تقدير مواقف
تقدير استراتيجي: إعادة الانخراط الأميركي في منطقة جنوب غرب آسيا
تقدير استراتيجي
إعادة الانخراط الأميركي في منطقة جنوب غرب آسيا
فهرست
أولاً: محددات الانخراط الأميركي في شرق المتوسط وغرب آسيا 5
ثانياً: أهداف الانخراط الأميركي الجديد في المنطقة 7
ه. ردع أي قوة من بناء قواعد بحرية في المتوسط_ 12
تمهيد
صرح الرئيس الأمريكي جو بادين أنه “لا عودة إلى الوضع الراهن كما كان في السابع من أكتوبر”.
- غرب آسيا (الشرق الأوسط) يمر بمرحلة تحول، ومواجهة، فالولايات المتحدة تريد ضبط سياسات حلفائها وخياراتهم من جهة، وردع خصومها الإقليميين من جهة مقابلة، ومواجهة أي قوة كبرى تريد بناء وجود استراتيجي لها في المنطقة.
- تعمل الولايات المتحدة على الحيلولة دون تحول غرب آسيا (الشرق الأوسط) إلى مستنقع يصعب الخروج منه لمواجهة القوى الصاعدة، وفي ذات الوقت عدم تحوله إلى ساحة لتلك القوى الصاعدة لمواجهة الولايات المتحدة ذاتها، بمعنى آخر إجهاض أي استراتيجية (محيطية) لخصوم الولايات المتحدة من القوى الصاعدة انطلاقاً من غرب آسيا (الشرق الأوسط).
- إعادة الانخراط الأميركي هي استراتيجية مراجعة لحقبتي الرئيسين ترامب وأوباما في غرب آسيا (الشرق الأوسط)، وليست مجرد رد فعل لمتغيرات طوفان الأقصى.
- إعادة الانخراط الأميركي،هي استراتيجية ترتيب جديد لمنطقة غرب آسيا لمرحلة ومتطلبات الانزياح الأميركي تجاه شرق أسيا لمواجهة الصين بما يحول دون تحول هذه المنطقة لعبء استراتيجي على أميركا يعيق ويعاكس استراتيجية الانزياح.
- إعادة الانخراط الأميركي في غرب آسيا (الشرق الأوسط) بهذه الكثافة سيما البحرية منها ليس مرده كليا الردع أو التهديد بتوجيه ضربات لمحور المقاومة، وان كان جزئيا ينحو في هذا الاتجاه، فإعادة الانتشار الأميركي (البحري) هو استراتيجية منسقة ظهرت مع حرب طوفان الأقصى وتهدف إلى ردع الصين بدرجة أساسية وروسيا بدرجة أقل في البحر الأبيض المتوسط ومنطقة الخليج، حيث تخشى الولايات المتحدة من إقامة قواعد عسكرية بحرية لكلا الدولتين على سواحل هذين البحرين.
- مع تعثر مسارات أبراهام للسلام في بناء النظام الدفاعي الإقليمي الأميركي الإسرائيلي مع دول المنطقة، باعتباره حجر الأساس لاستراتيجية ما بعد الانزياح الأميركي نحو وسط وجنوب شرق أسيا، بدأت الولايات المتحدة بإعادة الانتشار لبناء هذا النظام الإقليمي متعدد الأهداف والمستويات، بما يسمح بضمان أمن “إسرائيل” وفق المستويات المعمول بها في مرحلة ما قبل الانزياح.
- تخشى الولايات المتحدة من سياسات حلفائها التقليديين تجاه الصين، حيث تسعى الصين إلى لعب دور الضامن في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط)، وهذا يتطلب أميركيا إعادة تجميع حلفائها وضبط خياراتهم، سيما مع اتجاه حلفائها لتنويع شراكاتهم الأمنية ومصادر تلبية الاحتياجات الدفاعية.
- وضع ضوابط لسياسات حلفائها في أوبك بلس…
مركز الثقل القادم للاستراتيجية الأميركية باب المندب وشرق المتوسط.
مقدمة
كانت العملية العسكرية التي بدأتها الفصائل الفلسطينية في 7 تشرين الأول 2023، بمثابة لحظة كاشفة لمختلف الديناميات الاستراتيجية الإقليمية والدولية، فضلاً عن الأدوار النسبية لكل طرف في هذه المعادلة التي تتجاوز الأمن الإقليمي إلى الدولي.
