مقالات
خبير: محور المشروع الأميركي يواصل حرب الاستنزاف في سوريا والعراق واليمن
رأى مؤسس علم الانتروستراتيجيا الدولية اللبناني، الدكتور عباس مزهر أن اغتيال الشهيد القائد مصطفى بدر الدين يشكل حدثاً استثنائياً ومرحلة مفصلية في الوضعية الصراعية بين محور المقاومة ومحور الاعتداء الغربي وأدواته الإقليمية في سوريا.
وأضاف في حوار خاص لوكالة انباء فارس في بيروت: ان الشهيد هو المعاون الجهادي لأمين عام حزب الله بعد استشهاد القائد عماد مغنية، وأنْ تفقد المقاومة القائدين العسكريين الأعلى رتبة وشأناً خلال السنوات الأخيرة في سوريا فهذا ما يدلّ على احتدام الحرب الأمنية على المقاومة في الجغرافيا السورية.
وأردف قائلا، انه لذلك عندما يتعاطى حزب الله مع هكذا ملف حساس فإنّه لا يخضعه للحسابات السياسية وموازين القوى، أي أنّ الإشارة إلى تورّط الجماعات التكفيرية في قضية اغتيال بدر الدين لا تأتي في سياق المناورة والسعي إلى تحقيق أهداف حصريةِ الصراع مع التكفيريين، بل إنّ قيادة المقاومة تتحدّث عن وقائع، فالتحقيقات أكّدت مسؤولية التكفيريين عن جريمة الاغتيال.
وأشار إلى أن المقاومة لا يمكنها أن تقوم بأي فعل يهدف إلى استبعاد إسرائيل وتحييد أميركا لحصر الصراع مع الجماعات الإرهابية التكفيرية وبالتالي لإعفاء نفسها من مواجهة مع الكيان الصهيوني, إذن الجماعات التكفيرية هي التي اغتالت الشهيد بدر الدين، وهذه حقيقة أمنية وعسكرية مؤكّدة بالتحقيقات والاستدلالات ودراسة الساحة الميدانية التي تمّت فيها العملية وطبيعة تنفيذها والآليات التي حصلت وفقها.
واعتبر مزهر أن مسارعة حزب الله إلى إعلان نتيجة التحقيق بضلوع الجماعات التكفيرية في اغتيال القائد بدر الدين تأتي في سياق إعلان الحرب المفتوحة واللا محدودة بمكان أو زمان مع العدو التكفيري, والملفت في هذا الأمر أنّ الحرب أخذت بُعْداً أمنياً استخبارياً وليس عسكرياً فحسب، مما يشكّل نقلة نوعية في الحرب بين المقاومة والإرهاب التكفيري.
وأضاف: ومن المعلوم أنّ هذه الحرب تجاوزت الجغرافيا السورية لتطال مختلف التمثّلات الجغرافية لمحور المقاومة، حيث واجه حزب الله التكفيريين في لبنان وسوريا والعراق واليمن، فالحرب مفتوحة منذ زمن، ومنذ انطلاقة المشروع المعادي لمحور المقاومة، لكنّ اغتيال القائد بدر الدين يمنح هذه الحرب طابعاً احتدامياً مستعراً، ومن نتائجه الهامة هو تجاوز السقف العسكري للحرب بل وتجاوز الحسابات الميدانية، مما يعني أننا سنشهد عمليات أمنية لحزب الله ومحور المقاومة تستهدف قياديين لداعش والنصرة في مختلف البقع الجغرافية، وليس فقط في الميدان السوري.
وتابع: وكذلك فإنّ جريمة اغتيال القائد بدر الدين ستجعل وتيرة الحرب متسارعة، لأنّها بدأت تمسّ الأمن الوجودي للمقاومة التي أخذت تستشعر خطر إطالة أمد الحرب وتحوّلها إلى عملية استنزاف طويلة المدى تفقد خلالها قادة آخرين في عمليات مشابهة, ولكن رغم إعلان حزب الله عن مسؤولية التكفيريين حول اغتيال القائد بدر الدين إلا أنّ المقاومة لم تبرّئ ساحة إسرائيل وأميركا من هذه العملية الاغتيالية.
واعتبر مزهر أنه لا يمكن وصف الحرب في سوريا بأنّها حرب بالوكالة تماماً، فلو اقتصرت على المواجهة بين الجماعات المسلّحة التي تقاتل بالوكالة عن أميركا وإسرائيل وبين حزب الله كجماعة تقاتل التكفيريين بالإنابة عن المحور المناهض لأميركا لصحّت التسمية, ولكن عندما يتدخّل الروسي مباشرة وكذلك الإيراني ومن جهة أخرى تقوم إسرائيل بشن غارات على سوريا واستهداف مواقع للجيش السوري وحزب الله، وكذلك بعض التحرّكات العسكرية التركية على الحدود مع سوريا، كل ذلك يوضح بأنّ هذه الحرب لم تعد حرباً بالوكالة بشكل تام.
وأردف أن القوى المتصارعة في سوريا ظهرت مرات عديدة وبشكل واضح وفاضح في الحرب، لذلك فإنّ هذه الحرب لها وضعيّتها الخاصة وطبيعتها المميزة، فقد تدخّلت فيها دول أخرى داعمةً مرة ومصرّحة مرة أخرى ومهدّدة حيناً ومتوعّدة أحياناً، كالصين وكوريا الشمالية اللتين تتوافقان مع الرؤيا الروسية الإيرانية وتوجّهات الجيش السوري وحزب الله، وفي المقابل نرى أميركا وإسرائيل وتركيا والسعودية وقطر وبعض الدول الأوروبية, وهذا يعني وجود محورين متصارعين، وإذا تأملنا ملياً بيان حزب الله حول اغتيال القائد بدر الدين نلاحظ هذا التصنيف، فهو عندما يعلن بأن المشروع الأميركي الإسرائيلي ينتهج العدوان على الأمة، فهو يقصد أنّ الأمة هي محور المقاومة والممانعة بكل أطيافه وشرائحه سواء أكانت دولاً أم جماعاتٍ أم شعوب، وهذا يُعتبر محوراً.
وأكمل: أمّا بالنسبة إلى أطياف المشروع الأميركي الإسرائيلي فهي تشكّل أمّة معادية أو محوراً معاديا يضمّ كل الأدوات المنخرطة في هذا المشروع سواء الجماعات التكفيرية أم بعض الدول الخليجية أم بعض الدول الأوروبية الداعمة له فضلاً عن الرأسين الأساسيين أميركا وإسرائيل, لذلك لا نعتقد أنّ الحرب في سوريا ستمضي على منوال الحرب في اليمن، ولا على شكل الحرب في العراق, لا بل إنّ الحرب في اليمن والعراق هي جزء من الصراع بين محور المشروع الأميركي الإسرائيلي ومحور المقاومة لهذا المشروع، والقضية السورية مرتبطة بالتحوّلات الميدانية، وكل عمل سياسي لاحق سيكون نتيجة حتمية للتطوّرات الميدانية، التي يبدو أنّها ستبقى محصورة بالشكل التي هي عليه اليوم.
وختم مزهر بالقول: فلا توجد مصلحة دولية ولا ظروف مؤاتية لحرب مباشرة بين القوى الكبرى، لأنّ ذلك سيشعل العالم من لبنان إلى القوقاز وبالتالي ستكون له تداعيات عالمية وخيمة، أي حرب عالمية ثالثة، وهذا أمر مستبعد حتى الآن ,ولكن الحرب ستسمر نصف وكالية ونصف مباشرة، تماماً كما يجري اليوم على الجغرافيا السورية واليمنية والعراقية، وذلك بانتظار التحوّلات الميدانية التي ستحدّد فيما بعد شكل وطبيعة الحل السياسي
والواضح أنّ محور المشروع الأميركي يحرص على استمرار حرب الاستنزاف في سوريا والعراق واليمن، مما يشكّل إلهاءً وإضعافاً للقوى المتصارعة بينما أميركا وإسرائيل تستفيدان من الظروف القائمة بتقوية وتكريس مشروعهما الوجودي اقتصاديا واجتماعيا وسياسياً وعسكرياً , لكنّ الوقائع الميدانية حتى الآن تشير إلى فشل هذا المشروع، وما إنْ ينهار كليّاً في سوريا حتى تنهار كلّ تمثّلاته وفروعه في المنطقة.