تقدير مواقف
تقدير موقف: الدبلوماسية الإسرائيلية تستثمر في خوف الرئيس المولدوفي على حياته بالقدس!!
بعد أن أعلن الرئيس المولدوفي إيغور دودن أن حياته في خطر، واعتبر نفسه معرضاً للاغتيال من قبل خصومه في الحزب الديمقراطي داخل البلاد، حيث سيطر على كل من البرلمان والحكومة الحزبين الاشتراكي المؤيد للتقارب مع روسيا، وتحالف “آكوم” الليبرالي المؤيد للتكامل مع الاتحاد الأوروبي، من خلال الانتخابات الأخيرة، ولكن هذا التحالف بين الاشتراكيين والليبراليين تعرض لخطر قرار المحكمة الدستورية العليا في مولدوفا بعد رفع الديمقراطيين دعوى ببطلان نتائج الانتخابات التي أدت إلى تشكيل البرلمان والحكومة، ما دفع بالمحكمة الدستورية العليا إلى إصدار قرار مؤيد للإدعاء.
بدت البلاد على حافة صراعات كبيرة بين الاشتراكيين وتحالف الليبراليين من جهة، مع الديمقراطيين من جهة أخرى، لينقذ الموقف كل من الاعتراف الروسي والأوروبي والأمريكي بشرعية الانتخابات!.
وحيث أن الاعتراف الروسي بشرعية الانتخابات من باب دعم القوى الفائزة والمتحالفة مع موسكو، وضمان عدم انفجار الوضع في مولدوفا خاصة مع وجود ملف الشريط الحدودي الغربي كدولة مستقلة من جانب واحد (جمهورية ترانسنستيريا) والتي تطمح للانضمام إلى روسيا منذ استفتاء عام 2006، حتى لا تتحول مولدوفا إلى أوكرانيا ثانية في أوروبا الشرقية مما يعزز حالة عدم الاستقرار ويزيد من وتيرة المواجهة، لذات هذا السبب الأمني اعترف الاتحاد الأوروبي بشرعية الانتخابات، إضافة إلى دعم الأوروبيين لحلفائهم الليبرالين الفائزين أيضاً.
لكن الموقف الأمريكي الذي صب في نفس خانة الاعتراف بالشرعية، هو الموقف المثير، فواشنطن التي لا تترك أي فرصة لافتعال أزمات جيوسياسية بمحيط خصومها، تنازلت عن افتعال أزمة في مولدوفا بوجه الروس وجمهورية ترانسنستيريا على حساب التهدئة، في موقف غريب لا يتلائم مع السياسة الخارجية الأمريكية أو أجنداتها.
في الواقع لم يكن الموقف الأمريكي ناتج عن الرغبة في الهدوء والاستقرار والتوافق مع روسيا لعدم زيادت مساحة الأزمات الجيوسياسية فحسب، وإنما خوفاً من يؤدي عدم اعترافها إلى مواجهة مع مواقف حلفائها في الاتحاد الأوروبي، وإعطاء الفرصة بالنتيجة لروسيا بزيادة الضغط على أوكرانيا من خلال الشريط المولدوفي الحدودي مع أوكرانيا والمستقل من جانب واحد.
لكن الملف لم يغلق هنا، فالدبلوماسية الإسرائيلية التي لا تترك أي فرصة لتنشيط حراكها الدبلوماسي السري، واستثمار المواقف الأمريكية في صالحها، اتجهت نحو نزع الاعتراف من مولدوفا بالقدس، حيث نعتقد أن الإسرائييلين قدموا عروضاً أمنية لحماية الرئيس المولدوفي الذي أعلن عدم ثقته بحاشيته، ودعم شرعية نتائج الانتخابات من خلال اللوبي الصهيوني في واشنطن، في مقابل نقل مولدوفا سفارتها للقدس بقرار وافق عليه رئيس الحكومة بافيل فيليب ممثل التحالف الليبرالي.
دبلوماسية العروض والمقايضة الإسرائيلية أصبحت تتمتد في أوساط أوروبا الشرقية، بعد أن استطاعت جذب ما يقارب 48 دولة أفريقية بذات الدبلوماسية لتفتح علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي.
ومن الجهة المقابلة تسعى إسرائيل إلى تمتين علاقتها مع الاشتراكيين حلفاء موسكو في مولدوفا، لتعزز بذلك إسرائيل موقفها أمام روسيا، ولتمتلك المزيد من القدرة على التأثير مستقبلاً في أي ملف مهم لروسيا في أوروبا الشرقية.
هذه النتائج تدعنا أمام نموذج خطير من العمل الدبلوماسي الإٍسرائيلي، يعمل بشكل حثيث على مستقبل مغايير في التصور للواقع الحالي، يتطابق من حيث الرؤية مع المشاريع الإسرائيلية في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا الشرقية، ليغدو الاحتلال الإسرائيلي متحكماً بتوازنات أهم المناطق الجيوسياسية.