مع قيام الكونجرس بإعادة تقييم تفويضات استخدام القوة العسكرية في غرب آسيا (الشرق الأوسط) والتي مضى عليها عقود من الزمن، وانشغال إدارة بادين بالحرب في أوكرانيا، تمثلت استراتيجية الولايات المتحدة في غرب آسيا (الشرق الأوسط) بالجمع بين الحد الأدنى من الوجود العسكري والاعتماد على الحلفاء الإقليميين للحفاظ على السلام، وكانت الولايات المتحدة أكثر تفاعلا وليس استباقية في الاستجابة للعديد من التغييرات، فلقد ظهر تحول نموذجي في المشهد الجيوسياسي في غرب آسيا (الشرق الأوسط)، بدأت معه الولايات المتحدة تعيد تحديد مشاركتها في هذه المنطقة في ضوء هذا التحول، تجلت هذه التغيرات في:
- تدهور النفوذ الأميركي في قرارات أوبك بلس المتكررة، حيث اختارت المملكة العربية السعودية مصالحها الخاصة بدلاً من إخضاع أرباحها النفطية غير المسبوقة للمستهلكين الغربيين، بما يعني أن المملكة العربية السعودية لم تعد تعتمد على الولايات المتحدة لتلبية احتياجاتها الأمنية واعترفت بالصين باعتبارها المضيف المناسب للوساطة.
- قرار انسحاب الإمارات من إطار الأمن البحري متعدد الأطراف بقيادة الولايات المتحدة والتقارير عن وجود صيني سري في ميناء خليفة، مع سعي الصين بشكل متزايد إلى التودد لدول غرب آسيا (الشرق الأوسط) من أجل توسيع العلاقات الأمنية.
- تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية برعاية صينية، واستعادة العلاقات السورية العربية بشكل جزئي.
- انضمام كل من السعودية ومصر والإمارات لمنظومة بريكس (أب 2023).
فقد شكل فك ارتباط أميركا بغرب آسيا (الشرق الأوسط) جزءاً من استراتيجية أميركية محسوبة لتحويل تركيزها نحو تنافسها المتصاعد مع الصين، وهذا لا يشكل (ببساطة )عودة إلى الموقف الذي كانت أميركا عليه قبل أحداث الحادي عشر من أيلول، وبدلا من ذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى العودة إلى نهجها الذي كانت تتبعه في التعامل مع المنطقة قبل عام 1990، فعلى مدار أكثر من عقد من الزمان، سعت الولايات المتحدة إلى إنهاء الحروب في أفغانستان والعراق، وتقليص تواجدها العسكري في غرب آسيا (الشرق الأوسط)، وإعادة توجيه الموارد الشحيحة إلى آسيا، وقد عززت الاتجاهات العالمية والإقليمية هذه الرغبة الأميركية في تقليص أولوية غرب آسيا (الشرق الأوسط) في استراتيجيتها العالمية، وتمحور التحدي الذي يواجه السياسة الأميركية في كيفية حماية مصالحها المتبقية والتي لا تزال مهمة في تلك المنطقة في عصر يتسم والمنافسة الشرسة على الهيمنة، سواء في المنطقة أو على مستوى العالم، وفي خضم هذه النقاشات أتت حرب غزة لتكشف أوجه القصور في الاستراتيجية الأميركية في غرب آسيا (الشرق الأوسط).
وينتشر ما بين 40 ألفا و60 ألف جندي أميركي في نطاق عمل القيادة الأميركي الوسطى. وهذه القوات موزعة على 21 دولة، من مصر غربا إلى كازاخستان في الشمال الشرقي، لأغراض التدريب والمشورة وخدمة القواعد الأميركية، تشمل وجود 18 سفينة، بينها حاملة طائرات من طراز نيميتز “يو أس أس هاري ترومان”، و3 مدمرات صواريخ موجهة، هي “يو أس أس لاسين” و”يو أس أس فاراغوت” و”يو أس أس فوريست شيرمان” وطراد صواريخ موجهة “يو أس أس نورماندي”.
