web analytics
مقالات

د. طارق عبود: الحرب ليست على الأبواب

د. طارق عبود

 لا تتغيّر السياسات الدولية المبنية على استراتيحيات واضحة ومدروسة، بين ليلة وضحاها، ولا يشكّل أيُ حادث إنزياحًا مؤثرًا فيها، وإذا ما أردنا إسقاط هذه النظرية على ما يحدث اليوم في الشرق الأوسط، ولا سيما في سوريا، نستطيع أن نقول إنّ كل الصراخ والاستعراض الذي تقوم به الولايات المتحدة الأميركية في البحر والجو والإعلام هدفه حصد النتائج السياسية من دون حرب حقيقية يخوضها جيشها الجرار.

  لقد بُنيت الاستراتيجية الأميركية في السنوات العشر الماضية على الخروج من المنطقة بعد التكاليف الكبيرة التي تكبدتها في المنطقة جراء احتلالها للعراق وأفغانستان، وأسهمت هذه الكلفة العالية في زعزعة الاقتصاد الأميركي، وهو ما قاله الرئيس الحالي دونالد ترامب، منذ أيام، وفي حملته الانتخابية منتقدًا سياسة أوباما والحزب الديمقراطي، في اجتماع حاشد، في أكتوبر/تشرين الأول في العام 2016، :”إن الأشخاص الذين يعارضوننا هم نفس الأشخاص الذين أهدروا ستة الآف مليار دولار على الحروب في الشرق الأوسط، وكان بإمكاننا (بهذه الأموال) إعادة بناء بلدنا مرتين، لكننا أنتجنا فقط المزيد من الإرهاب والمزيد من الموت والمزيد من المعاناة، وتخيلوا لو أن هذه الأموال قد تم إنفاقها في الداخل”.

مقاربة موضوعية للتهديدات الأميركية

  بعيدًا من التهويل، ومن الحرب النفسية التي يجيدها الأميركيون بشكل كبير، وبعيدًا أيضًا من العنتريات الفارغة التي يستمتع بها كثير من محللينا، دعونا نقارب ما يحصل بعقل علمي لرؤية الأمور ووضعها في نصابها الصحيح.

أولًا: دخلت الحرب السورية عامها الثامن منذ أسابيع قليلة، وكان هدف الولايات المتحدة من تغذية هذه الحرب مباشرة أو عبر حلفائها، إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، والإتيان بنظام موالٍ للمحور الأميركي الغربي.

مرت السنون السبع وكان وضع النظام في سوريا والجيش والحكومة لا يحسدون عليه، وبدأ الوضع يتغيّر تدريجيًا مع التدخل الواضح لحزب الله ولإيران والحلفاء، وكان العامل الأكثر تأثيرًا هو الدخول الروسي في أيلول من العام 2015 معلنًا عن دوره في حماية النظام ومنع إسقاطه بأي طريقة. وتغيرت الامور بشكل دراماتيكي لصالح الدولة السورية.

ثانيًا: يشكّل عامل المفاجأة ركنًا رئيسًا في نجاح أية حرب، ونلاحظ أنّ هذا العامل قد انتفى بعدما تجهزت كل الأطراف للنزال المفترض، فمن يريد أن ينتصر في الحرب لا يتصرف بهذه الطريقة التي تحفّز الخصم وتحضره نفسيًا وماديًا.

ثالثًا: يسعى الأميركي من خلال هذه الحرب المفترضة الإطاحة بتوازن دولي شكّلته أحداث جسيمة ومؤثرة على مدى أكثر من عقد من الزمن، بدءًا من الثورات الملونة في أوكرانيا مرورًا بالحرب الحاسمة على جورجيا وصولًا الى الحرب الكونية على سورية.

رابعًا: المستهدف الأول في هذه المعمعة هو الروسي، ويأتي السوري والإيراني في المراتب الأخرى. وتشكّل قضية العميل المزوج “سكريبال” والهجمة التي تكفّل بها الأوروبيون دليلًا واضحًا على ربط الملفين ببعضهما البعض، واستهداف الروسي في القضيتين وإدانته.

خامسًا: لا يستوي تصريح الرئيس الأميركي بإنجاز المهمة في سوريا، وعزمه على سحب جنوده منها، مع هذا التدخل الصارخ الذي قد يؤدي إلى حرب طاحنة ابتداءً من الأرض السورية. ولا يُفهمُ من ذلك إلا ابتزازٌ للسعودي، وتدفيعه ثمن البقاء الذي لن يطول.

