تقدير مواقف
كيف حسمت حرب غزة الخيار التركي بقبول السويد في حلف شمال الأطلسي ؟
كيف حسمت حرب غزة الخيار التركي بقبول السويد في حلف شمال الأطلسيّ؟
(تقدير موقف)
وقع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على بروتوكولات انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأرسلها إلى البرلمان التركي، مما يقرّب الدولة الاسكندنافية من الانضمام إلى الحلف بعد أشهر من التأخير، وكانت تركيا أنهت حق النقض (الفيتو) ضد انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وبالتالي أزالت جميع الحواجز التي تحول دون عضويتها في التحالف العسكري، وتم التوصل إلى توافق في الآراء في قمة الناتو لعام 2023 في فيلنيوس، وقدمت السويد طلبها الرسمي للعضوية في أيار 2022 إلى جانب فنلندا، التي تم قبولها في التحالف في نيسان 2023، وعلى الرغم من أن السويد ليست عضواً رسمياً، إلا أنها تتمتع بعلاقة وثيقة مع حلف شمال الأطلسي منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً، منذ انضمامها إلى برنامج الشراكة من أجل السلام التابع للحلف في العام 1994، وقد ساهمت السويد في مهام حلف شمال الأطلسي، وباعتبارها عضوًا في الاتحاد الأوروبي ومساهمًا في السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة للكتلة، فقد عملت أيضًا بشكل وثيق مع الغالبية العظمى من حلفاء الناتو الأوروبيين، وفي سعيها للحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي، غيرت كل من السويد وفنلندا بشكل كبير سياستهما التقليدية المتمثلة في عدم الانحياز العسكري. من الواضح أن الدافع الحاسم وراء هذه الخطوة كان الغزو الروسي لأوكرانيا في شباط 2022.
المكاسب التركية المتوقعة.
- رفع الحظر الكندي عن مشتريات السلاح الغربي لتركيا.
- الحصول على مقاتلات أف 16 بعد تفاهمات مع واشنطن، وكان أردوغان قد فرض قواعد تفاوض جديدة في مؤتمر صحافي عقده في إسطنبول قبيل مغادرته إلى فيلنيوس عاصمة ليتوانيا للقمة الأطلسية 2023 وقال حينها: “لا يمكن أن تنضم السويد للناتو دون موافقة البرلمان التركي، يقال لنا بمسألة مقاتلات “إف 16″ إن الصفقة يجب أن تمر من خلال الكونغرس، ونحن نقول أنه لدينا البرلمان التركي، فإن لم يمر منه قرار انضمام السويد فكل كلام لا معنى له”
- التفاوض مع اليونان وقبرص بحريةٍ بعد استبعاد تأثيرات الناتو التي كانت تشكل عقبة أمام أجندات تركيا.
- فتح الاقتصاد التركي أمام الاستثمارات الغربية بسبب أزمة متوقعة في الاقتصاد التركي.
قطبة مخفية
لطالما كان أردوغان يعطّل انضمام ستوكهولم إلى الناتو ويرفع شعار: “أولاً، افتحوا الطريق أمام عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي ثم نفتحه أمام السويد”؟، ولكن ما هو الطارئ الذي دفع به إلى الموافقة سريعاً؟
حرب غزة، وروسيا.
- تحاول تركيا استنزاف فائض القوة الروسية الذي سينشأ من وضعية الضعف الأوكراني وضعف وتيرة الإمداد الغربي على خلفية اندلاع حرب غزة واحتمال توسع جبهاتها الإقليمية، وبالتالي الحيلولة أو إبطاء وتيرة الهجوم الروسي الشتوي في أوكرانيا بما يسمح لحليفته أوكرانيا بالصمود بانتظار ما تؤول إليه الأحداث في الشرق الأوسط.
- عودة أميركا إلى الشرق الأوسط بقوة كبيرة تزيد من فرص دعم الأخيرة لميليشيا (قسد) وربما استثمارها في وقت ما بالمعركة، فأرادت تركيا تفعيل الاتفاق الذي بموجبه يمتنع الناتو عن دعم وحدات قسد، وهنا بالتحديد البند الرابع الذي ينص (بأن مكافحة الإرهاب هي عملية طويلة المدى وأن التعاون سيستمر بعد انضمام السويد)، كما يُشدد على ضرورة أن يكون حلف شمال الأطلسي “أكثر نشاطًا في مكافحة جميع أشكال الإرهاب” ويعلن عن قرار تشكيل منصب “منسق خاص لمكافحة الإرهاب” لأول مرة في تاريخ الحلف، وذلك ضمن إعلان المبادئ البيان الصادر عن الاجتماع الثلاثي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، والأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، والذي مهد الطريق أمام السويد لدخول التحالف، ولاحقاً على هذا البيان أقدمت الحكومة السويدية على تغيير قوانين مكافحة الإرهاب بما في ذلك حزب العمال الكردستاني ورفع حظر توريد الأسلحة إلى تركيا.
