تقدير مواقف
تقدير موقف: (الاستئصال الجيوسياسي) أجندة أمريكية تحكم مستقبل سورية وانتخاباتها.
في سياق زيارة الوزير السعودي ثامر السبهان إلى سورية 13/06/2019 واجتماعه في حقل العمر النفطي في محافظة دير الزور شرقي سورية مع نائب وزير الخارجية الأمريكي، جويل رابيون، والمستشار الرئيسي لقوات التحالف الدولي، ويليام روباك، وعددا من شيوخ ووجهاء وإداريين من قبائل ومجالس المنطقة، وفي إطار زيارة وفد سعودي أمريكي مشترك لمدينة الرقة ومطار الطبقة العسكري، بالإضافة إلى فريق إعلامي إسرائيلي من القناة 12 العبرية (الثانية سابقاً) عمل على إعداد تقارير عن مدينة الرقة بالتنسيق مع فصائل “قسد” التابعة لقوات جيش الاحتلال الأمريكي، يقدّر مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية الإجراءات الأمريكية السعودية المشتركة في سورية ضمن مشروع الاستئصال الجيوسياسي للجغرافية السورية، حيث تعمل واشنطن على استصلاح فشل استراتيجية الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما في مواجهة الصين، الناتج عن فشل الانسحاب الأمريكي الذي كان مقرراً بعد تطبيق مشروع الربيع العربي في عام 2011، والاستعصاء العسكري الذي عانت منه واشنطن في الشرق الأوسط بسبب تحول موقف تركيا من وكيل أمريكي في المنطقة، إلى ربط حكومات الإخوان الجديدة وإحياء الإمبراطورية العثمانية بها، إضافةً إلى تمدد النفوذ الإيراني، وظهور تنظيم داعش.
هذا الاستعصاء دفع وشنطن إلى اعتماد الرياض مركزاً لثورات مضادة على الإخوان والذي شكل أحد نتائجه القطيعة مع تركيا وقطر، ودفع بالملف السوري إلى مزيد من التعقيد، ودفع بالساحة السورية إلى ساحة صراع بين غرفة عمليات تركية وفصائل تابعة لها، وغرفة عمليات سعودية على ذات الشاكلة، حتى تم إنهاء ملف الفصائل السعودية في محيط دمشق والجنوب السوري باتفاق روسي-تركي-إيراني، وسحب الفصائل التركية إلى الشمال.
لكن النفوذ السعودي في سورية لم ينته بالكامل وذلك بسبب جهود التحالف الدولي الذي قادته واشنطن في محاربة داعش، في الشمال الشرقي من سورية وإقامة قاعدة التنف على مثلث الحدود العراقية الأردنية السورية لحماية الخليج من أي توجه لداعش جنوباً بعملية مولتها السعودية والإمارات لإنشاء قوات سورية الديمقراطية، وتسليم قيادتها للأكراد، منعاً لأي تحالف يمكن أن ينشأ بين القوات الجديدة وتركيا، على شاكلة تحالف النصرة مع تركيا على حساب علاقتها مع السعودية، وهو ما حول قسد إلى وريث داعش في المنطقة بعد فشل واشنطن في الاستثمار بداعش لتوجيهه نحو التمدد باتجاه تركيا وروسيا والصين، وتحولها نحو القضاء عليه نهائياً خوفاً من العمليات الروسية السورية الإيرانية المشتركة ضد داعش من أن تودي بسيطرة الجيش السوري على كل المساحات التي كان يشغلها التنظيم.
هذه الجهود الأمريكية-السعودية في تشكيل قوات سورية الديمقراطية سرعان ماتحولت إلى مشروع جديد يستهدف الحكومة السورية من جهة، والنفوذ الإيراني في سورية من جهة أخرى، بمشروع مزدوج مؤلف من مرحلتين:
المرحلة الأولى: القطع الجغرافي وترسيخ مناطق النفوذ (مناطق الاستقرار القلق سابقاً)، حيث عملت الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المرحلة مع السعودية على ترسيخ مناطق النفوذ الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية، ضمن منطقتين الأولى في شرق وشرق شمال سورية بالتعاون مع الرياض، وذلك بهدف الضغط على الطريق البري الذي يصل طهران بدمشق، ملحقاً بإجراءات في الأراضي العراقية، وتحويل نهر الفرات إلى حاجز جغرافي طبيعي في وجه الحكومة السورية، ليتم فيما بعد استبدال القوات الأميركية بقوات أخرى أوروبية (فرنسية-بريطانية-ألمانية) لملء الفراغ، بالتزامن مع إجراءات لضبط القلق التركي من أي تهديدات قد تشكلها قوات سورية الديمقراطية.
