تقدير مواقف
تقدير موقف: إسقاط الحرس الثوري طائرة أمريكية (إحباط سيناريو وإطلاق آخر).
في سياق إسقاط الحرس الثوري الإيراني لطائرة مسيرة أمريكية في صباح 20/06/2019 وفي ظل التصعيد الكبير والتوتر الحاصل في مضيق هرمز، يرى مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية أن رد الفعل الهجومي السريع للحرس الثوري أحبط سيناريو تجسس واستفزاز يحضر لإيران بالتزامن مع جولة “برايان هوك” المبعوث الخاص لواشنطن المعني بشؤون إيران، التي بدأت أمس في الدول الخليجية (السعودية-البحرين-الإمارات-الكويت-عمان)، وستشمل بعدها (ألمانيا-فرنسا-بريطانيا)، حيث كانت تسعى واشنطن للتجسس على المواقع القتالية الإيرانية في مضيق هرمز، والأسلحة والقواعد الموجودة، لاستخدام هذه الصور والمقاطع كوسيلة إقناع في جولاتها الدبلوماسية نحو تشكيل قوات بحرية مشتركة تعمل تحت أمرة إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة، كما فصلناها في تقدير سابق بعنوان: ((أزمة استهداف الناقلات النفطية (طبيعتها-الأطراف المتورطة-مستقبلها).))، وفي حين أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تجهز سيناريو مغاير تماماً، يتمثل برد فعل طبيعي متوقع باعتراض الطائرة الأمريكية عن طريق مقاتلة إيرانية، ومن ثم إسقاط المقاتلة الإيرانية في خطوة تصعيدية جديدة، تظهر فيها الولايات المتحدة أنها المتحكم والضابط للحركة الإيرانية، وتستغل في الداخل الأمريكي لحملة ترامب الانتخابية.
هذا التصور الأمريكي مبني بالأساس على تحليل النصائح الأمنية الروسية المقدمة لإيران في مواجهة المواقف المشابهة، والتي وصلت ذروتها في مشاركة أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني “علي شمخاني” الاجتماع الدولي العاشر لكبار المسؤولين الأمنيين من مختلف دول العالم في روسيا 18/06/2019، وعقده سلسلة لقاءات مع مسؤولين مشاركين في الاجتماع لبحث “المبادرات السياسية والعسكرية والأمنية المشتركة وتضافر الجهود لمواجهة وإدارة التهديدات الأمنية”، حيث توقعت واشنطن أن يكون رد الفعل الإيراني مشابه لرد الفعل الروسي، والتي تقوم على اعتراض طائرات التجسس الأمريكية بمقاتلات حربية.
فعلياً أفشل الصاروخ الإيراني هذا المشهد وقلبه رأساً على عقب، وبالطبع ردة الفعل التي قام بها الحرس الثوري ليست من مبدأ الدراية بالمفاعيل الاستراتيجية، وإنما تعمل على مبدأ القرار المسبق بالحسم العسكري الكامل، دون الاشتباك مع المباشر مع العدو، وهو تكتيك عسكري اتخذته القيادة الإيرانية لإبراز أدواتها وفصائلها العسكرية على أنها تخضع لعقلية (الفاعل المجنون)، والذي يرد على الاستفزازات بخطوات عسكرية تصعيدية مقصودة بدون أي حساب للعواقب، ما يدفع الخصم للتفكير ملياً وتحمل عقلانية مفرطة في التعامل مع الموقف، على شاكلة تكتيك (الفاعل المجنون) التي تطبقه الحكومة الإسرائيلية في عدوانها على سورية، والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في تجاربه النووية والصاروخية.
ومن الملاحظ أيضاً أن القيادة الإيرانية قررت قيادة المعركة من الخلف، حيث ظهرت قدرات كبيرة جداً ومتطورة لدى الحوثيين في الآونة الأخيرة، في استهداف المنشآت السعودية، والتوعد بطول المطارات والموانئ الإماراتية، في حين توهم طهران واشنطن بأن المواجهة قد تكون في العراق ببعض حوادث أمنية كإطلاق صواريخ مجهولة نحو السفارة الأمريكية في بغداد في 14/06/2019، وسقوط صاروخ قرب مقرات الشركات النفطية الأمريكية والبريطانية بالبصرة أمس، إلا أن المواجهة الحقيقية في اليمن والتي ستتمدد بشكل متسارع جداً لتخفيف الضغط عن مضيق هرمز، بالتزامن مع رد الفعل العسكري الحاسم والسريع لأي استفزاز.
ضمن هذه المعطيات والنتائج أصبح من المؤكد أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تقدم على أي عمل عسكري كرد على اسقاط الطائرة، نتيجة وقوعها تحت تأثير العقلانية المفرطة، ولكن ستكثف بشكل كبير تصريحاتها العدائية ونشاطها الدبلوماسي وضغوطها على حلفائها للمشاركة في المواجهة ضد إيران، بالتزامن مع زيادة دعم العمليات السعودية ضد اليمن، وهو الذي يشكل المبرر الأساسي لتوجيه لكمة قوية للكونغرس من قبل ترامب، من خلال استخدام الفيتو على قراره بمنع توريد الأسلحة إلى السعودية والإمارات على خلفية المشاركة في الحرب اليمنية.