web analytics
دراسات وأبحاث

إجراءات واشنطن في الملفين (الأفغاني والسريلانكي) تعديل في الاستراتيجية الأمريكية يستهدف الأمن الآسيوي

 

حوار وكالة سبوتنك الروسية أجراه الدكتور نواف إبراهيم مع مدير مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية، تناول نتائج دراسة التعديلات في الاستراتيجية الامريكية الخاصة بالقارة الآسيوية، وعلاقتها بالملفين (الأفغاني والسريلانكي).

أعلنت الخارجية القطرية عن نجاح المؤتمر الأفغاني للسلام الذي عقد في الدوحة برعاية مشتركة من قطر وألمانيا، حيث إستضافت الدوحة يومي 7 و8 من تموز مؤتمراً واسعاً في إطار جهود السلام في أفغانستان حضره عشرات الممثلين عن كابل و”طالبان” والمجتمع المدني.

وتعهد المشاركون في المؤتمر بإعداد “خريطة طريق للسلام والحد من العنف” والعمل على عودة المهجرين ورفض تدخل القوى الإقليمية في الشؤون الداخلية الأفغانية، حسبما جاء في البيان الختامي الصادر عن المفاوضات، وذلك بعد تعليق الجولة السابعة من المباحثات بين الولايات المتحدة و”طالبان”، والتي تستضيفها الدوحة منذ 29 يونيو الماضي حتى نهاية مؤتمر الدوحة لإفساح المجال أمام الحوار الأفغاني، بالتزامن مع استمرار الجهود الأمريكية للدفع نحو توقيع إتفاقية (SOFA) “إتفاقية وضع القوات” مع جزيرة سيريلانكا جنوب شرق الهند، والتي تنص على تقديم تسهيلات إضافية متبادلة لإستخدام مرافق الموانئ للطرفين ووصول عسكرييهما ومتعاقديهما إلى الموانئ.

للحديث هذا الشأن إستضاف برنامج “ماوراء الحدث”  الأستاذ صلاح النشواتي مدير مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية وكان الحوار التالي:

سبوتنيك: أستاذ صلاح كيف تقييمون هذين الحدثين، وهل من علاقة تربط المساعي الأمريكية في الملف الأفغاني مع المساعي الأمريكية في الملف السريلانكي؟

النشواتي: نعم، فعلياً الملفين الأفغاني والسريلانكي يدخلان ضمن إجراءات أمريكية متزامنة، تأتي إستجابة لتعديل الإدارة الأمريكية لإستراتيجيتها الخاصة بقارة آسيا، وخصوصاً وسط وجنوب آسيا، ضد كل من الصين وروسيا، بمقتضى إجراءات ومخططات سابقة، تربط الملفين الأفغاني والسريلانكي بالتوجه الجديد للإستراتيجية الأمريكية في آسيا، وتعمل الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الملفين على زيادة حجم التهديدات لأمن القارة الآسيوية، عبر تعزيز أهم وأخطر الإشكاليات الأمنية فيها، والمتمثلة بإنتشار التنظيمات الإرهابية والمتطرفة.

سبوتنيك:  أستاذ صلاح دعنا نناقش نقطة نقطة، هل ترون أن محادثات السلام بين حكومة كابل وحركة طالبان من جهة، والمحادثات الأمريكية مع طالبان لسحب القوات الأمريكية، عاملاً قد يسهم في زيادة إنتشار التنظيمات المتطرفة في آسيا، في حين أن العديد من الخبراء يقولون أن الانسحاب الأمريكي ناجم عن أسباب إقتصادية تتعلق بالإقتصاد الأمريكي؟