وفي أعقاب اندلاع الحرب بين حماس والكيان الإسرائيلي في تشرين الماضي، أعلنت الولايات المتحدة إرسال حاملتي الطائرات “يو أس أس جيرالد فورد” و”يو أس أس أيزنهاور” وسفن دعم لهما، ونحو 2000 من مشاة البحرية، فضلا عن بطاريات “ثاد” وبطاريات إضافية من نظام “باتريوت”، وأمر البنتاغون أيضا بإرسال طائرات حربية إضافية لدعم أسراب طائرات A-10 وF-15 وF-16 الموجودة في غرب آسيا (الشرق الأوسط)، وفي حشد عسكري أميركي غير مسبوق بالمنطقة، قالت القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم” إن الغواصة النووية من فئة “يو إس إس أوهايو” وصلت إلى مركز عملياتها في منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط)، لتنضم إلى حاملتي الطائرات الأميركيتين “جيرالد فورد” و”دوايت دي أيزنهاور”.
أولاً: محددات الانخراط الأميركي في شرق المتوسط وغرب آسيا (الشرق الأوسط).
بداية ليس من مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين والآسيويين فتح جبهة جديدة للمواجهة خارج نطاق أوكرانيا والمحيط الهادئ، بالكاد تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها التغلب على هذه الساحات الصعبة، وهم يتنافسون في لحظة حرجة من ديناميكيات القوة الدولية التي يمكن أن تغير النظام العالمي، وقواعده، والتسلسل الهرمي للجهات الفاعلة فيه. وعلى العكس من ذلك، فإن اندلاع صراع إضافي سيكون بمثابة حصان طروادة للتحالف الأمريكي وسيعود بالنفع المباشر على الصين وروسيا ، للأسباب الآتية :
- يعاني النظام الأمني في شرق البحر الأبيض المتوسط من خلل شديد لصالح روسيا وإيران، فالمحور الذي توجد فيه إيران بات في مرحلة (ذروة) القوة ويستعد لقلب الحسابات في العراق، وإنهاء ملف اليمن.
- تزايد وتيرة التفاهم الإيراني العربي، خاصة بعد الاتفاق الإيراني السعودي الذي رعته الصين، أدى إلى اندماج إيران في الفضاء السياسي العربي، وهذا يشكل مخاطرا كثيرة على مسار اتفاقيات السلام (ابراهام) التي تشرف عليها الولايات المتحدة.
- دخول منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط)، وخاصة شرق البحر الأبيض المتوسط، كنقاط حاسمة في مسارات المشاريع الجيوسياسية الكبرى (أبرزها طريق الحرير والممر الاقتصادي بين الهند وأوروبا)، أدى إلى تصاعد معدلات الاصطدام بين هذه المشاريع عند نقاط حرجة، وبالتالي، فقد أدى ذلك إلى زيادة تكلفة أي صراع.
- الدخول الصيني العسكري للشرق الأوسط:
حيث أرسلت الصين ست سفن حربية إلى غرب آسيا (الشرق الأوسط)، وأجرت هذه السفن تدريبات مشتركة مع البحرية العمانية، وكانت وصلت مجموعة المهام الرابعة والأربعين للمرافقة والحماية إلى غرب خليج عدن في 2 تشرين الأول وأجرت تمريناً تدريبياً مشتركاً مع مجموعة المرافقة الخامسة والأربعين قبل التوجه نحو خليج عمان للقيام بمناورة مشتركة مع البحرية العمانية في 11 تشرين الأول، ثم مغادرة المياه العمانية إلى الكويت في 16 الشهر ذاته، هذا، ويشير نشر مجموعات الحراسة البحرية من قبل بحرية جيش التحرير الشعبي إلى تحول استراتيجي يهدف إلى تحدي هيمنة البحرية الأمريكية في عمليات الأمن البحري الدولية – وهو مجال يقع تقليديًا ضمن اختصاص الولايات المتحدة ومفتاحها الرئيسي للهيمنة العالمية، تم تفعيل هذه الاستراتيجية الصينية في العام 2021، بالتزامن مع زيادة كبيرة في إنتاج (الفرقاطات)، وبالتالي تعزيز قدرة الصين على الأمن البحري المحلي وعمليات النشر في الخارج، ويرتبط إعطاء الأولوية للشرق الأوسط في عمليات الانتشار البحري هذه بالقاعدة البحرية الصينية الوحيدة في الخارج، والتي تقع في جيبوتي، ويؤكد على الأهمية الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة للصين، وخاصة في حماية طرق تجارة النفط، حاليًا، تحتفظ الصين بثلاث مجموعات مرافقة بحرية، تتكون كل منها من مدمرة، وزوج من (الفرقاطات)، وسفينة دعم لوجستي، تم نشر مجموعة المرافقة الرابعة والأربعين في الكويت ومن المقرر إعادة تكليفها بالقرن الأفريقي قبل عودتها المقررة إلى الصين في تشرين ثاني، وفي الوقت نفسه، تتمركز المجموعة 45 في القرن الأفريقي، وتخطط للعودة إلى الصين بعد إعفائها من قبل المجموعة 44 في نهاية الشهر، تم نشر المجموعة 43 في البداية في خليج غينيا في يوليو لتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع دول غرب إفريقيا، ثم أعيد تكليفها بعد ذلك بالمحيط الهادئ اعتبارًا من سبتمبر.
