تقدير مواقف
تقدير موقف: معركة إدلب من منظور الأجندة التركية(توصيف-وتوصيات).
انتهت الجولة الثالثة عشر من محادثات أستانا في 02/08/2019 باتفاق على محاربة الإرهاب، وتطبيق اتفاق سوتشي 17/9/2018 المنبثق عن قمة أردوغان-بوتين، والقاضي بتحديد منطقة منزوعة السلاح بعمق 15-20كم، إضافة إلى تشكيل اللجنة الدستورية في سورية وتأجيل إعلانها إلى حين عودة المبعوث الأممي إلى سورية “غير بيدرسن”، هذه التفاهمات الثلاثية بين كل من تركيا وروسيا وإيران دفعت إلى إطلاق سورية وروسيا عملية عسكرية تهدف إلى تطبيق الاتفاق، واقتحام جنوب إدلب لخلق طوق يمتد من بلدة الهبيط إلى تل سكيك، ويحصر معه المجموعات المسلحة جنوب الطوق (شمال حماه)، بالتزامن مع محاولة السيطرة على ريف اللاذقية الشمالية لتوسيع مساحة السيطرة وإبعاد النار عن القاعدة الروسية “قاعدة حميميم”.
وفي هذا السياق يقدّر مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية وجود هدف تركي غير معلن تسعى أنقرة لتطبيقه استناداً إلى جهود الجيشين الروسي والسوري، يتلخّص في تنقية الوجود المسلح في إدلب من العناصر الأجنبية ومن تنظيم النصرة، وتحويل منطقة شمال حماه إلى مشكلة سورية روسية، بعد أن كانت مشكلة تركية تمنعها من مواصلة أجندتها في الشمال السوري وفي آسيا الوسطى.
تسعى أنقرة إلى ضمّ إدلب لمنطقة غصن الزيتون ودرع الفرات ومن ثم دمجها مع العملية التركية (المنطقة الآمنة) شرق سورية، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه بدون حل معضلة وجود جبهة النصرة، وانتشار الفصائل المصنفة إرهابية على كامل مساحة محافظة إدلب السورية، وقد أعلنت بعض التقارير المسربة في 24/07/2019 عزم تركيا توكيل نائب والي هاطاي (لواء اسكندرون سابقاً) بمهمة إدارة محافظة إدلب بالتنسيق مع ما يسمى “الحكومة السورية المؤقتة”، على أن يتولى ما يسمى “الجيش الوطني” مهمة حماية المنطقة، كخطوة لاحقة بعد تنقيته من النصرة والفصائل الإرهابية، ليصبح محط اعتراف وحماية دولية وإقليمية، ونواة للتأثير على مخرجات عملية الحل السياسي في سورية.
الأجندة التركية السابقة تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف على عدة مستويات
المستوى الداخلي:
يسعى حزب العدالة والتنمية إلى نزع نقاط القوة من يد المعارضة في الداخل، والتي يمثل ملف اللجوء السوري أهمها، وذلك بحقن اللاجئين السوريين في المناطق التي تخضع للسيطرة والإدراة التركية داخل سورية.
المستوى الإقليمي:
أولاً: تسعى أنقرة إلى خلق منطقة عازلة على طول الحدود السورية التركية، تمنع حزب العمال الكردستاني من استخدام الجغرافية السورية كمنطقة آمنة لعملياته ضد تركيا وتنهي تهديده على الأمن القومي التركي، تمهيداً لضم المنطقة إلى تركيا باستفتاء، مستفيدة من السابقة الروسية باستفتاء القرم وإعادتها إلى الدولة الروسية، ومن اعتراف الحكومة السورية بالمناطق التي تعاني من ذات الإشكالية وفتح علاقات دبلوماسية معها (أوسيتيا-أبخازيا-القرم).
ثانياً: تهدف أنقرة إلى إطلاق عملية إعمار غير مركزية في سورية، بحيث يستمر الحصار على المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، كأداة (تركية-أمريكية) لتوجيه مسار العملية السياسية، من خلال النهوض بالمنطقة الشمالية الغربية والشرقية في سورية، والموضح في تقدير سابق للمركز بعنوان: ( (الاستئصال الجيوسياسي) أجندة أمريكية تحكم مستقبل سورية وانتخاباتها ).
.
