تقدير مواقف
تقدير موقف: عفرين في محطة المراجعات الكبرى
يعتبر التدخل العسكري الثاني لتركيا في شمال سوريا وخصوصا في عفرين منعطفا خطيرا يفيد بأن ” القانون الدولي ” أول من يخرقه دول المنطقة، وإن آخذت القوى الكبرى على ذلك، كما لو أننا أمام حالة شيزوفرينيا مرعبة، تعيد العقل الأساسي للمنطقة إلى مرحلة ما قبل وسيتفاليا، حيث الاختراقات الحدودية صارت مسألة عادية جدا، وقد تؤبد لعرف مرضي يسهل للكيان الصهيوني أو لغيره الارتكاز عليه مستقبلا.
المتبادر إلى الذهن بأن العملية العسكرية التركية تمت بضوء أخضر روسي لأن منطقة عفرين تحت السيطرة الروسية / السورية، ويبدو أن عجز روسيا عن استمالة قيادات القوات السورية الديموقراطية إلى طرحها، جعلها تعتبر غض النظر من المسالك العقلانية للضغط على الأكراد لمراجعة خياراتهم في التحالفات الكبرى، لكن الولايات المتحدة الأمريكية والتي أبدت استعدادها مساعدة تركيا ميدانيا في عملية عفرين، قد تجعل من روسيا تندم عن قرارها بالإذن الضمني، وتفتح كوة جغرافية جديدة للولايات المتحدة بشمال سوريا، خصوصا مع صديق مربك ومرتبك كتركيا.
وواقعا إبداء النية الأمريكية للمساهمة ميدانيا قد يحمل على وجهين: الوجه الأول، هو أن مجمل عملية عفرين تمت بتوافقات سرية مع الولايات المتحدة الأمريكية ابتداءا، وإن كان هذا الوجه مستبعد لأنه لما استقام لروسيا أن تغض النظر عن الموضوع برمته، والوجه الثاني، هو أن إبداء الولايات المتحدة لهذا المقترح والذي جاء على خلفية الطرح الفرنسي لمناقشة التدخل العسكري التركي في مجلس الأمن هو من عناوين التهديد الناعم، بمعنى السماح بالمشاركة الفعلية وإلا فإن صيغة لقرار إدانة وتوصيف تركيا بالدولة المعتدية ـ بعد التصريحات الرسمية السورية بهذا الخصوص خلال الأيام القليلة الماضية ـ سيجد طريقه بمجلس الأمن حتى روسيا أو صين سيتحرجان من وضع حق الاعتراض في مواجهته لارتباط القرار بطرف حليف وطرف صديق طارئ.
عملية عفرين ليست بالعمليات العسكرية السريعة أو التي تقع تحت مسمى الحرب الخاطفة blitzkrieg بل هي حرب هجينة جديدة وطويلة الأمد تولد بعد إعلان النفير العام من قبل الأكراد، مما سيضع تركيا واقعا في قلب الأزمة التي تخوفت منها ابتداءا وهي تحرك ورقة العنصر الكردي بتركيا.
إنها بحاجة إلى الاعتراف بالنظام السياسي السوري وإجراء اتفاقات في العمق معه حتى تتحصن قانونيا، ويتم رسم استراتيجيات متداخلة ترضي مجمل الفاعلين الإقليميين، وإلا فإنها ستتحول إلى ملعب للقوى الكبرى في بحر السنوات القليلة القادمة.
عبد العالي العبدوني