تقدير مواقف
تقدير موقف: منظومة S-400 في “تركيا” خطوة نحو فرض معادلة (الشمال السوري مقابل القرم).
تستعد تركيا لاستلام منظومة الدفاع الجوي الروسية إس400 في النصف الأول من هذا الشهر، حيث أكد الرئيس التركي “أردوغان” وصول المنظومة إلى بلاده خلال 10 أيام، بالتزامن مع عمليات البناء الجارية لجدار تركي عازل حول مدينة عفرين في الشمال الغربي من سورية، والترتيبات العسكرية التركية داخل محافظة إدلب السورية، وفي هذا السياق يقدّر مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية الأهداف الاستراتيجية التركية غير المعلنة في سورية، واستخدام أنقرة لمنظومة إس400 كأداة لتحقيق هذه الأهداف.
استغلال تركيا للمساعي والجهود الأمريكية والروسية في سورية:
تعمل تركيا في بناء تفاهماتها الثنائية مع كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على حدى، على أساس النفوذ التركي في الشمال السوري، والدور الذي يلعبه الشمال كعامل عدم استقرار للأمن القومي بحسب تقدير أنقرة، وتستغل أنقرة هذه التفاهمات لبناء مسار خاص لمصالحها على حساب مصالح وأهداف كل من واشنطن وموسكو في سورية، فمن جهة تكرس أنقرة المشروع الأمريكي في شرق سورية والهادف إلى عزل سورية عن إيران، من خلال الوصول إلى شكل جديد للنظام السوري، يسمح بحكم ذاتي للأقاليم السورية، ويضمن حرية أكبر في اتخاذ القرار، والمفصل سابقاً في تقدير موقف بعنوان: (الاستئصال الجيوسياسي أجندة أمريكية تحكم مستقبل سورية وانتخاباتها)، وذلك بمشاركة المخاوف التركية من عودة محافظة إدلب إلى سيطرة الحكومة السورية مع الإدارة الأمريكية، وأثّر ذلك على إظهار الوجود الأمريكي في سورية كعقبة أخيرة في استقرار البلد، وعلى مستقبل الحل السياسي للأزمة السورية، وقد نالت أنقرة دعمًا أمريكيًّا سابقًا بتفاهمات ثنائية سلّمت من خلالها واشنطن غرفة عمليات إدلب إلى أنقرة، والذي قدّره المركز سابقاً تحت عنوان: (معركة إدلب ومستقبلها)، ومن جهة أخرى تستثمر تركيا في الجهود الروسية لحل الأزمة السورية من خلال ثلاثية أستانا، وتضغط نحو تشكيل لجنة دستورية بمعايير تسمح لأنقرة ضمان حصتها من التأثير في القرار السياسي السوري، وخصوصاً في الشمال السوري كمنطقة نفوذ تركية، وتمرّر بذلك مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، ورؤيتها لشكل النظام السوري الجديد بالنيابة عن الإدارة الأمريكية.
استخدام أنقرة للأهمية الجيوسياسية لتركيا لتحقيق أهدافها:
الإدراك الصحيح للحكومة التركية بأهمية اصطفافها بين المحور الأطلسي والمحور الأوراسي، مكّنها من جمع المتناقضات مع بعضها البعض، وممارسة الضغط على كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، ففي حين أن أنقرة تنضوي تحت مظلة ثلاثية أستانا، وتعقد صفقات عسكرية مع الروس كمنظومة إس-400، وصفقات طاقوية كمدّ أنبوب الغاز التركي الروسي المشترك، تستثمر هذه الإجراءات للضغط على الإدارة الأمريكي لمراعاة مصالح تركيا الخاصة تحت وطأة الانزياح نحو المحور الأوراسي، وبالمقابل تضغط على موسكو من خلال سعي الحكومة التركية لخلق ثلاثية ثانية على غرار الأولى تتألف من (الولايات المتحدة الأمريكية – تركيا – أوكرانيا)، وأنشأت في سبيل ذلك المجلس الاستراتيجي التركي الأوكراني، وتمنتع عن الاعتراف بعودة شبه جزيرة القرم إلى روسيا.
كلا الدولتين، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، لا تستطيعان المغامرة بخسارة إحداهما لتركيا لصالح الدولة الأخرى، فلا واشنطن تستطيع تحمل تبعات انزياح أنقرة كرأس حربة للناتو ضد روسيا من المحور الأطلسي، ولا موسكو تستطيع تحمل عودة تركيا إلى الدور الأساسي لها في الناتو لما يشكله ذلك من تهديد على مستقبل الوجود الروسي في البحر الأبيض المتوسط وفي البحر الأسود.
هذه الضغوطات أجبرت روسيا بقبول السلوك الأرعن لتركيا في الشمال السوري ودعمها للكثير من التنظيمات الإرهابية، وأجبرت إدارة ترامب على غض النظر عن صفقة إس-400 الروسية، لتستثمر أنقرة هذه المكاسب بتعزيز وجودها في إدلب والعمل على نشر المنظومة الدفاعية الروسية على الحدود الشمالية لسورية، بالتالي تحقيق أول أهدافها غير المعلنة بإقامة منطقة حظر طيران في الشمال السوري، وتحويل كامل الشمال إلى منطقة آمنة لتركيا وجماعاتها، أما الهدف الثاني فهو بدء ضخ اللاجئين السوريين من الأراضي التركية نحو شمال شرق سورية، والعمل على خلق شريط بشري عازل بينها وبين قوات سورية الديمقراطية، ولو استدعى ذلك القيام بعملية عسكرية تركية تحت مظلة المنظومة الدفاعية الجديدة لتحقيق هذا الهدف.
الهدف الاستراتيجي التركي للشمال السوري:
الهدفان السابقان لتركيا بالتزامن مع دعم ما يسمى بالحكومة السورية المؤقتة ووضع الشمال تحت سيطرتها من الناحية الشكلية وتحت إشراف تركي، والضغط نحو منح الشمال نوعاً من الحكم الذاتي في ناتج أيّة تسوية سياسية للأزمة السورية، ستشكل بالمجمل الأرضية الصلبة لسلخ الشمال وضمها نحو الأراضي التركية، بخطوة مستقبلية بعد تسوية الأزمة السورية، تحاكي استفتاء القرم، وتعلن عن انضمام الشمال السوري إلى الأراضي التركية باستفتاء شرعي، وتقوم بطرح مبادلة الاعتراف الروسي بنتائج الاستفتاء التركي، باعترافها بنتائج استفتاء القرم، وقطع التواصل مع المكونات ذات الأصول التركية في شبه الجزيرة الروسية، كنوع من إرث حزب العدالة والتنمية بتوسيع الأراضي التركية.
هذه الأهداف التركية ستخلق مزيداً من التصعيد في الشرق الأوسط خلال القادم من الأيام، وتعقّد العلاقات بشكل أكبر بين دول المنطقة، كما أن نجاح المشروع التركي من فشله مرهون بنتائج المواجهة الأمريكية الإيرانية، ومستقبل حزب العدالة والتنمية في الحكم، وشكل علاقته بالتيارات والأحزاب القومية داخل تركيا.