- إرهاصات هيمنة روسية على شرق المتوسط، فقد مثل قيام روسيا بتسيير دوريات استطلاع بحرية في البحر الأسود، والتي نفذتها طائرات من طراز ميج 31 مسلحة بصواريخ (كيجال) التي تفوق سرعتها سرعة الصوت والقادرة على الوصول إلى أهداف في شرق البحر الأبيض المتوسط، يخدم غرضين مزدوجين: الأول يعد بمثابة استراتيجية دقيقة لعملياتها المستمرة في أوكرانيا وكإشارة تحذيرية بشأن المخاطر المحتملة في منطقة البحر الأسود. والأهم من ذلك، أن هذا النشر يشير أيضًا إلى أن التزام روسيا العسكري تجاه أوكرانيا لا يحول دون قدرتها على التدخل في شرق البحر الأبيض المتوسط.
ثانيا: أهداف الانخراط الأميركي الجديد في المنطقة (شرق المتوسط).
- الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع “إسرائيل” وإعادة الالتزام بأمن حليفها التاريخي الأكبر والأقوى، مع وقف أي محاولات لتغيير المعادلة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، ويأتي ذلك مع أضرار جانبية مثل العلاقات المتوترة مع بعض الدول العربية أو المزيد من التراجع في سمعتها المشوهة بالفعل بين العرب.
- اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة التي سيترشح لها بايدن، واهتمامه الشديد بحشد الدعم من جماعات الضغط اليهودية والإنجيلية، لذلك إظهار الدعم الواضح للكيان الإسرائيلي هو أمر ضروري في هذا السياق.
- قضية الرهائن الأميركيين المحتجزين لدى حماس، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالانتخابات؛ بالنظر إلى التجربة التاريخية المريرة للرئيس جيمي كارتر، الذي لم تنقذه إنجازاته الكبرى من أزمة الرهائن في السفارة الأميركية في طهران، ومني بهزيمة ساحقة أمام الرئيس الجمهوري رونالد ريغان.
- تمرير حزمة المساعدات العسكرية لأوكرانيا ومنطقة المحيط الهادئ، وإعادة هيكلة المجمع الصناعي العسكري المتأثر بشدة بسبب الأزمة الأوكرانية، والتي تم رفضها لفترة من الوقت من قبل الكونجرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون. وتم دمج “إسرائيل” في الحزمة بقيمة 105 مليارات دولار، حيث حصلت على ما يقرب من 9 مليارات دولار، وهو ما قد يحد من اعتراضات الجمهوريين، خاصة أولئك المعروفين باهتمامهم والتزامهم بالعلاقات مع “إسرائيل”. إذا تم إقرار هذه الحزمة، فسيكون ذلك بمثابة انتصار لبايدن، مما يضمن ولاء المجمع الصناعي العسكري ويمنحه مرورًا سلسًا إلى الجولة الانتخابية التالية.