المستوى الدولي:
تهدف أنقرة إلى خلق مواءمة أمنية مع كل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، بحيث تستطيع استكمال دورها التوافقي وتطبيق مشاريعها في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى، حيث عدّلت الولايات المتحدة الأمريكية سياستها الأمنية لتؤدي بجزء منها إلى التخلي عن دعم المنظمات الإرهابية وتوجيهها من الخلف، نحو تعزيز أكبر إشكالية أمنية في آسيا، وهي انتشار الجماعات الإرهابية، وبدأت واشنطن بموجب ذلك العمل على تخفيض دورها الداعم للأمن والاستقرار في آسيا الوسطى، مانعةً خصوم واشنطن من تجيير الفائدة الأمنية نحو تطوير اقتصادياتها ومنظوماتها العسكرية، وشرعت في سبيل ذلك للتفاوض مع طالبان لسحب القوات الأمريكي وزيادة الوجود الاستخباراتي الامريكي في آن معاً، ونقل ثقلها إلى جزيرة سريلانكا جنوبي الهند، والموضح في ملف منشور على وكالة سبوتنك 13/07/2019، وعلى موقع المركز تحت عنوان (إجراءات واشنطن في الملفين (الأفغاني والسريلانكي) تعديل في الاستراتيجية الأمريكية يستهدف الأمن الآسيوي)، في حين أن السياسات الأمنية الروسية حافظت على ثباتها النسبي منذ مشاركتها في الحرب الدائرة في سورية لصالح الحكومة السورية، والتي تركز بشكل كبير على تدمير كل أشكال التنظيمات الإرهابية، درءً لمخاطر انتقالها للعمل في الداخل الروسي.
وانطلاقاً من السياسات الأمنية لكلّ من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، سعت تركيا إلى التنازل عن المجموعات الإرهابية في إدلب، بدون تشويه سمعتها الدولية كدولة راعية لمصالح المسلمين حول العالم، وذلك بالزجّ بها في معركة متفق عليها مسبقاً في اجتماع استانا 13، في خطة على مرحلتين، الأولى تهدف إلى ترحيل الإرهابيين إلى شمال حماة بذريعة المعركة، بالتزامن مع إغلاق الطوق السوري الروسي جنوب إدلب، لتحقق بذلك هدف أساسي لها بإرضاء موسكو، بخطة تركية أشبه بتلك التي نُفّذت في محيط العاصمة دمشق، والتي قامت على تخابر الفصائل التركية في ريف دمشق ضد الفصائل السعودية، ومن ثم تنسيق انسحاب الفصائل إلى الشمال السورية، إلا أنها معاسكة تماماً، وذلك بترحيل الفصائل الإرهابية إلى الداخل السوري، وعمل كل من سورية وروسيا على ضمان عدم عودة تلك الفصائل من خلال الطوق الذي يسعى الجيشين لاستكماله، في عملية أشبه بابتلاع السم المركز، بغض النظر عن الاستنزاف المستمر للقوات السورية خلال العمليات العسكرية، خاصة عندما تصل القوات لمحاولة اقتحام مدينة خان شيخون. أما المرحلة الثانية من الخطة التركية، فهي المرحلة التي درست بعناية مع واشنطن، حيث ستتوجه القوات السورية والإيرانية والروسية للقضاء على الفصائل الإرهابية شمال حماه، والتي ستؤدي إلى تشظي الجسم الإرهابي إلى خلايا صغيرة ستسعى إلى الانتشار في أكبر مساحة ممكنة في المناطق المحيطة، وستتحول المشاركة الإيرانية في تلك المعركة إلى وسيلة إلهاء واستنزاف، بالتزامن مع عزل المجموعات الشيعية الموالية لإيران في كشمير وإدخالها في صدام مع فروع المجموعات الإرهابية في تلك المنطقة كرد انتقامي (سيتم توضيح هذا الملف في تقدير خاص لاحقاً)، وتضع روسيا في موقع المستهدف الأول في آسيا الوسطى من قبل المجموعات الإرهابية التي تسعى واشنطن لإطلاقها كما وضحنا سابقاً.
- من هنا يوصي مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية بعدم إغلاق الطوق بشكل كامل على ريف حماه الشمالي، وعدم اقتحام مدينة خان شيخون، وتوجيه الطوق نحو شمال المدينة، مع إبقاء مخرج غير واسع، بالتزامن مع إطلاق عملية ضاغطة من جنوب الجبهة، تؤمّن عملية حقن معاكسة للمجموعات الإرهابية إلى داخل إدلب، وتدمّر بذلك المشروع الإدراي التركي لإدلب، وتُدخل جميع الفصائل في اقتتال شديد، وتُفشل الأهداف التركية الأمريكية سابقة الذكر. وننوّه أنّ أنقرة قد شرعت سابقاً ببناء جدار حول مدينة عفرين في احتياط مسبق لهذا السيناريو، والذي بالإمكان أيضاً إحباطه بمجموعة لاحقة من الخطوات تحتاج إلى دراسة وتوصيات خاصة.