النشواتي: ببساطة الخدعة الأمريكية في العنوان، (السلام)، أما حقيقة الجهود الأمريكية في الملف الأفغاني هي بعكس ذلك تماماً، حيث تدرك واشنطن أن التطرف والإرهاب أحد أقدم وأخطر المشاكل والتهديدات في القارة الآسيوية، جنباً إلى جنب مع إشكالية الإنتشار النووي، وفي حين تظهر الجهود الأمريكية في الملف الأفغاني على أنها مبنية على أسباب تتعلق بالإقتصاد الأمريكي، إلا أن نظرة سريعة إلى زيادة موازنة الدفاع الأمريكي لعام 2019 والبالغة 63 مليار دولار، لتصل بمجملها إلى 700 مليار دولار، مع إقرار مسبق لموازنة الدفاع الأمريكية لعام 2020 بحجم بلغ 750 مليار دولار، علماً أن موازنة روسيا الدفاعية لا تتجاوز 64 مليار دولار على سبيل المقارنة والتوضيح بحجم المبالغ الهائلة في الموازنة الدفاعية الأمريكية، يثبت بالدليل القاطع زيف الإدعاء حول أن الأسباب اقتصادية والتوفير للتكاليف هي محرك السياسة الخارجية الأمريكية، بالتالي هناك أهداف ودوافع أخرى تماماً فيما يتعلق بالإنسحاب الأمريكي من أفغانستان، لا تتعلق بأسباب اقتصادية، ولا حتى بالمصلحة الوطنية الأفغانية، بل ناتج عن تقدير الإدارة الأمريكية، بأن الوجود الأمريكي في المنطقة، يخدم مصالح خصوم الولايات المتحدة الأمريكية، من ناحية الأمن والإستقرار المؤاتي للنمو، أكثر من خدمة المصالح الأمريكية نفسها.

وهنا علينا أن نذكّر أن المساعي الأمريكية لسحب قواتها، لا تشمل الوجود الإستخباري، بل على العكس، تحدث الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بشكل علني عن زيادة كبيرة جداً في الوجود الإستخباري في أفغانستان التي وصفها “بهارفارد الإرهاب” في إشارة إلى تخريج أفغانستان للإرهابيين على مستوى العالم.

التالي إنحسار النشاط العسكري يقابله زيادة كبيرة في الوجود والنشاط الإستخباراتي، والذي بدأ بتنفيذ مهام جديدة منذ نقل الطائرات الأمريكية، لقادة من تنظيم داعش إلى أفغانستان، ودفعهم  للسيطرة على الولايات الحدودية مع باكستان، منعاً للأخيرة من التمدد إلى أسواق دول بحر قزوين، مستفيدة من غياب الوجود العسكري الأمريكي، والعلاقة الجيدة مع “حركة طالبان”، بالإضافة إلى استمرار وجود تنظيم القاعدة في مناطق متفرقة في داخل أفغانستان وإعلانه إستهداف باكستان بسبب علمنتها لملف كشمير كإقليم متنازع عليه مع الهند، وتركّز سيطرة حركة طالبان على الولايات الأفغانية المحاذية لإيران، ولطاجيكستان (أحد نقاط الإرتكاز لطريق الحرير البري الصيني)، ما يشير بوضوح إلى أن مجمل الخطوات الأمريكية في إطلاق السلام الأفغاني والإنسحاب العسكري منها، ما هي إلا محاولة لتفجير أفغانستان عن بعد، في دور مزدوج للإستخبارات الأمريكية يبدأ بإشعال الفتيل، مع منع أي دولة كبرى من التدخل أو السعي لفرض أي معادلة أمنية في المنطقة، وينتهي بجمع المعلومات وتقييد حركة ووصول التنظيمات الإرهابية خارج مساحة الإنتشار المحددة أمريكياً بشكل مسبق.

سبوتنيك: في الحقيقة هذه نتائج تدعو للذهول بالفعل، يبدو أن حتى السلام هو عنوان لإراقة المزيد من الدماء بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، والتي يبدو أنها مستعدة لفعل أي شيء في سبيل منع أي دولة من حقها في الطموح بالنمو والتقدم نحو العالمية، حسناً، أستاذ صلاح قبل أن نتحدث عن علاقة الملف الأفغاني بالملف السريلانكي، لو توضح لنا لماذا وقع الإختيار الأمريكي على سريلانكا بالتحديد، وهي جزيرة صغيرة نسبياً تقع جنوب شرق الهند؟