- التكامل الدفاعي في غرب آسيا (الشرق الأوسط) بين حلفاء واشنطن: تهدف الولايات المتحدة إلى الإسراع في تشكيل البنية العسكرية الموحدة لمنظومة القيادة الأميركية سنتكوم بالمنطقة، والتي كانت اتفاقا أبراهام مسار تنفيذها، ولكن بعد تعطل هذ االمسار مؤقتا تتجه الولايات المتحدة إلى مسار التصعيد الميداني..، في العام الماضي (2022)، وكجزء من قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2023 (NDAA)، أقر الكونجرس قانون ردع قوات العدو وتمكين الدفاعات الوطنية (DEFEND)، الذي سمح لوزير الدفاع الأمريكي بإنشاء نظام دفاع جوي وصاروخي متكامل مع “إسرائيل” ودول أخرى، وحظي مشروع القانون بدعم واسع النطاق من مجلسين ومن الحزبين عندما تم تقديمه.
- الهيمنة البحرية: تخشى الولايات المتحدة من توسع النفوذ البحري العسكري لكل من روسيا والصين في المنطقة، ولهذا يستعد المشرعون لاستصدار تشريعات تمكن الولايات المتحدة من الهيمنة البحرية، فقد قام السيناتور الديمقراطي جاكي روزن والنائبة الجمهورية كاثي ماكموريس رودجرز، بدعم من زملائهما أعضاء كتلة اتفاقيات أبراهام في الكونجرس، بتقديم قانون الهندسة البحرية والرد على الإرهاب الدولي في غرب آسيا (الشرق الأوسط)، فإن إجراء المتابعة سيسمح لوزارة الدفاع بإنشاء قدرة متكاملة للتوعية بالمجال البحري مع شركاء سنتكوم الإقليميين لحراسة مشتركة لبعض الممرات المائية التجارية الأكثر ازدحامًا في العالم في شبه الجزيرة العربية وما حولها. وبعد فترة وجيزة، قدم روزن مشروع قانون إضافيًا يعزز التعاون في غرب آسيا (الشرق الأوسط) بشأن تهديدات الأمن السيبراني، وهو النوع الذي استخدمته إيران لضرب الحكومة الألبانية في الصيف الماضي. يبدو أن لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ قد أدرجت نسختين من مشروعي القانون في قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2024، مما يضمن على الأرجح تمريرهما إلى قانون.
الهيمنة الأميركية البحرية هي الجانب والهدف الأكبر لاستراتيجية ردع الصين.
- هذه النتيجة هي النتيجة المرجوة لعملية حماس الأخيرة. والآن، يستخدم الأميركيون المساحة المفتوحة التي خلقتها الأزمة لترويج سياستهم التي تؤكد على فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران وزيادة القوة العسكرية الأميركية في المنطقة، وألغى بادين الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية التي كان قد وعد بها البلاد كجزء من اتفاقه لإطلاق سراح السجناء الأمريكيين.
- ردع الصين: تريد الصين إبراز صورة القوة العظمى المسؤولة والتي بدأت مع تطبيع العلاقات الإيرانية السعودية، من المؤكد أن المؤسسة العسكرية الصينية تنمو بشكل متزايد قوة وقدرة. ومع ذلك، فإن قدرة الصين على استعراض القوة العسكرية والعضلات الدبلوماسية في غرب آسيا (الشرق الأوسط) في بدايتها، وهو ما يستلزم (أميركيا) احتواء سريعا لحجم ونوعية الوجود الصيني في غرب آسيا (الشرق الأوسط) وتقييده بضوابط عسكرية.
تخشى الولايات المتحدة في إدراكها التهديد الصيني في غرب آسيا (الشرق الأوسط) من عدة أمور:
- الأمر الأول: استمرار دول الخليج ببيع النفط بغير الدولار، مع استمرار إلغاء الدولرة بانتظام في سياسات الخليج التجارية مع كل من روسيا والصين، سيما مع انضمام السعودية والإمارات المتحدة إلى منظمة بريكس بلس، بما يقوض سريعا نظام البترو دولار، وإذا ما أزاح اليوان الدولار إلى درجة كافية في تجارة النفط العالمية السنوية التي تبلغ قيمتها 14 تريليون دولار ـ على الرغم من صعوبة تحديد هذه الدرجة الكافية ـ فسوف يكون لزاماً على البلدان أن تحتفظ باحتياطيات اليوان بدلاً من ذلك. (في الوقت الحالي، 2.48% من الاحتياطيات العالمية مملوكة باليوان، مقارنة بـ 55% للدولار، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي)، وسيتعين على منتجي النفط الذين يحصلون على اليوان إنفاقه على الديون والواردات الصينية، مما يزيد من تعزيز الاقتصاد الصيني ويضعف الاقتصاد الأميركي أكثر.
