تقدير مواقف
جنوب لبنان، جبهتين، لمقاومتين والعدو واحد.
في تطورٍ عسكريٍّ لافت، أُطلقت، (6/4/2023)، 34 قذيفة صاروخية من طراز «كاتيوشا»، من مواقع في جنوب لبنان، باتجاه بلدات ومستوطنات في شمال فلسطين المحتلة.
ملاحظات أولية.
- رسمياً… لا تبني رسمي للعملية، أما تحليلياً فالأرجح فصائل فلسطينية هي ّمن نفذ ذلك.
- تعدّ أعداد الصواريخ تطوراً كبيراً، من ناحية العدد والجبهة التي أطلقت منها.
- تعدّ رداً على الأحداث الأمنية الخطيرة التي تشهدها القدس المحتلة والمسجد الأقصى المبارك.
- كان لافتاً ردّ الفعل الشعبيّ داخل فلسطين، الذي عقّد حسابات الردّ الإسرائيلي.
ما الذي يميز هذه العملية عن غيرها من العمليات؟
أولاً: الجبهة.
فالجنوب اللبناني كان لسنواتٍ جبهةً هادئةً منذ العام 2006 بين “حزب الله” و”إسرائيل”، أمّا اليوم فبات جبهةً فلسطينيةً إسرائيليةً، ربما تشتعل، وتشعل معها لبنان والمنطقة بأيّ لحظةٍ.
ثانياً: معادلة الصراع.
تعدّ تعبيراً عن معادلة وحدة الساحات ا الأرض، من الأقصى إلى الضفة الغربية وغور الأردن وغزة إلى جنوب لبنان.
ثالثاً: التسلسل الدراماتيكي للأحداث:
فالضربة الصاروخية أتت بعد عملية مجيدو، والرشقات الصاروخية من قطاع غزة، وإطلاق طائرة مسيرة نحو العمق الإسرائيليّ، وهذا يشير إلى تآكل الردع الإسرائيلي، وثقة عالية بالنفس للمقاومة.
أيّ رسائل صاروخية أرادت المقاومة الفلسطينية إيصالها:
المقاومة في فلسطين أرادت معركة محدودة، أرسلت فيها رسائل محددة:
لبنان جبهة فلسطينية جديدة |
- المساس بالأقصى دونه حربٌ كبرى.
- أيّ حربٍ قادمةٍ، المقاومة الفلسطينية ستضرب من لبنان.
- العمليات تتضمن استخدام سلاحٍ جديدٍ.
- وربما كان أحد الأهداف من استخدام الساحة اللبنانية، أن أي مساس ((بالأقصى تحديداً)) يعني أن المقاومة اللبنانية (ربما) ستكون حاضرة بالرد، ويُرجّح أن ردّ “حزب الله” سيكون مشروطاً بتجاوز “إسرائيل” الخطوط الحمراء لقواعد الاشتباك عند الحدود، خصوصاً بعد ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في أكتوبر/تشرين الأول 2022.
ما الذي يعنيه وجود المقاومة الفلسطينية في لبنان، وإطلاقها العنان لفعل المقاومة انطلاقاً من لبنان؟
وجهين
سلبي وإيجابي |
أصبحت لبنان ملاذاً لقادة تنظيمات المقاومة فلسطينية، الذين لجأ العديد منهم إلى بيروت بعد أن دفعتهم التطورات السياسية الإقليمية إلى الخروج من قطر وتركيا، ويبدو لأول مرةٍ أن تنظيمات فلسطينيةٍ تبني تواجدًا عسكريًا في لبنان، وهو ما أشار اليه تقرير إعلامي إسرائيلي في 3 كانون الأول (ديسمبر)، زعم أن “حماس أنشأت بهدوء فرعًا لبنانيًا لحركتها التي تتخذ من غزة مقراً لها”، وأن “الفرع يقع في مدينة صور على الساحل اللبناني”.
وهذا الأمر له وجهين الأول إيجابي والثاني سلبي:
- فالإيجابي هو خلق جبهةٍ موحدةٍ مع الحلفاء الإقليميين ضدّ الكيان الإسرائيليّ.
- أما السلبيّ فينبع من تخوف الفصائل الفلسطينية من خطوة حماس الذي قد يفسّر بأنّه محاولةٌ حمساوية للسيطرة على المخيمات الفلسطينية في لبنان من شأنها أن تزعزع ميزان القوى بين الفصائل المختلفة.
- والنقطة السلبية الثانية زيادة حدّة الاحتقان اللبناني من المخيمات الفلسطينية والخشية من جرّ لبنان إلى حروبٍ جديدة.
كيف ترى “إسرائيل” الأمر؟
تقدر “إسرائيل” أنّ تواجد حماس في لبنان يمكنّها من إنشاء تهديدِ ضدّ إسرائيل من الشمال نظرًا لقدرتها المحدودة على تهديدها من غزة في الجنوب بسبب الحصار الذي تفرضه “إسرائيل” والضغط المستمر من مصر، مع العلم أن الضفة الغربية هي الجبهة الرئيسة لحماس ضدّ “إسرائيل”.
وبالتالي حماس باتت قادرةً على تشكيل تهديدٍ عملياتيّ ضدّ “إسرائيل” بما يكفي لتعطيل الحياة في الجليل الفلسطيني، ومع ذلك، إذا أُجبروا على الانخراط في اشتباكٍ مسلحٍ مع “إسرائيل”، وشعروا أنّ سيطرتهم على غزة مهددة، فقد تستخدم حماس وجودها في جنوب لبنان لحشد دعم “حزب الله” وربما حتى جرّ الجيش اللبناني إلى مواجهاتٍ مع “إسرائيل”.
حربٌ قادمة |
في الختام
فتح جبهتين على “إسرائيل” شمالاً يعني تغيٌر في معادلة الصراع، ومن المؤكد أنّ الجهد العسكري “الإسرائيليّ” سيركز في المدى المتوسط على إعاقة تشكيل بنيةٍ عسكريةٍ جديدةٍ لحماس أو غيرها من الفصائل الفلسطينية في لبنان، وقد يستخدم أسلوب المواجهة العسكرية المباشرة (حرب استباقية)، أو افتعال أزماتٍ سياسيةٍ عاصفةٍ داخل لبنان، وربما السيناريوين في آنّ.
وهو ما يستدعي بلورة استراتيجية مواجهةٍ محددةٍ بين قوى المقاومة في لبنان (والمقاومة والقوى الفلسطينية)، منعاً من انزلاق البلد نحو الأزمات بما فيها سيناريو الاقتتال الأهليّ.