سادسًا: شكّل خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأخير منذ أسبوعين، وعرضه لأسلحة الجيش الروسي، وإعلانه صراحة عن مظلة الحماية التي شكّلها لحلفائه مؤشّرًا حاسمًا للدفاع عن الحدود الجديدة للقوى الدولية التي رُسمت بالدم والجهد.

وفي السياق نفسه، أعلن نائب رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي ألكسي كوندراتييف اليوم ” إن روسيا قد تلجأ لاستخدام قوات الدفاع الجوي التابعة للأسطول البحري ونحن بالطبع لن نقف جانبًا، يوجد أسطول البحر المتوسط، وقوات الدفاع الجوي، وقد يتم استخدام منظومات اس – 300 و اس -400 وبانتسير”.وأشار الى أن الرئيس الأميركي ترامب “غير مستعد لمبارزة أسطولنا البحري الحربي المتواجد هناك”.

لذلك من المستبعد أن تجر الضربة المفترضة المنطقة والعالم إلى حرب طاحنة يخسر فيها الجميع، لأنّ السياقات التي بنينا عليها رأينا لا تقود إلى افتراض حصول هذه الحرب الكبيرة.

من الممكن أن يجدد الاميركي تجربة مطار الشعيرات في نيسان من العام الماضي، أو يوسّع مروحة اعتداءاته أكثر، مع حملة إعلامية تدعي ضرب مخازن للأسلحة أو أماكن تصنيع الأسلحة الكيميائية أو غير ذلك من الحجج.

ماذا في الرد على العدوان؟

لو افترضنا أنّ الأميركي ركب رأسه وضرب تحت الحزام، فماذا يمكن أن تكون النتيجة؟ فإذا كان لا بدّ من الحرب، فعلى المحور أن يكون جاهزًا لهذا الاستحقاق الكبير، لأنّ الأميركي وحلفاءه يسعون إلى التخلص من آخر من يقف في وجه سياساتهم في العالم، وبعدها سيحكمون سيطرتهم كاملة على المنطقة.

يشير الأميركي إلى أنّ الضربة الساحقة للجيش السوري من دون تدخل الحلفاء، ستجعله يكمل حربه التي توقفت على حدود العراق، نحو إيران، وهو يبعث تنبيهًا للروسي والإيراني وللمقاومة أنّ التهاون في هذه الحرب تعني سحقكم ونهايتكم المحسومة، لذلك عليكم أن تردوا بشكل فاعل.

إنّ موازين القوى مختلفة كليًا بين العام 2003 واليوم. فسوريا وروسيا وإيران والمقاومة في لبنان ليسوا عراق العام 2003 المنهك بالعقوبات والمكشوف للجان التحقيق التي علمت بكل تفاصيل الجيش العراقي.

لقد رسم غابي أيزنكوت، رئيس الأركان الإسرائيلي حدود الحرب القادمة، منذ أيام، ودعا المقاومة إلى المنازلة المفتوحة، وحدد استراتيجيته التدميرية. وهذه دعوة صريحة للمقاومة في لبنان والحلفاء أن يضربوا بأقصى قوة ممكنة، وعليهم ألا يقيموا للخطوط الحمر أي اعتبار. بناءً عليه، فإنّ على “إسرائيل” أن تكون جاهزة للدمار الكبير أيضًا، وليست فقط أبراج بيروت التي ادعى أيزنكوت وجودها، ووجود المقاتلين فيها.

وفي هذا السياق، ستكون القواعد الأميركية في الخليج والدول المستضيفة في مرمى النيران الإيرانية المدمرة، ولن ينعم الخليجيون والأميركيون بالأمن وباقي الدول تأكلها النيران. وستشتعل أبراج دبي وأبو ظبي والرياض وكل من يحتضن الوجود الأميركي، سيعيد مدن الملح إلى زمن ما قبل النفط.

فرصة جدية

 ستشكّل هذه الضربة المحتملة فرصة جيدة، على محور المقاومة والروسي استغلالها لإفهام الأميركي أنّ تجاوز الخطوط الحمر ليس نزهةً، وليس تغريدة على تويتر، ، وأنّ زمن التلاعب في حياة الشعوب أصبحت له كلفة أيضًا.

السؤال المطروح: من يتحمّل كلفة هذه الحرب المدمرة، وهل أنّ دعاية سخيفة كاستخدام الكيماوي في الغوطة بعد حسم المعركة، تستأهل كل هذه الكلفة؟

*أكاديمي،وباحث في الشؤون الإقليمية

03-04-2018

مقالات ذات صلة

إغلاق