- الأمر الثاني: بحث دول الخليج عن شريك أمني موثوق غير الولايات المتحدة إثر الخلافات التي ظهرت في حرب اليمن.
- الأمر الثالث: إنشاء قواعد عسكرية في المياه الإقليمية لدول غرب آسيا (الشرق الأوسط) ضمن استراتيجية (عقد اللؤلؤ)، وهنالك تقدير أميركي بأن جهود بكين في الإمارات تعد جزءًا من حملة طموحة يقوم بها جيش التحرير الصيني لبناء شبكة عسكرية عالمية تضم ما لا يقل عن خمس قواعد خارجية و10 مواقع دعم لوجستي بحلول عام 2030، وتقول الوثائق المسربة (واشنطن بوست) إن المسؤولين العسكريين الصينيين يطلقون على المبادرة اسم “المشروع 141”.
المعضلة الأميركية في علاقة الصين الشرق أوسطية: يؤدي تزايد النفوذ الصيني والطموحات الصينية في جميع أنحاء العالم إلى انخفاض الاهتمام الأمريكي بغرب آسيا (الشرق الأوسط)، الأمر الذي يحفز بدوره شركاء الولايات المتحدة الإقليميين على تعميق علاقاتهم مع بكين، الأمر الذي يؤدي بدوره إلى زيادة التوترات مع واشنطن، هذا وتختلف الأطراف الشرق أوسطية بشكل كبير في التهديد الذي تتصوره من بكين مقارنة بوجهة نظر الولايات المتحدة، التي تعتقد أنه لا يوجد تهديد أعظم من القوة الاقتصادية والعسكرية المتنامية للصين ونواياها الدولية، ومع ذلك، لا يرى شركاؤها في غرب آسيا (الشرق الأوسط) سوى تهديدات طفيفة من الصين، ومن الأرجح أن ينظروا إلى بكين باعتبارها شريكاً تجارياً قيماً وشريكاً سياسياً حميداً، بل ومفيداً، وثقلاً موازناً بين القوى العظمى في بعض الأحيان،
خاصة عندما يواجهون مطالب أميركية غير مريحة.
أرقام الاقتصاد تدل على حجم هيمنة أكبر: زادت الصين تجارتها مع المنطقة، في العام 2020، وحلت التجارة الثنائية محل الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى ذلك، أصبحت الصين
أكبر شريك تجاري غير نفطي لدولة الإمارات العربية المتحدة على مستوى العالم، وظلت الإمارات العربية المتحدة ثاني أكبر شريك تجاري للصين، وفي الوقت نفسه، احتلت اتفاقية التجارة الحرة مع أعضاء مجلس التعاون الخليجي مكانة عالية في قائمة الأجندة الدبلوماسية للصين، بالإضافة إلى ذلك، قامت بكين بتوسيع مشاريعها الاستثمارية في غرب آسيا (الشرق الأوسط) من خلال مبادرة الحزام والطريق (BRI)، التي أصبحت أداة حيوية للسياسة الخارجية الصينية، ويتمتع غرب آسيا (الشرق الأوسط) بأهمية خاصة بالنسبة للمسار البحري في مبادرة الحزام والطريق بسبب اعتماد الصين على واردات الطاقة. ووفقًا لتقرير الاستثمار في مبادرة الحزام والطريق الصينية لعام 2021، استهدفت غالبية المشاريع الاستثمارية الصينية في المبادرة منطقة غرب آسيا (الشرق الأوسط) وشمال أفريقيا. وفي العام 2022، وسعت دول غرب آسيا (الشرق الأوسط) تعاونها مع الصين وحصلت على حوالي 23% من المشاركة الصينية في المبادرة مقارنةً 16.5% في العام 2021، واستثمرت الصين في محطة بوابة البحر الأحمر -وهي مشروع مشترك بين موانئ الشحن الصينية كوسكو وصندوق الاستثمارات العامة في المملكة العربية السعودية لتطوير وتشغيل محطة حاويات في ميناء جدة الإسلامي -في حين تشمل المشاريع الأخرى تلك الموجودة في (منطقة تيدا في السويس- هيئة القناة وتشغيل محطة الميناء الجديدة في خليج حيفا)، وفي الوقت نفسه، كان العراق أكبر متلق لتمويل مبادرة الحزام والطريق الصينية لمشاريع البنية التحتية في عام 2021، بحوالي 10.5 مليار دولار في عقود البناء. كما سعت الصين إلى استثمار 10 مليارات دولار في مشاريع البنية التحتية في إقليم كردستان في شمال العراق، كما كان لاتفاقية “الشراكة الاستراتيجية الشاملة” بين إيران والصين أهمية كبيرة، والتي تقدر قيمتها بـ 400 مليار دولار، أي ما يعادل 10% من إجمالي ميزانية الصين لمبادرة الحزام والطريق، وتنص على التطوير المشترك (لميناء تشابهار ومحطة نفط جديدة بالقرب من إيران، وميناء جاسك جنوب مضيق هرمز)، ويشكل هذا تطورًا جديدًا مثيرًا نظرًا لأن الميناء كان تقليديًا بموجب عقد طويل الأجل مع الهند.