أما المنطقة الثانية في الشمال والشمال الغربي السوري فتعمل واشنطن على تحويل هذه المنقطة إلى ملف توافقي مع أنقرة ضد روسيا وسورية بالتفاهم معها حول مستقبل الشمال ضمن الأطماع التركية، على حساب التفاهمات الأولية السابقة مع موسكو.
كلا المنطقتين يحتويان على مايقارب 78% من القمح والماء والنفط السوري، ويشكلان جغرافيات الوصل مع دول الجوار، واقتطاع هاتين المنطقتين يعني حرمان سورية من مناطق الثقل الجيوسياسي، في مشروع يهدف إلى تفريغ الجغرافية السورية من أهيمتها الجيوسياسية ضمن منع أي تهديد للمصالح الأمريكية أو للكيان الإسرائيلي.
المرحلة الثانية: إعادة الإعمار اللامركزية (خطة رؤساء الأقاليم)، حيث ترتكز هذه المرحلة على ردة فعل الحكومة السورية وجهود روسيا الدبلوماسية الداعية إلى عودة اللاجئين والنازحين السوريين، وذلك من خلال فرض أقصى العقوبات الممكنة على الحكومة السورية وكل من يتعامل معها، وقطع أي إمدادات يمكن أن تأتي من الأقاليم السورية المحتلة، لتحويل عودة اللاجئين على مزيد من الضغوط والأعباء على الداخل السوري من جهة، والعمل على استقطاب اليد العاملة ورؤوس الأموال من المناطق التي التي تخضع للحكومة السورية نحو الأقاليم المحتلة من جهة ثانية، وذلك من خلال عملية استقطاب اقتصادي كبيرة تبدأ بحركة إعمار ضخمة جداً في الشرق والشمال السوري، تتيح لرؤوس الأموال حركة كبيرة وأرباح سريعة وتتيح لليد العاملة نسب أجور عالية جداً بالمقارنة مع المناطق المحاصرة التي تعاني بغالبيتها من الجوع والفقر المدقع، ومن ثم توجيه الأعداد المستقطبة للمشاركة في انتخابات تؤمن المصالح الأمريكية ضد الرئيس السوري بشار الأسد وحكومته، بحيث يضمن المشروع الأمريكي تحويل جهود الحكومة السورية بإعادة النازحين، من جهود تضمن عدم تعرضهن للتأثير الأمريكي في الانتخابات القادمة، إلى جهود تشكل ضغطاً كبيراً مع الحصار والعقوبات على الحكومة السورية وتسهم في زيادة فشلها، وبالتالي خفض شعبيتها كأثر جانبي، وتأمن اليد العاملة ورؤوس الأموال السورية لشرعنة عملية إعادة الإعمار واستخدامها كأصوات معادية في كل من الشرق والشمال والشمال الغربي من سورية، وتنتهي المرحلة الثانية بإعلان نظام أقاليمي في سورية وإنشاء مجلس للأقليم الشرقي ومجلس للأقليم الشمالي وإعلان رئيس لكل أقليم مخول بعقد اتفاقيات تجارية واقتصادية ودبلوماسية مع أطراف خارجية باسم سورية ضمن مصالح أقليمه.
المرحلة الثانية من الاستئصال الجيوسياسي قد بدأت بالفعل بزيارة الوزير السعودي إلي مناطق قسد في سورية، وبتكثيف الجهود الروسية في إعادة النازحين السوريين، وما تصوير الوفد الإعلامي الإسرائيلي لمدينة الرقة إلا لعرض المدينة الجديدة لاحقاً والتي ستبنى بأموال سعودية-إسرائيلية مشتركة.