تقدير مواقف
تقدير موقف: الكيان الإسرائيلي من استراتيجية التفوق الثقيل إلى استراتيجية المقاومة الصهيونية.
شنّ الاحتلال الإسرائيلي غارات ليلية على قواعد تابعة لإيران داخل الأراضي السورية في 24/08/2019، تلاها استهداف للمركز الإعلامي لحزب الله اللبناني في بيروت من قبل طائرة مسيّرة مفخخة، وقد سبق هاتين الحادثتين عدة غارات على مخازن ومستودعات السلاح للحشد الشعبي وحزب الله العراقي المتحالف مع إيران قبل عدة أيام.
في هذا السياق يقدّر مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية النشاط العسكري الأخير للاحتلال الإسرائيلي بإعلان الانتقال إلى المرحلة الثانية في المواجهة مع إيران، عبر التحوّل نحو استراتيجية عسكرية جديدة تقوم على خفض تكاليف العمليات الإسرائيلية، وتوسيع مساحة الاستهداف الاستباقي، ورفع تكاليف الهجوم المضاد للعدو.
وقد انطلق هذا التغيير في الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية من تحوّل جوهري في مفهوم العمل العسكري بالنسبة إلى الحكومة الإسرائيلية، يعمل على نسخ أساليب وتجارب المقاومة الإسلامية المتحالفة مع إيران، والتي نجحت نجاحاً باهراً في العديد من الدول (كاليمن، والعراق، وسورية، وقبلها في لبنان) ما أدّى إلى تحوّل إسرائيل من الحرص على الحفاظ على التوازن الاستراتيجي لصالحها، إلى العمل على كسر توازن الرعب بينها وبين إيران وحركات المقاومة، الأمر الذي سيسمح لإسرائيل بهامش جديد من العمل العسكري ذو الاتجاه الواحد، وذلك بالتخلي عن الأساليب التقليدية للعمليات العسكرية الإسرائيلية كغارات طائرات (F-16)، لصالح تطوير أسلحة جديدة (دفاعية وهجومية)، تحقق هدفين أساسيين:
الأول: محاصرة النشاط الإيراني في الشرق الأوسط:
وذلك عبر استهداف قواعد قوات الحرس الثوري والقوات المتحالفة مع إيران في أيّة دولة تتواجد بها، وقد قامت الحكومة الإسرائيلية العام الماضي بتطوير راجمة جديدة للصواريخ تمكنّها من إطلاق الدرونات المفخخة الجديدة (منظومة هاربي)، الأمر الذي يسمح بضرب أهداف على مسافات أكبر وبدون أيّة خسائر أو مخاطر تُذكر، لتصبح الدرونات المفخخة هي السلاح المعتمد لأيّة غارة خلف خطوط العدو، مقابل تحول الطيران التقليدي لسلاح خاص بالحروب الشاملة واحتواء التصعيد.
الثاني: الحماية والردع الداخليين:
وقد طورت إسرائيل في سبيل ذلك منظومتَي دفاع، الأولى منظومة حيتس-3 للتصدي للصواريخ البالستية بعيدة المدى، والتي من الممكن أن تأتي من سورية أو من إيران، والثانية هي منظومة “القبضة الحديدية” المقاومة للصواريخ المضادة للدروع، ما يمكّن الاحتلال الإسرائيلي من رفع مخاطر وتكاليف أي هجوم شامل على الداخل الإسرائيلي، سواءً من البرّ كهجوم من حزب الله، أو عبر الصواريخ الثقيلة من إيران.
هذه الاستراتيجية العسكرية الجديدة، ستعمل على استنزاف الاقتصاد الإيراني بالشراكة مع الحصار الأمريكي، بحيث تركّز إسرائيل على استهداف المنشآت والمستودعات التي تخضع لنفوذ الحرس الثوري الإيراني، لإجبار الأخير على تمويل النقص من عائد القطاعات الاقتصادية الكبيرة التي يسيطر عليها، في محاولة إسرائيلية للاستفادة من المواجهة الأمريكية-الإيرانية لكسر توازن الرعب من جهة، ومن جهة أخرى تحجيم هيبة القوات الإيرانية أمام باقي الدول، لضمّ الدول المترددة في الدخول مع التحالف الأمريكي ضد طهران.
الآثار المترتبة على الغارات الإسرائيلية الجديدة:
سيسبّب نجاح الاعتداءات الأخيرة على كل من العراق وسورية برفع شعبية رئيس الحكومة الإسرائيلية في الداخل الإسرائيلي، خاصة بعد الإعلان الأخير للحكومة الإسرائيلية بأنّ الغارة على سورية كانت لمنع إيران من استهداف الكيان الإسرائيلي، الأمر الذي سيسمح لنتنياهو بالتفوق على الانشقاقات التي يواجهها في داخل اليمين المتطرف الإسرائيلي.
سيسبّب استمرار هذه العمليات مزيداً من الضغط المعنوي والعسكري على القوات المتحالفة مع إيران، وعلى الرأي العام المؤيد لطهران، وسيحدّ من قدرة طهران على توسيع تحالفاتها العسكرية، إضافة إلى الضغط الناجم عن العمليات على الوضع السياسي والاقتصادي للدول حليفة إيران كسورية والعراق.