- ردع أي قوة من بناء قواعد بحرية في المتوسط، تخشى الولايات المتحدة من توسيع روسيا وجودها العسكري في شرق ليبيا، بما يمكن أن يؤدي إلى إنشاء قاعدة بحرية، مما يمنحها موطئ قدم كبير على عتبة أوروبا الجنوبية، سيما مع تزايد الاحتمالات للتوصل إلى اتفاق دفاعي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والقائد العسكري الليبي خليفة حفتر، كما تخشى الولايات المتحدة من تعاون صيني مع اليونان قد يؤدي مستقبلا إلى تواجد عسكري صيني فيها، في العام 2008، وقعت شركة كوسكو للشحن الصينية اتفاقاً مع الحكومة اليونانية لإدارة جزء كبير من ميناء بحر بيريوس، وفي العام 2016، طرحت الحكومة اليونانية مناقصة عامة للحصول على حصة قدرها 51% في هيئة ميناء بيريوس ، وتولت نفس الشركة الصينية الإدارة العامة للمنشأة، وفي العام 2021، قامت شركة كوسكو بزيادة حصتها في اتفاقية شراء الطاقة إلى 67%.
من هنا نستطيع فهم أسباب تركيز تحشيد القوات الأميركية في اليونان في إطار التصعيد شرق المتوسط.
بالنتيجة نجد :
- معايرة الولايات المتحدة لطبيعة انتشارها أكبر من أجندات “إسرائيل” في حرب غزة.
- معايرة الولايات المتحدة لطبيعة انتشارها تنطلق من عدم الدخول مع إيران في مواجهة مفتوحة، تفقدها دوافع الانتشار الذي هو بطبيعته ردعي للصين وروسيا.
- المعايرة الأميركية تنطلق من قطع الطريق على المبادرات الدولية لحل أزمة الحرب وترك الملف برمته بيدها.
- المعايرة تنطلق من ضرورة رأب الصدع مع حلفاء واشنطن في المنطقة.
- المعايرة تنطلق من أن إنهاء ملف غزة رهن بالتطورات الميدانية وموقف الأطراف الإقليمية.
- المعايرة تفترض أن المواجهة الشاملة رهن بدخول إيران الحرب أو انكسار “إسرائيل” في غزة.
- المعايرة تنطلق من ان أي معركة مع إيران جزئية هي لرسم قواعد الاشتباك الجديدة وفق الانتشار الأميركي الجديد.
مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية
هو أوّل مركز من نوعه في لبنان، وفي العالم العربي، لجهة طبيعة معالجة موضوعاته، حيث يقوم على المزاوجة بين النظريات التفسيرية في العلوم السياسية والعلاقات الدولية وقواعد “الأنتروستراتيجيا” التي أسّسها القيّمون على المركز، كمنظور جديد لتفسير واستقراء الأحداث السياسية والاجتماعية الدولية.
يعمل المركز كقاعدة إنذار مبكر يستبق التفاعلات الدولية قبل حدوثها، من خلال استقراءه للبيئة الاستراتيجية للتكتلات الأقليمية والدولية ودراستها وتحليلها وتوقّع نتائجها.
للتواصل:
- هاتف 0096170122332
- بريد الكتروني info@caslb.com