web analytics
تقدير مواقف

تقدير موقف: زيارة الرئيس الصيني لكوريا الشمالية تفويض مزدوج ونمذجة صينية للملفات المشابهة!!

 

في إطار زيارة الرئيس الصيني لبيونغ يانغ عاصمة كوريا الشمالية التي بدأت 20/06/2019 واستمرت ليومين كاملين، في زيارة هي الأولى من نوعها لرئيس صيني منذ 14 عاماً، يقدّر مركز الدراسات والأبحاث الأنترواستراتيجية هذه الزيارة في سياق السعي الصيني للسيطرة على مكاسب وعوائد أي اتفاق أمريكي مع كوريا الشمالية بعد الدفع باتجاهه، كما تعد هذه الزيارة علامة فارقة في السياسة الخارجية الصينية في مواجهة واشنطن وأجنداتها في بحر الصين الشرقي، وفي الملفات المشابهة.

حيث بدأت بكين تنتهج سياسة خارجية تعتمد على تفريغ محتوى السياسات الأمريكية المعادية، لتتوافق معها من حيث الشكل وتستجر المضمون لصالح الصين ومشاريعها الاستراتيجية، فبعد أن طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الرئيس الصيني الحضور في قمة العشرين مستخدماً خطاب التهديد الاقتصادي في سبيل ذلك، أعلنت الصين مشاركة رئيسها في القمة، وسبقتها بزيارة تاريخية لبيونغ يانغ تحت عنوان دفع الجهود الدبلوماسية المتعثرة بين بيونغ يانغ وواشنطن، في رسالة قاسية للإدارة الأمريكية شبيهة بالرسالة التي أرسلتها بكين بزيارة الرئيس الصيني لمعامل إنتاج المعادن النادرة، عندما توعدت واشنطن فرض المزيد من الرسوم على البضائع الصينية، كلا الزيارتين حملتا رسالتين قاسيتين بأسلوب ناعم، حول قدرة الصين على تعطيل أهم إنجازات الإدارة الأمريكية، وضرب صورة التفوق التي تسعى إليه بالعمق، فلا الصناعات التكنولوجية المعقدة تستطيع الاستمرار بدون تصدير المعادن النادرة اللازمة لهذه الصناعة من الصين، ولا حتى جهود ترامب وإدارته بالتوصل إلى أي إنجاز في الملف الكوري الشمالي يدعم بقاء ترامب لدورة جديدة، والذي بطبيعة الحال له تأثير على مستقبل أي تفاهمات ممكن أن تنشأ بين واشنطن وطهران بحكم تشابه الملفين.

 

الزيارة الرئاسية الصينية لكوريا الشمالية  شكلت ورقة ضغط إضافية سيستخدمها الرئيس الصيني للضغط على ترامب في محادثاتهما المرتقبة على هامش قمة العشرين القادمة في أوساكا اليابانية، لتجزئة الملف التفاوضي بين بيونغ يانغ وواشنطن، بشكل خطوات متبادلة يقوم بها الطرفان تضمن صدق النوايا، وليس بالشكل الحالي القائم على تطبيق بيونغ يانغ لكل شيء وانتظار رحمة القرار الأمريكي، بالتالي أصبحت الزيارة الصينية بمثابة توكيل رسمي من الزعيم الكوري الشمالي “كيم جونغ أون” للصين بالتفاوض والضغط بالنيابه عنه أمام ترامب، وفي ذات الوقت تفويض غير مباشر من الصين لبيونغ يانغ بالاتفاق المسبق على أي تصعيد مستقبلي، مع إبقاء الصين لبوابتها التفاوضية مفتوحة، والذي من المتوقع إطلاقه في أكثر الأوقات حرجاً على الإدارة الأمريكية الحالية في سباقها الانتخابي، في حال عدم رضوخ ترامب لمطالب كل من بكين وبيونغ يانغ.

 بمعنى آخر عكس موقف ترامب القوي الضاغط على كل ملف على حدى، بموقف صيني-كوري شمالي مشترك يقوم على توحيد الجهود لممارسة أقسى أنواع الضغط المشتركة على ترامب.

تفاصيل التفاهمات الصينية-الكورية الشمالية:

يقدّر مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية تفاصيل التفاهمات الثنائية تحت فصلين:

 

الفصل الأول (التفاهمات الأمنية): حيث قدمت بكين ضمانات أمنية لبيونغ يانغ في سبيل حماية النظام الشيوعي ضد أي تهديد أو اعتداء أمريكي، في حال نزع السلاح النووي الكوري الشمالي، وتحقيق التوازن الاستراتيجي مع القوة النووية الأمريكية بالقوة النووية الصينية، وبالمقابل تنسق بيونغ يانغ كل خطواتها التصعيدية ضد واشنطن مع الصين في الحالات الاضطرارية حسب التقدير الصيني، لاستخدامها لمصالح الطرفين معاً.

 

الفصل الثاني (التفاهمات الاقتصادية): حيث اتفق الطرفان على أولوية بكين على واشنطن في اي استثمار، أو إطلاق لمسار النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، في حال نجاح المبادرة الأمريكية بموافقة كوريا الشمالية، وإلغاء العقوبات الاقتصادية ضد بيونغ يانغ، مقابل قروض وامتيازات سعرية تحصل عليها كوريا الشمالية من الصين، تعوض فيها الصين الوارد المقتطع من الرسوم الأمريكية ضد الصادرات الصينية.

 

تفاهمات من هذا النوع تكون فيها دولة بحجم وقوة الصين طرفاً أساسياً وراعياً لها، لا تعد فقط تفاهمات ثنائية بنطاق إقليمي محدود، وإنما مؤشر مهم لتوجهات وأسس السياسة الخارجية الصينية تشير بالدرجة الأولى إلى إمكانية تطبيق ذات الأسلوب في الملفات المشابهة، كالملف الإيراني على سبيل المثال، حيث ضغطت هذه الزيارة بشكل غير مباشر على رد الفعل الأمريكي تجاه إسقاط الطائرة الأمريكية المسيرة من قبل الحرس الثوري الإيراني، ومن المتوقع في ذات السياق أن تتجه الصين في حال نجاح تجربتها مع كوريا الشمالية، لتطبيق ذات النموذج مع إيران ضد الولايات المتحدة الأمريكية، ضمن استراتيجية محدثة تجعل الصين صاحبة اليد العليا في الملفات الملتهبة والشائكة بشكل يمنحها نفوذاً وقوة ضاغطة جديدة تمكنها من التصدي للاستراتيجية التقويضية الأمريكية ضد الصين.

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق