تقدير مواقف
تقدير موقف: ثقل واشنطن في ترسيم الحدود البحرية اللبنانية مطلب إسرائيلي أم مصلحة استراتيجية أمريكية؟!
ثقل واشنطن في ترسيم الحدود البحرية اللبنانية مطلب إسرائيلي أم مصلحة استراتيجية أمريكية؟!
شهد لبنان زيارات أمريكية متوالية منذ شهر آذار الماضي بسلسلة لقاءات شملت وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ومساعده لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد، تركزت هذه اللقاءات بالدرجة الأولى على ملف ترسيم الحدود البحرية مع الكيان الإسرائيلي، وبالرغم من حجم الملفات الاستراتيجية والمصيرية العالقة في العالم أمام الإدارة الأمريكية، إلا أن واشنطن قررت إعطاء كل هذا الثقل لملف بسيط يشمل خلاف حدودي بحري على مساحة تقارب 850 كم مربع، ومع التركيز الشديد في البداية على ترسيم الحدود البحرية وفصلها عن الحدود البرية، إلا أن إصرار لبنان على لسان رئيس مجلس نوابه بالترسيم الشامل، وضع واشنطن في موقف أكثر تعقيداً، وقد حاولت في سبيل ذلك تهديد الرئيس نبيه بري بالعقوبات بذريعة علاقة حركته بحزب الله، إلا أن الاصرار الأمريكي الشديد حول إنجاز هذا الملف وعدم بدء مواجهات مفتوحة وطويلة، جعل الإدارة الأمريكية تقبل بمناقشة الترسيم البري والبحري كملف واحد، وبالشروط اللبنانية، ليظهر من ناحية الشكل أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لتحقيق مطالب الكيان الإسرائيلي، في حين أن واشنطن تسعى لمصلحة استراتيجية أمريكية صرفة، فترسيم الحدود البحرية دوناً عن البرية، له علاقة مباشرة بقدرة الكيان الإسرائيلي على إنتاج الغاز من المتوسط، وذلك بخفض المخاطر الناجمة عن التهديدات اللبنانية، والتي ترفع بدورها كلف الاستثمار والإنتاج بالضرورة.
مستقبل الغاز التي تعمل إسرائيل على استخراجه في بيئة آمنة هو أحد أهم أسس المشروع الأمريكي، فمن المقدر لهذا الغاز أن يصدر بأنبوب خاص (إيست ميد) من المتوسط مروراً بالمناطق المتنازع عليها وتحت مرمى التهديدات اللبنانية في المناطق الأخرى وصولاً إلى أوروبا، رابطاً معه حقول المتوسط المكتشفة في مصر، والذي سيشكل بدوره رافداً مهماً للغاز إلى أوروبا في مواجهة محاولات روسيا للسيطرة على سوق الطاقة الأوروبية عن طريق أنابيبها، وتبعات المشروع الروسي على المصالح الأوروبية-الأمريكية المشتركة ضمن المواجهة البينية الكبرى، بالتالي فإن خوف واشنطن من استغلال المواجهة بين لبنان والكيان الإسرائيلي بدعم الخلاف حول الحدود البحرية وتمتين العلاقة الروسية اللبنانية في سبيل ذلك، بما يشمل عروض التسليح للبنان والذي قدمته موسكو سابقاً كملف على شكل مساعدات عسكرية، وأيضاً دعم حزب الله بأسلحة بحرية متطورة لعرقلة المشاريع الإسرائيلية بالوكالة في غاز المتوسط التي تضر بالمشاريع الروسية، دفع الولايات المتحدة الأمريكية للقيام بثلاث خطوات متزامنة:
الأولى: إبداء المرونة والتنازل أمام المطالب اللبنانية.
الثانية: الضغط لرفض المساعدات العسكرية الروسية بكل أشكالها.
الثالثة: العمل على تصنيف حزب الله كمنظمة إجرامية عابرة للحدود والذي أطلق بخبر عابر حول طرح مكافئة 10ملايين دولار لكل من يدلي بمعلومات حول أساليب وطرق تمويل حزب الله كبداية لتلفيق أتهام مبني على شهود وإفادات مفبركة.
هذه الخطوات الثلاث هي بمثابة تكتيك بالغ الأهمية لقطع الطريق أمام موسكو في أي محاولة لها للدخول إلى لبنان أو إيقاف المشاريع الإسرائيلية نحو أوروبا، سواء بشكل مباشر أو بالوكالة.