تقدير مواقف
تقدير موقف: زيارة الوفد البرلماني الروسي للسعودية تمهيد لتصحيح أخطاء الماضي.
زار وفد من البرلمان الروسي العاصمة السعودية الرياض في 08/07/2019، كما حضر الوفد جلسة مجلس الشورى السعودي، وأكد المجتمعون العمل لتمتين العلاقة بين برلماني البلدين في العديد من الملفات، تمهيداً لزيارة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” للسعودية في شهر تشرين الأول من العام ذاته، وفي هذا السياق يقّدر مركز الدراسات والأبحاث الأنتروستراتيجية المساعي الدبلوماسية الروسية تجاه السعودية، في إطار التصحيح التاريخي للعلاقة بين روسيا والسعودية، لتطوير علاقة البلدين وصولاً إلى علاقة شراكة استراتيجية، تخدم مصالح الطرفين، بما يخدم الرؤية الروسية للشرق الأوسط والمتمثلة بالأمن الجماعي، كمعادلة أمن إقليمي تكون موسكو ضامنها وضابط إيقاعها.
تعمل الاستراتيجية الدولية الروسية على ركيزتين أساسيتين، الأولى خلق هيكلية اقتصادية عالمية تعددية جديدة، والثانية تصحيح الأخطاء التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفيتي في السابق، كل ركيزة من هاتين الركيزتين تعمل كموجه للسياسة الخارجية الروسية، وأجنداتها، وتضبط حركة دوائر القرار الروسية على جداول الأجندات السابقة، وتعتبر عملية إعادة تقييم الأهمية الجيوسياسية لمختلف الأقاليم الخارجية القريبة والخارجية البعيدة من روسيا، أحد أهم أجندات السياسة الخارجية لموسكو، من هذا المنطلق، اعادت موسكو تقييم الشرق الأوسط، بصفته الخارج البعيد، لترفع درجة أهميته إلى حدود إعادة تنشيط الدبلوماسية الروسية، والتمهيد لشرعنة النشاط الروسي في المنطقة، بعلاقات متينة مع دولها، وربط مصالح الأطراف بالمصالح الاستراتيجية الروسية، في رؤية شاملة مشتركة.
وتعتبر السعودية من الدول المهمة ذات الثقل الجيوسياسي، والتي فرّطت بها القيادة السوفيتية، بالرغم من المبادرات الحثيثة حينها للمملكة على يد الأمير فيصل منذ عام 1936، للوصول إلى نوع من التعاون الوثيق والشراكة الاستراتيجية بين الدولتين، ليكون الاتحاد السوفيتي شريكاً لأمن المملكة، بعد تراجع دور بريطانيا وقوتها، وذلك قبل توجه الرياض نحو واشنطن، وعقدها لشراكة استراتيجية، تعهدت فيها واشنطن حفظ أمن المملكة، والتي لاتزال هذه الشراكة قائمة إلى يومنا هذا.
يقيّم الكرملين السلوك الماضي للقيادة السوفيتية تجاه السعودية، بالخطيئة الكارثية، التي تسببت وكوّنت جزءًا من سلسلة من الأحداث أزاحت في نهايتها الاتحاد السوفيتي من الوجود، وانطلاقاً من هذا التقييم، يعمل الكرملين على نقل مستوى العلاقة مع السعودية إلى المستوى الاستراتيجي، وذلك سعياً نحو مواءمة الدور الإقليمي للسعودية مع المصالح المشتركة، واستغلال تأثير الرياض القوي على محيطها من الدول العربية، وتزعمها كل أجندات عدم الاستقرار في المنطقة، الناتجة عن صراع النفوذ الإيراني السعودي.
وتأخذ الجهود الدبلوماسية الروسية شكلاً ثقافياً واقتصادياً وسياسياً وحتى سياحياً، في إطار الوصول إلى درجة من الاعتمادية بين الدولتين، دون الانخراط الروسي الفج في الداخل السعودي على شاكلة سلوك الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما في صورة مشابهة جداً للنجاحات المحققة من تعاون موسكو والرياض ضمن اتفاقية “اوبك+”، بدون أن تكون موسكو عضواً في منظمة أوبك، وتعميم هذا الشكل من التعاون للوصول إلى الترابط الأمني بين الدولتين، كعامل سيلعب دوراً مهماً في الإزاحة التدريجية لواشنطن، أو إضعاف قبضتها على الأقليم في أقل تقدير.
الجهود الدبلوماسية الروسية تجاه السعودية، ليست خطوات وحيدة ومنفردة، وإنما متزامنة مع خطوات وجهود أخرى على مساحة الشرق الأوسط، كتعزيز العلاقة مع إيران، ومحاولة حل الأزمة السورية، وأنهاء حالة عدم اليقين بين دول المنطقة، وصولاً إلى ضبط المخاوف الأمنية للأطراف الإقليمية في الشرق الأوسط في إطار الضمانة الأمنية الروسية، والتي ستأخذ تعاونية مع واشنطن في البداية، ريثما تتقدم موسكو بباقي أجنداتها في الأقاليم الأخرى.
في المحصلة فإن زيارة الوفد البرلماني الروسي، والزيارة المرتقبة للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” للمملكة، تمهد لصياغة معادلة أمن إقليمية وتطوير الشراكة الروسية مع دول المنطقة إلى المستوى الاستراتيجي.