تقدير مواقف
تقدير موقف: طرف ثالث خلف اغتيال نائب القنصل التركي في أربيل.
أعلنت وزارة الخارجية التركية، عن مقتل أحد موظفي قنصليتها في مدينة أربيل العراقية، جراء هجوم بأسلحة مزودة بكواتم صوت على نائب القنصل التركي في أربيل، أثناء تواجده خارج مبنى القنصلية، في 17/07/2019، وهروب منفذي العملية، وقد نفى حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عن الحادث، وفضل الجانب التركي انتظار نتائج التحقيق، وفي هذا السياق يرى مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية أن الجريمة الواقعة في أربيل هي اغتيال سياسي، يهدف إلى جرّ الدول المعنية في هذا الاغتيال (تركيا-الولايات المتحدة الأمريكية) لردود أفعال وتبادل اتهامات مدروسة ومخطط لها مسبقاً، من قبل طرف ثالث، لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية على مستوى الملفات المستعصية في المنطقة.
يتضح من طريقة تنفيذ الاغتيال، أن العملية معدة مسبقاً ومخطط لها، وليست عملية جنائية عابرة، خاصة أن منفذي العملية لاذو بالفرار في أقل من دقيقتين بعد إطلاق النار على الدبلوماسي التركي، ما يشير إلى أن الاغتيال هو عملية استخباراتية بشكل بحت، نظّم وحضر له بدقة عالية من قبل جهاز استخباراتي تابعة لأحد دول المنطقة، ونفذ من قبل مجموعة مسلحة معادية لتركيا.
هوية الجهة المنفذة:
طبيعة الاستهداف ومكانه الجغرافي يرشح حزب العمال الكردستاني لأن يكون رأس الحربة والمنفذ لهذه العملية، إلا أن الحزب سارع لإخلاء مسؤوليته عن الحادث، في سلوك غير اضطراري من قبل حزب PKK””، والذي عادة يجاهر بإنجازاته العسكرية ضد تركيا في أثناء المواجهة بينهما.
وما يدفع إلى استبعاد حزب “PKK” كمنفذ، مساعي الحزب نفسه إلى تجنيب أربيل أي ضغط من الممكن أن يمارس عليها ويعزز الاتهامات ضدها، بغض النظر عن نشاط حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، وبالتالي جرار عدو وفتح جبهة ضد البشمركة من الخلف، الأمر الذي من الممكن أن يضع قوات “PKK” في أزمة حقيقية وحصار خانق.
الجهة الأخرى المرشحة للعب هذا الدور هي القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية في سورية، حيث ترفض قوات سورية الديمقراطية أي دور تصالحي مع تركيا، وتقف ضد الجهود الأمريكية في تحويل قوات سورية الديمقراطية إلى كيان صديق للأتراك،
وتبدي تخوفاً واضحة من استبدال القوات الأمريكية بقوات أوروبية في شرق سورية، كعامل ممكن أن يشجع بدء عملية عسكرية تركية في الشمال السوري، الأمر الذي يجعل من قوات سورية الديمقراطية أحد الأدوات الجاهزة والمناسبة لتنفيذ عملية الاغتيال.
هوية الجهة المخططة للاغتيال:
تعمل الجهة المخططة للعملية على جلب سلسلة من ردود الفعل كأثر ناتج عن الاغتيال، وتهدف من خلالها تعديل وضع الملفات في المنطقة، والضغط على سياسات الدول وأجنداتها بالنتيجة.
أهم الأهداف التي تسعى الجهة المخططة لتحقيقها:
- تأزيم العلاقة الأمريكية التركية: وذلك على خلفية ملف دعم الأكراد في شرق سورية، بالتالي دفع أنقرة على مواجهة أمر واقع، بضرورة الرد على عملية الاغتيال، وإعادة تنشيط مقترح العملية التركية في الشمال السوري، خاصة بعد وصول منظومة إس-400 الروسية إلى تركيا، الأمر الذي سيعطل انسحاب القوات الأمريكية، وسيدخل العلاقة التركية الأمريكية في أزمة جديدة وتوتر متصاعد يضاف إلى التوتر الحالي.