النشواتي: صحيح، بالرغم من مساحة سريلانكا غير الكبيرة نسبياً، إلا أن الصين تعتمد على سريلانكا كمرتكز جيواستراتيجي لطريق الحرير البحري الصيني، حيث سعت الصين خلال السنوات الماضية إلى إغراق سريلانكا بالديون، من خلال منحها الكثير من القروض بإجمالي 2.4 مليار دولار، مع العلم المسبق لدى كل من بكين وكولومبو (عاصمة سريلانكا)، بعجز الأخيرة عن السداد، الأمر الذي مكّن بكين من تسوية جزء من هذه الديون والبالغ حوالي 1.4 مليار دولار في عام 2017 من خلال إستئجار ميناء مدينة “هامبانتوتا” لمدة 99 عام، والذي يعتبر ميناءً استراتيجياً ينشط عنده طريق الشحن الواصل بين الشرق والغرب على مستوى العالم.

ازدياد النفوذ الصيني في سريلانكا، دفع بواشنطن إلى المسارعة نحو سريلانكا للتصدي لبكين، فبدأت الجهود الأمريكية منذ عام 2018 عبر تقديم مساعدات مالية عسكرية بقيمة 39 مليون دولار لكولومبو، في إطار تعزيز أمنها البحري، إلا أن هذه المنح لم تشجع الرئيس السريلانكي “مايثريبالا سيريسينا” على تعميق العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، على عكس رئيس الوزراء “رانيل ويكرميسينغي” الذي يحشد كل الطاقات باتجاه تعميق التعاون مع واشنطن على حساب نفوذ بكين، الأمر الذي أدى إلى صدامات كبيرة بين الرئيس السريلانكي ورئيس الوزراء، أدت إلى حل البرلمان من قبل الرئيس “سيريسينا”، بإعتبار أن الحكومة فقدت الأغلبية البرلمانية، ودخلت البلاد حينها في أزمة دستورية حادة، إنتهت بإعادة “رانيل ويكرميسينغي” كرئيس للحكومة، دون أي نتيجة تذكر لصالح زيادة نفوذ واشنطن أمام نفوذ بكين.

سبوتنيك: لو سمحت لي أستاذ صلاح، ومن باب التأكيد، شاهدنا حقيقة مدى عمق وحدة التجاذبات في داخل النخب السريلانكية الحاكمة عندما وقعت الأحداث الدامية والتفجيرات الإرهابية في سريلانكا في نيسان الماضي، هل برأيك هذه التفجيرات مرتبطة بشكل أو بآخر بمحاولة واشنطن لمد نفوذها في الجزيرة؟

النشواتي: بالتأكيد لا يوجد أدلة جنائية مباشرة تربط طرفاً دولياً بهذه العمليات الإرهابية، إلا أن البصمات الإستخباراتية تملأ في الواقع مسرح العمليات، وتثبت تسهيل وتوجيه لسهم الإرهاب ليضرب في قلب سريلانكا، فسكوت قادة الأجهزة الأمنية الموالين لواشنطن عن التحذيرات التي أرسلتها الهند قبل حوالي الأسبوعين من وقوع العملية، وحجب التقارير عن الرئيس السريلانكي، يضع أكثر من ألف علامة إستفهام، ناهيك عن التفاصيل التي تتحدث عن إجتماع عبد اللطيف جميل محمد أحد المخططين للعملية الإرهابية، مع عناصر من المخابرات تعمل متخفية داخل صفوف داعش في سورية، بحسب صحيفة التايمز البريطانية، وفي ظل تصدير واشنطن لنفسها على أنها المحارب الأفضل لداعش بأنها إستطاعت القضاء عليه في سورية والعراق، تصبح الفرصة لعرض المساعدة الأمنية الأمريكية بعد الحادث أكثر من ملائمة، ولكن إعفاء الرئيس السريلانكي لقادة الأجهزة الأمنية، قد أحبط المسار الأمريكي، وأدخل واشنطن بإرباك شديد، ودفعت بالسفيرة الأمريكية في كولومبو ” ألينا تيبليتز” إلى الإعلان عن عدم علم واشنطن المسبق بالهجمات على سريلانكا، لتعود واشنطن بعد أيام قليلة وتصدر تحذيرات حول هجمات جديدة قد تقع في سريلانكا، في سلوك لا يمكن قراءته إلا كمحاولة أمريكية لإعادة إحياء ظروف مواتية تستطيع من خلالها تقديم عروض التعاون الأمني لكولومبو، لتشكل فيما بعد أرضية صلبة تطرح عليها إتفاقية (SOFA)، وتربط أمن سريلانكا بالولايات المتحدة الأمريكية، من خلال النشاط الإستخباراتي الأمريكي بذريعة الحماية، والإنذار المبكر، والذي سيسمح لواشنطن بالتنصت ومراقبة كل النشاطات الصينية في سريلانكا، وحتى تعطيلها، بالإضافة إلى البند الأساسي المتمثل بنشر قوات أمريكية في الجزيرة.

سبوتنيك: لا أستطيع أن أقول إلا أن الصورة بدأت تتوضح بشكل كبير، ولكن سؤال أخير، نحن نعلم أن الرئيس السريلانكي “مايثريبالا سيريسينا” قد رفض بشكل قطعي توقيع إتفاقية (SOFA) مع واشنطن، فكيف ستتعامل واشنطن مع هذا الرفض، هل من الممكن أن تستسلم مثلاً لقرار الرئيس سيريسينا؟ وما هي القطعة الأخيرة من الأحجية التي تربط الملف الأفغاني بالسريلانكي؟

النشواتي: بالطبع لن تستسلم واشنطن وتتخلى عن استراتيجيتها مقابل قرار رجل واحد، بالإضافة إلى أن ولاية الرئيس السريلانكي الحالي تنتهي في كانون الثاني القادم، الأمر الذي من الممكن أن يضع سريلانكا على حافة أزمات حادة مفتعلة، ناتجة عن الشد والجذب للقوى المؤيدة للنفوذ الصيني من جهة، والقوى المؤيدة للنفوذ الأمريكي من جهة أخرى، طوال الفترة المتبقية لولاية الرئيس السريلانكي، أما القطعة الأخيرة من الأحجية، فهي تتلخص في تزامن الإنسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان، مع نشر قوات أمريكية في سريلانكا، أي أن جزء من القوات الموجودة في أفغانستان ستتشارك مع قوات البحرية الأمريكية للإنتشار في الجزيرة، في حال تم التوقيع على إتفاقية (SOFA)، لتعمل على الإنطلاق من السواحل السريلانكية نحو تعزيز الوجود الأمريكي في خليج البنغال، لعرقلة الطرق البديلة للصين من خلال ميانمار، والسواحل البورمية، ويعود ذلك إلى ملاحظتنا لعودة واشنطن للعمل بحذافير التنظير الجيوبولتيكي لضابط البحرية الأمريكي “ألفريد ماهان” (1872-1914)، في عدم الإنخراط داخل العمق البري، وتركيز النفوذ الأمريكي على الدول الشاطئية والمسطحات المائية، وفرض السيطرة على البحار والمحيطات والممرات المائية من خلال الأساطيل البحرية، الأمر الذي رشح سريلانكا لتكون من أولويات التوجه الأمريكي الجديد، بعد الإنسحاب من أفغانستان وخلق إضطرابات أمنية في آسيا الوسطى، لمواجهة زيادة النفوذ الروسي، والمشاريع الإستراتيجية الصينية البرية والبحرية.

في النتيجة، ينطلق المشروع الأمريكي الخطير في آسيا عموماً وفي أفغانستان على وجه الخصوص، من الفهم الجديد للإدارة الأمريكية الحالية، بدور الولايات المتحدة الأمريكية في حفظ الأمن والسلم الدوليين، من خلال ضبط موازين القوى، والحد من طموح الدول الأقليمية ومنافساتها البينية، وتسعى لتطبيق إجراءات تعكس العملية بالكامل، في خطوة موجهة ضد خصومها وأعدائها الصاعدين، كالصين، وروسيا، من جهة، ولإبتزاز الدول التي يعتمد أمنها على القوات الأمريكية نحو زيادة إنفاقها العسكري، وتأمين توسيع البنية التحتية للقوات الأمريكية، على حساب الدول المضيفة، كنوع من زيادة ضخامة الموازنة الدفاعية من جيوب الدول الأخرى، من جهة ثانية.

أجرى الحوار: نواف إبراهيم

الوسوم

مقالات ذات صلة

إغلاق