تقدير مواقف
تقدير موقف: احتجاز ناقلة النفط البريطانية رد إيراني متوقع يغطّي عجز الدبلوماسية الأمريكية.
أعلن الحرس الثوري الإيراني 19/07/2019، احتجاز ناقلة “ستينا إمبيرو” النفطية البريطانية في مضيق هرمز، التي تعود ملكيتها لشركة “ستينا بولك” السويدية، بينما احتجز ناقلة ثانية تحمل اسم “مسدار” في ذات اليوم، والتي تديرها شركة بريطانية وتحمل علم ليبيريا، قبل أن يعيد إطلاق سراحها بعد عدة ساعات فقط، ويأتي احتجاز الناقلتين تحت مبررات قوانين الملاحة الدولية، والتي تعتبر إيران أنّ الناقلتين قد خرقتا القوانين بنسب متفاوتة، لتُبقي على الأولى قيد الاحتجاز، وتطلق سراح الثانية.
ولم تُخفِ طهران أنّ الغاية الأساسية من العملية هي الرد على ما أسمته القرصنة البريطانية في مضيق جبل طارق، والتي أدت إلى احتجاز ناقلة “غريس-1” الإيرانية المبحرة تحت علم دولة بنما، والمتوجهة إلى سورية.
ويقدّر مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية الاحتجاز الإيراني للناقلة النفطية، في إطار إظهار القوة الإيرانية أمام الدول الكبرى، والسعي نحو ترسيخ مصداقية عالية للقرارات والوعود التي تطلقها القيادة الإيرانية من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ تبعات عملية الاحتجاز ستعزز موقف واشنطن، ومبادرتها بتشكيل قوة بحرية مشتركة لتقويض النفوذ الإيراني في المضيق. وقد قدّر المركز سابقاً استمرار الاستفزاز المقصود لإيران للدفع نحو تشكيل القوة البحرية المشتركة، ضد ما تصفه واشنطن بالنشاط المزعزع للاستقرار في مضيق هرمز كجزء من تطور مسار المواجهة الإيرانية الأمريكية في الخليج، تحت تقديرات بعنوان: (أزمة استهداف الناقلات النفطية: طبيعتها-الأطراف المتورطة-مستقبلها)، (إسقاط الحرس الثوري طائرة أمريكية: إحباط سيناريو وإطلاق آخر).
وفي حين يأتي رد الفعل الإيراني تحت مبرر قانوني من النادر ما يتم تطبيقه بهذه الشاكلة عادةً، إلا أنّ العملية التي قامت بها إيران، كانت تهدف إلى زيادة وزن الكلمة في التصريحات الإيرانية، لتكون طهران طرفاً يفعل ما يقول دون تردد، ودون مواربة، الأمر الذي من شأنه أن يعزز تلاحم الجبهة الداخلية الإيرانية تحت قيادته، ومن شأنه أيضاً أن يمتّن بنية الخطاب السياسي الإيراني على المستوى الداخلي، أمام الحرب الدعائية والإعلامية الأمريكية والإسرائيلية، وعلى المستوى الخارجي، نحو تشكيل هاجس للإدارة الأمريكية من مخاطر تجاوز أي خطوط حمراء تعلنها القيادة الإيرانية.
نجاح عملية الاحتجاز بكفاءة عالية ودون وقوع أي صدام مباشر، عزّز فعلياً الخطاب الإيراني وعلى المستويين السابقين، إلا أنّ السياق الكلي للمواجهة والذي تُعدّ عملية الاحتجاز جزءاً منه، هو سياق أمريكي بالمرتبة الأولى، انضوت بريطانيا به فيما بعد، ويرتكز هذا السياق على قياس سلسلة ردود الفعل واستجابتها المتوقعة من طهران على كل استفزاز أو عمل محفّز للاستجابة، بحيث توظف ردود الفعل الإيرانية لتشويه صوة طهران، بخطة معدّة مسبقاً، كتمظهر جديد لصراع الخير والشر في مخيلة الشعوب والدول الليبرالية، تُفضي في محصلتها إلى رصّ صفوف هذه القوى، خاصة بعد تراجع الدور الريادي لواشنطن في قيادة العالم الليبرالي، وتراجع مفعول وقدرة الدبلوماسية التقليدية الأمريكية في ظل الدبلوماسية الشعبوية للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، بالتالي حدث احتجاز الناقلة النفطية البريطانية رد فعل متوقع من قبل القاصي والداني، يجعل مسار السياسة الإيرانية وطريقة معالجتها للاستفزازات، مسارًا مقروءًا وواضحًا للجميع، بحيث يمكن البناء عليه من قبل كل من واشنطن وحلفائها، ما يُعدّ أمراً سلبياً في ظل تفاوت القدرات العسكرية بين إيران من ناحية، ودول التحالف من ناحية ثانية.
أي أنّ النتيجة السياقية لاحتجاز الناقلة البريطانية، ستمكّن لندن وواشنطن من حصد دفعة قوية جديدة نحو تشكيل القوة البحرية المشتركة لحماية المضائق، بحيث تستطيع هذه الدفعة حسم التردد في المشاركة لدى الكثير من الدول كاليابان التي تؤيد حكومتها إرسال قطع بحرية عسكرية والمشاركة في حماية حرية الملاحة، وتواجه مخاوف من رد فعل الأحزاب المعارضة للحكومة، الأمر الذي سيعزز ميزان القوة الأمريكي في الخليج، بشكل فائق للردع، وكاسر لتوازن الرعب في المنطقة، بالتالي تحصد إيران محصلة ردود أفعالها في السياق العام بنتائج غير مرغوبة تشكل تهديدًا للأمن القومي الإيراني.