- ربما تشعر تركيا بأنّ روسيا ساهمت بطريقةٍ ما بدفع حماس نحو حرب طوفان الأقصى وهو أمرٌ أربك تركيا فهي قدمت نفسها (للغرب) ضامناً لحركة حماس بالتعاون مع قطر الممول الرئيس لحماس، وعطلت من خططها تجاه إسرائيل وتطبيع العلقات الإسرائيلية التركية، فقررت تضيق الخناق الاستراتيجي على روسيا.
- الخطوة التركية من الممكن أن تجعل تركيا (وسيطاً) (مقبولاً) من الناتو والولايات المتحدة بين حماس وإسرائيل.
الحسابات الروسية.
- نظراً لامتلاك السويد لتضاريس بالغة الأهمية مثل جزيرة جوتلاند في بحر البلطيق، سيؤدي هذا الانضمام إلى زيادة قابلية التشغيل البيني والتنسيق الاستراتيجي بين الناتو والسويد بما شكل ثغرة استراتيجية روسية ستمنعها من تحويل فائض القوة الروسية إلى أوكرانيا، وستعزز بها حدودها في السويد.
- قد لا تستطيع روسيا الاتجاه نحو حسمٍ سريعٍ في أوكرانيا بعد تقلص إمدادات الغرب لأوكرانيا بسبب فتح جبهة معقدة على الحدود الروسية مع الناتو.
- تمتلك السويد غواصات ” عالمية المستوى”، متخصصة في العمليات في المياه الضحلة مما يربك الاستراتيجية البحرية لروسيا سيما بحر البلطيق.
- 4- تمتلك السويد صواريخ سطحية عالية الجودة والطرادات الشبح، وكلاهما ذو قيمةٍ كبيرةٍ في تأمين بحر البلطيق، و”باعتبارها دولةً ذات تكنولوجيا عالية، يمكن للسويد المساهمة في المراقبة والدوريات البحرية والجوية في المنطقة.” وبالتالي ستوفر السويد قاعدةً خلفيةً في منطقة البلطيق، وهو أمرٌ مفضّلٌ جدًا لحلف شمال الأطلسي في مواجهة روسيا.
المناورة التركية
- أراد أردوغان إظهار نفسه كجزءٍ من الغرب الجماعي المتضامن ما بعد حرب طوفان الأقصى.
- أراد أردوغان إظهار نفسه بموقع القوة الإقليمية الحاسمة لصراعات كثيرة.
- أراد أردوغان كسب تأييد يهود العالم سيما يهود أوروبا الذين بدأت تظهر لديهم إرهاصات (معاداة روسيا) على إثر الحرب الأوكرانية.
- أردوغان أراد إرسال رسائل عدم ممانعته لمشروع الإبراهيمية شرط قيادته بالاشتراك مع إسرائيل.
وفي حال تعثرت أجندات تركيا والمتمثلة بـ: صفقة أف 16 المتعثرة مع الولايات المتحدة، صفقة الشريك الإقليمي للاتحاد الأوربي، سياساته في سورية ضد قسد تحديداً، الوساطة في فلسطين بين حماس والكيان الإسرائيلي.
سيتعثر طلب انضمام السويد ولاحقا إلى الناتو من خلال البرلمان التركي.
- رد الفعل الروسي المتوقع:
- من المفترض (عقلانيا) أن ترسل روسيا تحذيرات نهائية وحاسمة لتركيا بشأن سياساتها تجاه روسيا، فمسألة موافقة تركيا على طلب مماثل بشأن فلندا من شانه احتواء الناتو لروسيا، فاتجاه روسيا نحو مزيد من المراضاة التركية (سياسة غير عقلانية)، سيما بعد نجاح تركيا في حسم الحرب الأرمينية على حساب (السمعة) الروسية.
- عدم إظهار الحسم في مسألة غزة قد تعطي انطباعات سلبية لدى حلفاء روسيا سيما بعد الصورة السلبية لروسيا في الحرب الأرمينية.