحرب يعني إغلاق مضيق هرمز، وما يتبعه أزمة الطاقة العالمية التي ستعني أزمه اقتصادية ومالية كبيرة، وهو أداة تفاوضية إيرانية على ملفات شائكة بالنسبة لها، وقد تفضل إيران لعب الأوراق التفاوضية على قرار الحرب غير محسوم النتيجة.
ولكن السؤال الأهم: هل سيدفع التهديد باستخدام السلاح النووي، طهران لامتلاك قنبلة نووية، تشكّل حماية لها من تهديدات واشنطن وإسرائيل، وشرعية للامتلاك بذات الوقت.
ه. العراق كساحة حرب محتملة
أهمية الموقع الجغرافي للعراق محوري في أكثر من اتجاه للولايات المتحدة الأمريكية أولها السيطرة على تجارة نفط العراق وسرقة عائداته وأما أهمية الموقع فتتجسد في عدة أسباب رئيسية:
أولًا: كسر منظومة قوة الممانعة بقطع طرق الإمداد بين إيران وبيروت عبر سوريا، ما أطلق عليه سابقا تسمية الهلال الشيعي خدمة لمصالحة ومصالح الكيان الإسرائيلي، أما مصالحه فتقتضي منع وجود أي قوة معارضة لسياسته في غرب آسيا، أما بالنسبة للكيان الإسرائيلي هو منع تصاعد قدرات قوة المقاومة في وجهها.
ثانيًا: إحكام الطوق على إيران ومراقبة تنفيذ قرار العقوبات الأمريكية عليها، وبمجرد التواجد العسكري في العراق تذهب بعض القوى السياسية في العراق إلى تنفيذ العقوبات دون رقابة.
ثالثًا: إثارة النعرات والفتن بين مكونات الشعب العراقي وهذا ما شهدناه منذ إحتلال العراق في 2003 إلى اليوم، بالإضافة إلى استغلال منطقة الشمال الكردية في توقها إلى الإنفصال بجعلها بؤرة للمخابرات الإسرائيلية للتجسس على إيران، كذلك جعل المناطق الكردية منطقة تواجد لكل المجموعات الإيرانية المعارضة.
رابعًا: كبح التمدد الاقتصادي الصيني إلى العالم عبر إفشال مشروع طريق الحرير البري الذي يمر في إيران والعراق ثم سوريا فالبحر المتوسط، ومنع هذا الطريق هدف إستراتيجي ليس فقط للولايات المتحدة الأمريكية بل للدول الصناعية جمعاء، كونه قادر على منافسة كافة هذه الدول في التجارة الدولية.
من هنا نرى أن التواجد العسكري الأمريكي في العراق وسوريا هو وسيلة لتحقيق مصالح أمريكية كبرى بالإضافة إلى خدمة الكيان الصهيوني، لذلك يجب التركيز على الوجود الأمريكي في العراق اليوم تحديدًا بعد عملية طوفان الأقصى، وحاجة قوى محور المقاومة إلى الطريق الذي يربط بين طهران وبيروت.
أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على غزة على أثر عملية طوفان الأقصى عن بدء عملياتها لإنهاء التواجد العسكري الأمريكي في العراق، وذلك بعد أخذ المشروعية من الدولة العراقية بعد تصريح رئيس الوزراء العراقي وعدم التقدم في المفاوضات مع الأمريكيين.
بدأت المقاومة الإسلامية في العراق عملياتها ضد القواعد الأمريكية في العراق وسوريا بالتزامن مع عمليات إبادة الشعب الفلسطيني في غزة على أثر عملية طوفان الأقصى، حيث نفذت العديد من إطلاق الصواريخ والمسيرات الانقضاضية على الجنود الأمريكيين في تلك القواعد أدت إلى العديد من الإصابات في صفوفها.
الرد الأمريكي على هذه العمليات كان باهتًا وقام بقصف مقرات إيرانية خالية في سوريا لإظهار رسالتين أولها إتهام إيران بالتشجيع على هذه العمليات وثانياً للإعلام أمام الجمهور الأمريكي أنه رد على هذه العمليات بتوقيت الانتخابات الرئاسية الأمريكية ورفع معنوي للجنود في تلك القواعد.
من الواضح أن عدم الرد السريع على هذه العمليات ليس ضعفًا أمريكًا، ولكنه تكتيك بهدف التأجيل بغية إعادة التموضع وتغيير شكل الإنتشار ليكون جاهز لمثل هذه العملية، والأهم أن توقيت الرد لا يتناسب مع واقع المعركة الأساس في فلسطين المحتلة، وأي رد سيكون له ضحايا عراقيين وهذا سيؤدي إلى خلط كافة الأوراق في العراق ليتضامن كل الشعب العراقي مع المقاومة العراقية، أما ما كان يعمل عليه الأمريكي في كل السنوات السابقة في العراق لشيطنة فصائل المقاومة العراقية واتهامها بالفساد لسلخها عن حاضنتها الشعبية تنتهي بلحظة الرد الأمريكي على هذا الرد.
قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتهديد فصائل المقاومة العراقية عبر قنوات عراقية حكومية، فلم تكترث هذه القوى للتهديد، لذلك من الواضح أن الأمور ستتدحرج إلى رد ويقع المحظور الذي يهرب منه الأمريكي في العراق كون مصلحة التواجد العسكري الأمريكي في العراق وسوريا أكبر من الملفات العراقية حسب المفهوم الاستراتيجي الأمريكي بالكيفية التي سبقت.
لذلك من الممكن أن تكون أرض العراق بالوقت الراهن هي أرض خصبة للصراع بين قوى محور المقاومة والأمريكيين قد تخرج الأمريكي من العراق.
يعلم الأمريكي جيدًا أن تواجده العسكري في العراق وسوريا خاصرة رخوة في انتشاره العسكري عبر العالم كونهما دولًا قارية داخلية وتحتاج إلى الدعم الجوي الذي كان يقوم به الكيان الإسرائيلي، ولكن القدرات التي بناها محور المقاومة لهذا الانتشار يتناسب مع واقع الانتشار وقدرات القوات الأمريكية عبر عمليات بالصواريخ من مسافة غير مرئية أو عبر المسيرات لذلك تعتبر هذه العمليات ضدها مقتل أمريكي أو لأي جيش في العالم.
ما فكر به الأمريكي لحماية انتشاره في العراق وسوريا هو الانتشار في مناطق عشائرية تعتبرها بيئة حاضنة ولا تتقبل وجود القوى المقاومة في هذه المناطق، مع اللعب بشكل دائم على التناقضات الطائفية بهدف حماية قواته، لذلك تم بناء ألوية عشائرية في قوات الحشد الشعبي العراقي وهذه فرصة كبيرة لتكون المقاومة العراقية تحت عناوين وطنية عراقية وليست طائفية كما أرادها الأمريكي وتعتبر من نقاط القوة لديها اليوم.
مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية
هو أوّل مركز من نوعه في لبنان، وفي العالم العربي، لجهة طبيعة معالجة موضوعاته، حيث يقوم على المزاوجة بين النظريات التفسيرية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية وقواعد “الأنتروستراتيجيا” التي أسّسها القيّمون على المركز، كمنظور جديد لتفسير واستقراء الأحداث السياسية والاجتماعية الدولية.
يعمل المركز كقاعدة إنذار مبكر يستبق التفاعلات الدولية قبل حدوثها، من خلال استقراءه للبيئة الاستراتيجية للتكتلات الأقليمية والدولية ودراستها وتحليلها وتوقّع نتائجها.
للتواصل:
- هاتف 0096170122332
- بريد الكتروني info@caslb.com