تقدير مواقف
تقدير موقف: دمج استراتيجي جديد يهدد مكانة واشنطن عالمياً!
في حدث مفصلي بتاريخ العلاقات الدولية وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ في موسكو عدة اتفاقيات تعاون ثنائية، هذا الحدث كان نتيجة جلسة ثنائية بين الرئيسين اتفقا من خلالها على دمج الرؤية الصينية المتمثلة بطريق الحرير الجديد والرؤية الروسية للفضاء الاقتصادي الأورواسي، ما يعني إنتاج رؤية جديدة موحدة بين الطرفين، وهو الذي يتطلب بالضرورة دمج الاستراتيجية العامة لكلا البلدين.
هذه الخطوة المشتركة أدت إلى تعميق التحالف بشكل لايقبل الشك في العلاقة بين الطرفين، مع السعي الحثيث لإنهاء حالة الشك وعدم اليقين المتبادل، كما أنها تشكل صفعة مؤلمة للمساعي الأمريكية من قبل موسكو لفكيك الصيغة الدولية الحالية المتمثلة بالصعود الصيني بمشروعه المنفصل والروسي برؤيته الأوراسية، حيث كانت قد عدلت واشنطن باستراتيجيتها لتعتبر الصين بنظامها السياسي الاقتصادي نظام مشوه، مقابل اعتبار النظام الروسي جزء من الحضارة الغربية، في مسعى لبناء شراكة مع موسكو في مواجهة الصين، وهو ما بدا جلياً من خلال اللقاءات والاتصالات الأمريكية بالروس سواءً ترامب أم وزير خارجيته في 6/05/2019 وتوصيف الصين بالخطر الجيواستراتيجي.
وكانت واشنطن قد حاكت ضد الصين مخططاً كاملاً مؤلفاً من ثلاث أنواع من المواجهة تبدأ بالتجارية لتبطيء نسب النمو الصينية وتنتقل إلى افتعال الأزمات الجيوسياسية في محيط الصين كنوع ثاني كزيادة تسليح جزيرة تايوان ذات الحكم الذاتي والتي تعتبرها الصين جزء من أراضيها وتنتهي بتسليح البيئة بالضغط الأمريكي على الغلاف الجوي من خلال إطلاق الغازات الدفيئة والانسحاب من اتفاقية المناخ ليتحول هذا الضغط بدوره على سوق الطاقة الصيني كونه أكبر سوق يشهد نمواً في الطلب على الطاقة في الكوكب.
كل هذا يتطلب جر روسيا نحو واشنطن في اعتبار الصين الخطر الأكبر وبناء تحالف على أساس نبذ الخلافات الدينية (الأرثذوكسية-البروتستانتية الأنجيلية) والخلافات الاستراتيجية في منطقة أوراسيا والملفات الساخنة كسورية وأفغانستان وإيران وغيرها.
لكن وعي القيادة الروسية لنمط التحالفات الأمريكية السوفيتية السابقة حال دون الوقوع في نفس الفخ، حيث تحالفت واشنطن مع السوفييت ضد النازية سابقاً، ومن ثم أعادت التحالف مع الصين ضد السوفييت، والآن تريد التحالف مع وريث السوفييت ضد الصين وهكذا دواليك حتى تنهي الإدارة الأمريكية أي خطر كبير صاعد على مكانتها العالمية.
ومن أكبر المعوقات التي تواجه روسيا والصين كلاً على حدى، هو أن الرؤية الصينية لاتسعة لعالم متعدد أقطاب على عكس الروسية، وإنما تسعى بكين إلى النمو اللامحدود ووصل الكرة الأرضية بكاملها بطرق تجارية تغذيها المنتجات الصينية وصولاً إلى تحولها إلى معمل العالم وبنكه الأكبر، أي استحلال مكان الولايات المتحدة الأمريكية عالمياً وليس بناء شراكات أو عالم متعدد أقطاب.
بينما لاتستطيع روسيا الاندماج مع الاستراتيجية الصينية المتمثلة بطريق الحرير الجديد، حتى ولو أرادت الصين ذلك وأبدت حسن نية كما شهدنا في اللقاء الذي نتحدث عنه، إلا في حال دمج الرؤية بشكل كامل، كون روسيا إلى اليوم لاتستطيع تحقيق المنافسة العادلة أمام القوة والضخامة الانتاجية الصينية، وليست أكثر من مورد مواد طبيعية بالنسبة للصين، وهو ما كانت تعول عليه أمريكا بقوة.
إدراك الرئيس الصيني شي جين بينغ المخاطر الاستراتيجية وقدرت النظام الصيني على رؤية المخاطر الاستراتيجية المقبلة، دفع بالصين صاحبة النظام الشيوعي الجامد إلى المرونة وتعديل رؤيتها بالشراكة مع روسيا لتندمج استراتيجيتي البلدين بمشروع جيواستراتيجي جديد يمثل عهداً جديداً لمفهوم الأوراسية التي امتدت في هذا الاندماج وتوسعت لتشمل كل القارة الآسيوية والقارة الأوروبية تحت اعتراف بأنها قارة واحدة بالمطلق.
بعد هذا المتغير الكبير ستصبح حسابات البيت الأبيض أكثر تعقيداً وأكثر عدوانية بشكل يدفع جنون الإدارة الأمريكية في هذا التوقيت بالتحديد إلى تقصد استهداف الأمن والسلم الدولي على مستوى كل العالم في حال فشلت في اعادة استمالة موسكو بالكامل.
لا يزال مفتاح الجحيم في هذا الكوكب في يد موسكو و طريقة إدارة تحالفاتها.