- إنهاء وعرقلة مسار التصالح الخليجي الإخواني: حيث تسعى أنقرة والرياض إلى إيجاد مخرج للأزمة فيما بينهما، والوصول إلى حلول وسطية بين الطرفين، وتخفيض من حدة المسار التصادمي، والذي يرخي بظلاله على كل من السودان وليبيا، من خلال توقيع الاتفاق السياسي بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير في السودان رغم هشاشته، والبيان السداسي لكل من (فرنسا وبريطانيا ومصر والإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة وإيطاليا) الداعي إلى وقف القتال حول العاصمة الليبية طرابلس، بالتالي تهدف الجهة المنفذة إلى عرقلة المسار التصالحي، من خلال إعادة ملف الدعم الإماراتي والسعودي لقوات سورية الديمقراطية في الشرق السوري إلى الواجهة.
- عرقلة الجهود الأمريكية في تشكيل الناتو العربي: فمجرد عودة ملف الأكراد إلى الواجهة وانتهاء أي مساعي لمنع التصادم الخليجي الإخواني، سينتهي معها الأمل في تشكيل تحالف عسكري بين دول الخليج العربية، بسبب الأزمة الخليجية، وتعذر تجاوزها نحو أي نوع من أنواع التعاون العسكري، والهادف بالأصل إلى التصدي لإيران.
هذه النتائج المترتبة على عملية الاغتيال تضيّق دائرة الاتهام لتشمل إيران، والكيان الإسرائيلي، إلا أن ضلوع إيران خلف هذه العملية أمر مستبعد لسببين:
الأول: من جهة التخطيط والتنفيذ بسبب عدم قدرة إيران على الوصول إلى قوات سورية الديمقراطية وعقد مثل هكذا مخطط استخباراتي معها، ما يعني في مثل هذا السيناريو أن إيران في موقع المخطط والمنفذ للعملية على يد الحرس الثوري، والتي ستتطلب تنسيقاً مسبقاً مع حكومة أربيل، التي لا مصلحة لها بهذا النوع من الاتفاقيات، لحرف نتائج التحقيق نحو قوات سورية الديمقراطية، لحصد الأهداف المطلوبة.
الثاني: من جهة الآثار المترتبة مع النتائج المطلوبة، فليس من مصلحة طهران بأي شكل من الإشكال، ولا حتى من مصلحة الدولة السورية كحليف أساسي لإيران، الإبقاء على الوجود الأمريكي في سورية، وعرقلة استبداله بقوات أوروبية تتشارك معها علاقات جيدة نسبياً، كما أن إفقاد الولايات المتحدة الأمريكية القدرة على رأب الصدع الخليجي، والذي سيحتاج بطبيعته إلى وقت طويل نسبياً، سيدفع بواشنطن لتطبيق سيناريو أسرع وأكثر خطورة ضد طهران، والمتمثل بالقوات البحرية المشتركة لحماية الملاحة في مضيق هرمز، خاصة مع إعلان “برايان هوك” المبعوث الأمريكي لشؤون إيران عن اجتماعاً دولياً لبحث “مواجهة التهديد الإيراني” في منطقة الخليج.
ما يترك بالضرورة طرفاً وحيداً على قائمة الاتهام وهو الكيان الإسرائيلي، والتي تستطيع استخباراتها التواصل مع قوات سورية الديمقراطية بكل سهولة، إضافة إلى سعي الحكومة الإسرائيلية إلى عرقلة الانسحاب الأمريكي من سورية، بشتى الطرق والوسائل المتاحة، كما ترفض بشكل مطلق المبادرة الأمريكية بإنشاء ناتو عربي يملأ الفراغ الناجم عن الانسحاب الأمريكي، وتشجع تشكيل قوات بحرية دولية لمواجهة طهران، كخيار أكثر أماناً من توحيد القوة العسكرية للعرب في محيطها، بظل الغياب الأمريكي، الأمر الذي يتطلب عملية اغتيال من هذا النوع ضد تركيا، لتواصل الحكومة الإسرائيلية فيما بعد العمل على تعميق الشرخ بين أنقرة وواشنطن من جهة، وبين أنقرة ودول الاتحاد الأوروبي مع مصر من جهة أخرى.
صحة هذا السيناريو والأطراف التي تقف خلفه مع أهدافها، تتعلق بشكل مباشر بنتائج التحقيق في عملية الاغتيال، وبالطرف الذي ستوجه له تركيا تهمة التنفيذ، بعد عدة أيام من الآن.