تقدير مواقف
تقدير موقف: نشر قوات أمريكية جديدة في بولندا في إطار تصدير أزمة سياسية داخلية.
اتفقت الولايات المتحدة وبولندا على نشر سرب من طائرات الاستطلاع الأمريكية من طراز MQ-9 على الأراضي البولندية، وهو ما تعتبره روسيا ضمن خطط الناتو التوسعية التي يجب الرد عليها، وفي هذا السياق يرى مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية أن عملية نشر القوات الأمريكية الجديدة في بولندا وتعزيز وجود الناتو هو امر ناتج عن استئثار حزب العدالة والقانون بالسلطة، أي أن مصدره سياسية خاصة للحزب الحاكم، يقوم من خلالها باستغلال الأمن القومي و العامل الديني في وجه روسيا والشعب الروسي، لضمان البقاء متصدراً في وجه “الائتلاف الأوروبي” البولندي كأقوى منافس سياسي له، حيث يعمل الحزب على إثارة جو من الرعب في الأوساط البولندية، وإعادة صياغة المشاعر القومية البولندية، بتأثيره على الرأي العام البولندي من خلال الخطاب المعادي لروسيا بلا مسوغات معقولة، منها طلب زيادة القوات الأمريكية وإنشاء قاعدة عسكرية من قبل الرئيس البولندي إنجيه دودا، ومن جيب الشعب البولندي، على حساب توتير المنطقة، ولا يمكن في مثل هذه الحالة توجيه اللوم للناتو أو لواشنطن على انتهاز فرصة مدفوعة الثمن والأجر من جيوب بعيدة عن جيوب دافعي الضرائب الأمريكية، بالتالي لاتقرأ هذه الخطوة التي أقدمت عليها واشنطن والناتو على أنها خطوة عدائية بحتة في وجه موسكو، بل تقرأ من منظور الاستثمار بالسباق السياسي الداخلي البولندي والذي بدأ يأخذ أبعاداً أمنية خارجية على حساب أمن القارة الأوروبية، والعيش المشترك.
بالتالي إنشاء القاعدة الأمريكية التي أعلنت بولندا أنها على استعداد أن تدفع مقابلها 2 مليار دولار في العام الماضي، يتم قراءتها في سياق سعي حزب العدالة والقانون إلى تصدير أزمته في المنافسة السياسية الداخلية مع “الائتلاف الأوربي” للخارج، حيث يعتمد على اتجاهين أساسيين لتحقيق التوازن الداخلي:
الأول: رفض اليورو والتكامل الأوروبي، التعامل مع واشنطن لتعطيل إعادة إحياء رباعية فيشيغرادسكي للجيش الأوروبي الموحد، كمطلب أمريكي أساسي لضمان تبعية الاتحاد الأوروبي للناتو.
الثاني: رفع مشاعر العداء لروسيا في سياق ضمان التوازن في الداخل البولندي، خوفاً من أن تسفر السياسات المتحفظة تجاه الاتحاد الأوروبي بقيادة تلقائية للرأي العام البولندي نحو روسيا والثقافة الروسية.
وتعتمد الحكومة البولندي الأدوات الدينية والاقتصادية كأدوات رئيسية في تعزيز الاتجاهين السابقين.
مشكلة مثل هذا النموذج من تصدير الأزمات أنه يضع الأمن الأقليمي والدولي في خطر محدق، وفي أسلوب حزب العدالة والقانون الحاكم هذا، تشابه كبير مع أسلوب حزب العدالة والتنمية التركي على اختلاف الاتجاهات بين الحزبين والدولتين، حيث كلاهما يعمل على تصدير الأزمات الداخلية للخارج، والاستئثار بالحكم وتحقيق المصالح عبر تعريض الأمن الأقليمي والدولي لمخاطر هائلة.
لذلك على موسكو تفكيك المشهد بعناية فائقة كمن يتعامل مع لغم شديد الانفجار، خوفاً من أن تضغط على الصاعق عن طريق الخطأ.
ومن المتوقع أن تتخذ روسيا عدة إجراءات، أهمها الإجراءات الدبلوماسية بالعمل مع برلين وبروكسيل لكبح جماح بولندا وحزب العدالة والقانون البولندي، بالإضافة إلى زيادة عدد وعديد القوات الخاصة الاحترافية في في كالينينغراد بصيغة دفاعية وليست هجومية كي لا تغذي خطاب الكراهية التي تتبناه وارسو اليوم.