تقدير مواقف
قرار توقيف الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين
إحاطة وتقدير موقف
قرار توقيف الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها مدينة لاهاي الهولندية (عدد أعضائها 123) مذكرة توقيفٍ بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بدعوى مسؤوليته عن جرائم حرب، وتركّز ادعاء المحكمة على عمليات ترحيلٍ قسريّ غير قانونية لأطفال من أوكرانيا إلى روسيا، وفشل الرئيس بوتين في استخدام صلاحياته الرئاسية لوقف عمليات الترحيل تلك.
تم التمهيد (السياسيّ والإعلاميّ) للقرار بلجنةٍ تحقيق تابعة للأمم المتحدة والتي ادعت بتاريخ 16/3/2023 أنّ روسيا قامت بعمليات نقلٍ قسريٍّ للأطفال وغيرهم من المدنيين من أوكرانيا إلى روسيا والذي يرقى إلى مستوى جريمة حرب، لكنّ اللجنة قالت إنّها لم تتمكن من التحقق من العدد، كما ادعت اللجنة بأنّ السلطات الروسية ارتكبت مجموعةً واسعةً من الانتهاكات للقانون الدوليّ لحقوق الإنسان والقانون الإنسانيّ الدوليّ في سياق حربها على البلاد، والتي يرقى الكثير منها إلى جرائم حرب، طبعاً اللجنة شكّلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
أبرز الملاحظات القانونية (من ناحية الشكل) حول طبيعة القرار.
- الجنائية الدولية ليس لها سُلطة توقيف المشتبه بهم.
- سلطاتها تنحصر على الدول الموقّعة على نظام روما الأساسيّ الذي تقوم عليه المحكمة، وليست روسيا بين تلك الدول.
- يمكن للدول الموقعة على نظام روما الأساسيّ القيام بعمليات توقيف، للصادرة بحقهم مذكرات اعتقال، وعددهم 123 عضوا.
- إنّها سابقةٌ قانونيةٌ تاريخيةٌ ذات معنى، إذ إنّها المرة الأولى التي تدين فيها المحكمة الجنائية الدولية رئيس دولة عضوٌ دائمٌ في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
أجندات القرار السياسية.
- الآثار المعنوية الخاصة بقرار توقيف رئيس دولة كبرى، هيّ جوهر الغايات من قرار التوقيف، فقرار التوقيف يعدّ بمثابة إهانةٍ لمركزية الدولة الروسية في النظام الدوليّ.
- القرار محاولة نسفٍ للأهداف الصينية المعلنة للزيارة التاريخية للرئيس الصيني الرئيس شي جينبينغ الى روسيا بين 20 و22 /آذار”، وهيّ الأولى بعد أربع سنوات، وضمناً وإجهاض مسبقٌ للمبادرة الصينية بشأن الحرب الأوكرانية، والحيلولة دون تحقيق الصين أغلبية دولية بشأنها، فقد أعلنت الصين أنّ أهداف الزيارة إحلال السلام” و “ممارسة التعددية الحقيقية… وتحسين الحوكمة العالمية والإسهام في التنمية والتقدم في العالم”، وقرار المحكمة يصيب جهود الحوكمة العالمية بمقتلٍ حقيقي.
- القرار يستهدف إحراج الصين أمام الأوربيين الذين تحاول الصين إقناعهم بجدوى مبادرة إحلال السلام في أوكرانيا والتي طرحت على هامش مؤتمر ميونخ للأمن 18/2/2023.
- القرار الذي مهدت له ورعته الخارجية الأميركية وعملت على مساعدة جهة الادعاء في جمع المعلومات بشأنه، تقول للجميع وسيما الصين أنّ المفاوض الرئيس عن أوكرانيا هيّ أميركا وليست أوروبا أو أيّ قوةٍ دولية أخرى.
- هو بمثابة إعلانٍ أميركيٍ غربي للداخل الروسي أنّه لا حلّ مع بوتين، والحل يبدأ بعد مغادرة بوتين على اختلاف السيناريوهات، وبذلك القرار يهدف (تشجيع الفوضى الروسية الداخلية).
- هو إعلانٌ غربيٌّ بأن روسيا خارج القواعد البنائية للنظام الدولي متعدد الأطراف لحين انتهاء مفاعيل القرار.
- القرار يستهدف في أجنداته إعادة بناء العلاقات الأوربية الروسية على قاعدة ما بعد بوتين، وبالتالي كلّ التفاهمات السابقة الروسية الأوربية في الحقبة البوتينية أصبحت منتهية الصلاحية السياسية، وعملية إعادة بناء العلاقات الروسية الأوربية تبدأ في الحقبة بعد البوتينية، وفق مخرجات الحرب الأوكرانية.
- العلاقات التركية الروسية في مرمى (أجندات) هذا القرار، صحيح أنّ تركيا ليست دولة طرف في نظام روما لكنها قبلت باختصاصات المحكمة، وبالتالي مسألة زيارة بوتين لتركيا مستقبلاً ستخضع للكثير من الإشكاليات والتجاذبات في الداخل التركيّ.
- يستهدف القرار إعاقة سفر بوتين إلى الخارج سيما الدول الموقعة على نظام روما المشكّل لمحكمة لاهاي الجنائية الدولية، حيث يمكن اعتقاله في هذه الحالة.
- الثقل الأخلاقي مع شيطنة بوتين، ومحاولة الإدانة الأخلاقية له في بقية مسيرته السياسية، هدفٌ واضح للقرار، فقد وضع قرار المحكمة السيد بوتين بمرتبة كل ّمن الرئيس السابق عمر البشير، رئيس السودان المخلوع، المتهم بارتكاب فظائع في دارفور، وسلوبودان ميلوسيفيتش، الزعيم الصربي المسجون لارتكاب انتهاكات أثناء حروب البلقان، والراحل معمر القذافي أيضا.
الهدف الأكثر جدليةً.
في ظلّ قرار التوقيف الجنائي بحق الرئيس بوتين، لا يمكن رفع العقوبات الدولية على روسيا دون الامتثال لأوامر المحكمة، وهنا تكون القوى الغربية قد ربطت الحلّ مع روسيا، بمرحلة ما بعد بوتين.
ختاماً: يقدر باحثو مركز الدراسات الأنثروستراتيجية أنّه يتوجب على روسيا التعامل بجديةِ مع الأثار المعنوية السياسية للقرار وعدم الاستخفاف به كما ورد على لسان ديمتري مدفيديف، وتجهيز إجراءات للردّ الذكيّ الموضوعيّ على القرار تطرح في أثناء زيارة الرئيس الصيني شي جي بينغ لروسيا بعد أيام، منعاً من إحراج الصين في موقفها تجاه روسيا، صحيحٌ ألّا أثار عمليةً للقرار الجنائي، ولكنّه يستهدف سياسات الصين أيضاً، ويخلص المركز إلى قناعة مفادها أنّ قرار التوقيف يعني إعلاناً غربياً بأنّه لا حلّ مع بوتين، ويستهدف بذلك إطالة عمر الصراع في أوكرانيا، وإعادة ترتيب العلاقة الأوربية- الروسية بعيداً عن الرؤية البوتينية، ويستهدف أيضاً السياسات الصينية تجاه روسيا على خلفية مبادرتها للسلام في أوكرانيا التي تقوم على احتواء أوروبا.